دراسة إسرائيلية: ملاحقة تل أبيب للسلطة الفلسطينية كيْد مرتدّ عليها في العالم

الثلاثاء 02 يوليو 2024 04:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
دراسة إسرائيلية: ملاحقة تل أبيب للسلطة الفلسطينية كيْد مرتدّ عليها في العالم



الناصرة/سما/

يحذّر معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب من تبعات الملاحقات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية للسلطة الفلسطينية والفلسطينيين، ويقدّم عدة توصيات لتحاشي المزيد من التورّط عالمياً.

 ويقول “المعهد”، في تقرير نشر على موقعه، إن السلطة الفلسطينية تقوم بتحريك حملة سياسية وقانونية في المؤسستين القانونيتين الدوليتين محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، وعبر منصات قانونية دولية أُخرى، من ضمنها مؤسسات الأمم المتحدة، تركز على توجيه الاتهامات لإسرائيل وقادتها بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

رداً على ذلك، قررت الحكومة الإسرائيلية تحضير سلّة عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، كما تفكّر في الإضرار بالعلاقات الدبلوماسية مع الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية.

ويستذكر التقرير مصادقة مجلس الحرب الإسرائيلي، بتاريخ 27/6/2024، على سلّة من العقوبات ضد السلطة الفلسطينية، والتي تشمل: قوننة خمس بؤر استيطانية غير قانونية: أفيتار، سديه إفرايم، أدورايم، حيليتس، وغفغات أساف. إلى جانب المصادقة على إضافة 5000 وحدة سكنية جديدة إلى المستوطنات القائمة فعلاً، وفرض العقوبات على مسؤولي السلطة، وهدم البيوت غير القانونية، وغيره. منوهاً إلى أن الأموال الفلسطينية المستحقة المفرَج عنها لا تشمل الأموال المخصصة إلى قطاع غزة (40% من مجمل أموال المقاصة)، كما ستخصم من مجمل أموال المقاصة المبالغ التي تقوم السلطة بدفعها لعائلات الأسرى، والأسرى المحررين، وعائلات الشهداء والجرحى. وينبه “المعهد” إلى أن هذه الخطوات تؤدي شيئاً فشيئاً إلى تقليص الفارق بين مداخيل السلطة ومصاريفها، ويُحتمل أن يكون قد تم أخذ إنذار البنك الدولي بعين الاعتبار، والذي حذّر من أن استمرار تجميد تحويل أموال المقاصة للسلطة قد يؤدي إلى انهيارها.

 في هذا السياق، أفادت وسائل الإعلام، الأسبوع الماضي، بأن نتنياهو أوضح أن “انهيار السلطة الفلسطينية لا يصبّ في مصلحة إسرائيل في الوقت الراهن، وأن هناك حاجة إلى الدفع قدماً بأعمال تؤدي إلى استقرار السلطة، من أجل تلافي وقوع تصعيد في الضفة الغربية.

ويمضي “المعهد” في تحذيراته: “رغم ذلك، فإن إلحاق الضرر بصلاحيات السلطة وقدرتها على العمل، وإقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية في الوقت نفسه، هو أمر سيُفسّر، دولياً، بأنه خطوة إسرائيلية هادفة إلى عرقلة أي خيار للتسوية السياسية المستقبلية، وبصفته سعياً لهدم السلطة. وبالتأسيس على هذا الفهم، فمن المتوقع أن تعترف دول أُخرى بالدولة الفلسطينية، وتوفر الدعم للسلطة على المستويَين الاقتصادي والسياسي، إلى جانب زيادة تشديد حلقة العزلة الدولية ضد إسرائيل. كما من المتوقع أن يرتفع عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد إسرائيل أمام المحاكم القانونية الدولية”.

معارضة المؤسسة الأمنية
يُشار إلى أن أغلبية العقوبات تمت الموافقة عليها في ظل معارضة المنظومة الأمنية الإسرائيلية لها، وقال وزير الأمن غالانت إن الإجراءات المتخذة ضد السلطة لها تأثير إيجابي بسيط، يترافق مع مخاطر أمنية كبيرة على صعيد شرعية إسرائيل الدولية في هذه الفترة المعقدة، ورغم مقتل أكثر من 500 فلسطيني في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب، فإنه لم تندلع أيّ انتفاضة في أراضي السلطة الفلسطينية، فضلاً عن أن التعبير عن التعاطف مع ما يحدث في قطاع غزة محدود.

يُضيف “المعهد” إلى ذلك أن أحداث العنف التي مارسها متطرفون إسرائيليون داخل الضفة الغربية لم تؤدّ حقاً إلى مواجهة شعبية مسلحة من جانب الفلسطينيين. ويرى أن التنسيق الأمني الإسرائيلي الفلسطيني يشكل أحد أسباب إخفاق “حماس” في تحفيز الجماهير في الضفة على الخروج في احتجاجات شعبية واسعة النطاق. ومن هنا يستنتج “المعهد” أن الإضرار بقدرة السلطة الفلسطينية على دفع رواتب الموظفين في الأجهزة الأمنية سيكون متعارضاً مع مصلحة إسرائيل الأمنية، وسيقلل من دوافعها الضعيفة أصلاً، إلى حد كبير، لتهدئة الشارع والسيطرة على النظام، بل ربما يشجعها على “قلب الطاولة”، أي تحويل سلاح قواتها ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.

كما يستنتج أن مصلحة إسرائيل الأمنية  تتمثل في فرض الهدوء والاستقرار الميداني، والحؤول دون وقوع انتفاضة شعبية واسعة النطاق، تُفاقم الحاجة إلى زيادة عديد قوات الجيش الإسرائيلي العاملة في الضفة، وسيكون ذلك، بالضرورة، على حساب قطاع غزة والحدود الشمالية.

إسقاطات تنفيذ العقوبات الإسرائيلية
ويقول “المعهد” إن هذه العقوبات رمزية، في معظمها، وتُعتبر إجراءات عقابية، إلى جانب استغلال الحكومة الفرصة من أجل توسيع المستوطنات وقوننتها مع البؤر الاستيطانية غير القانونية. كما يقول إن هناك خطراً كامناً في تطبيق هذه العقوبات، ضرره أكبر من فائدته، فهذه الخطوات لن تؤدي إلى تغيير سياسة المواجهة التي تمارسها السلطة ضد إسرائيل، ولن تقلل من الشرعية الدولية التي تتمتع بها السلطة، والتي تواصل مراكمتها، بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ونضاله في سبيل حق تقرير المصير.

ويتابع: “من الواضح أن العقوبات ستُفسَّر دولياً بأنها عقاب إسرائيلي جماعي، تماماً كما يُنظر إلى الحرب في غزة، بصفتها عقاباً جماعياً للغزيين. كما ستُفسَّر الخطوات الإسرائيلية بأنها تعكس نية القضاء على أيّ إمكان لتحوُّل السلطة إلى عامل مؤثر في إعادة تشكيل الساحة الفلسطينية، أو في الدفع قدماً في اتجاه تسوية سياسية”.

عقوبات وملاحقات سرية
ويرى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن إسرائيل بحاجة فعلاً إلى مواجهة المعركة الدولية التي تقودها السلطة الفلسطينية ضد شرعