لماذا من أسبوعين إلى ثلاثة؟
إذا كانت هناك نية للبدء في إتمام صفقة تبادل الأسرى في ظل جهود وقف إطلاق النار، ليقف إطلاق النار إذاً.
ذبح هناك في غزة، وتخريب هنا في الضفة الغربية، لتحقيق الأهداف الإسرائيلية: استسلام الشعب الفلسطيني.
لقد كان الهدف الحقيقي ليس إطلاق سراح الأسرى، بل ما رأيناه من قتل وتخريب وتشريد، كون العقلية الاحتلالية لا تفصل بين الشعب والجماعات المسلحة.
يأتي تصريح سموتريتش، بأنه يريد طولكرم مدينة خراب، ضمن سلسلة تصريحات سياسية وإعلامية لم تستثنِ أيَّ أحد من التهديد، «فما ليس مع إسرائيل فهو ضدها». لقد وصلت التهديدات باستخدام الأسلحة النووية.
ترى ما الفرق فعلاً بين المقترحات التي يتم الحديث عنها اليوم، ومقترحات الأمس، سوى في الشكليات لا في المضمون؟ بل إنها أسلوب أميركي لإنزال حكومة الاحتلال عن شجرة العناد.
هل موقف حركة «حماس» يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة؟ إذا كان كذلك، فإسرائيل ليست معنية بالبقاء في غزة، بل هي لا تقدر.
تنقسم الصفقة إلى ثلاث مراحل مختلفة، سيتم في المرحلة الأولى إطلاق سراح جميع النساء الأسيرات، إلى جانب كبار السن والمرضى. أثناء تنفيذ هذه المرحلة، التي من المتوقع أن يتم فيها إطلاق سراح 33 أسيراً إسرائيلياً، حياً وميتاً، سيتم إجراء مفاوضات حول المرحلة الثانية من الصفقة - التي طالبت «حماس» حتى الآن بأن تتضمن انسحاباً كاملاً للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو أمر ترفضه إسرائيل حتى الآن.
وفي هاتين المرحلتين، سيتم إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
بيت القصيد هو وقف إطلاق النار، وتحقيق الانسحاب. وهما مرتبطان ببعضهما بعضاً. إن وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى يمنح الفرصة لمفاوضات تتعلق ليس بتبادل الأسرى فقط، بل باليوم الثاني، الذي تريد دولة الاحتلال شطب «حماس» من المشهد الإداري داخل قطاع غزة كما تعلن حكومة الاحتلال، التي تدرك استحالة ذلك، لأنه عملياً وإستراتيجياً، فإن الشعب الفلسطيني هو وحده من يقرر مصيره.
والسؤال، كيف تفاوض حكومة الاحتلال «حماس»، في الوقت الذي تطالب فيه بشطبها؟
«حماس» باتت تدرك أن الاحتلال الإسرائيلي لن يكون قادراً على البقاء في غزة، لذلك فإنها لم تعد تطالب بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، والتي ستستمر ستة أسابيع كفترة هدنة.
قد يبدو أن الاتفاق يحفظ لإسرائيل إمكانية العودة إلى الحرب، إذا لم يتم التوصل خلال المرحلة الأولى إلى اتفاقات المرحلة الثانية، ولكن في الواقع أن إسرائيل لن يكون بمقدورها متابعة الحرب على غزة بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى.
هي لعبة كلامية يتقنها نتنياهو، لكن للأسف فإنه خلال هذه اللعبة استمر بذبح الشعب الفلسطيني حتى صار الذبح الهدف الحقيقي للحرب، دليل ذلك أن حكومة الحرب كانت تدرك موافقة «حماس» على المضمون لا الشكل.
والآن: لماذا من أسبوعين إلى ثلاثة؟
هل يحتاج إتمام الصفقة إلى أسبوعين؟
معروف لدى الجانبين ماذا طلبا، فقد تم إعداد أسماء الأسرى، إلا إذا كان الهدف تخريب غزة وتهجير أهلها.
سيكون لكل ما نتحدث عنه جانب آخر يتحدث به ساسة إسرائيل علانية!
كان من الممكن إنجاز الفعل السياسي، فلماذا تأخر قبول إسرائيل؟
الجواب يتعلق بمفاوضات «حماس» وإسرائيل. ومفاوضات «حزب الله» أيضاً.
ولعل الجبهة الشمالية ستصبح المشكلة حتى في ظل الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار.
ولا ننسى دوماً ما يدور في الضفة الغربية التي استفرد بها من خلال الفعل الاحتلالي، وما مصادرة الأراضي واستمرار الاستيطان إلا دليل على إصرار إسرائيل بمواصلة الاحتلال.
الأصل في حل المشكلة البدء في التفكير، كون أصل الحكاية ينبع من فلسطين. ولن يفيد إسرائيل إطلاق تهديداتها لجميع الجبهات: لبنان وإيران والعراق واليمن.
لقد ضاقت دول الحلفاء بما أجرمت به دولة الاحتلال، ومن جهة أخرى، ظهر انكشاف دولة الاحتلال، فلم تعد الدولة التي يمكن الاعتماد عليها هنا في الحفاظ على مصالح دول الحلفاء، فكل ما تتقنه هذه الدولة العسكرية العنصرية ممارسة القتل حتى باتت إبادة غزة وترحيل أهلها الهدف الحقيقي، كون حكومة اليمين تمعن بإقصاء فلسطين شعباً وأرضاً.
الأرض هي السرّ، وما يحدث من استيطان ومصادرة أراضٍ يذكر بما فعله البيض بالدول التي تم استعمارها.
لكن شعبنا بقي وسيبقى، وسيظل الشوكة التي تؤلم الاحتلال حتى رحيله.
لقد استخدمت إسرائيل كل ما في جعبتها من أسلحة، خاصة تلك الأسلحة الثقيلة الوزن شديدة الانفجار، فلم تعد دولة الاحتلال تثير الخوف. إن كسر حاجز الخوف إستراتيجياً يزرع بذور إنهاء الاحتلال القائم على ممارسة القوة.
المشكلة لا تكمن في نتنياهو وفريقه، بل في الاتجاهات اليمينية التي تهدد وجود دولة الاحتلال.
فها هو نتنياهو في موقفه من إنهاء الحرب، غير حاسم فعلاً؛ فيبلغ الرئيس بايدن بأن إسرائيل ملتزمة بإنهاء الحرب فقط بعد تحقيق كافة أهدافها. فهل فعلاً حددت إسرائيل أهدافاً غير محو غزة؟ ليس المطلوب إرسال وفد فقط، بل نية حقيقية بوقف الحرب.
الغريب في المكالمة بين الحليفين غير المتمكنين نفسياً ولا فكرياً من نفسيهما، هو ما ورد على لسان الرئيس بايدن مخاطباً نتنياهو: «دون إسرائيل لا يوجد أمن لليهود في العالم». أليس هناك من يهمس للرئيس بايدن بأن أمن المواطنين اليهود في دول العالم من مسؤوليات الدول التي يتواجدون فيها؟ ليست هناك مشكلة مع اليهود في العالم، بل المشكلة مع الاستيطان اليهودي في فلسطين المحتلة. ليس الصراع دينياً إلا عند الفاشلين الأشرار من كل الأديان الذين يوظفون الدين لمصالحهم.
الآن، تتواصل المفاوضات لإبرام الصفقة، وهي نفسها التي بدأت منذ اليوم الأول للحرب، والتي طالت لتعمق نظرة العالم تجاه إسرائيل.
أصبح الاحتلال وحيداً وعاجزاً عن الحسم، وسيكون مضطراً قريباً للقبول بفكرة الرحيل؛ حيث سيصعب على إسرائيل الاستحواذ على كل شيء، وقد قيل في المثل الشعبي الحكيم: «من طلبه كله فاته كله».
ليست بداية نهاية الحرب فقط، فبعد أسبوعين، ستتوقف الحرب على الأرض لتبدأ في النفوس والعقول، فهل هذه دولة تصلح فعلاً للحياة البشرية؟!
Ytahseen2001@yahoo.com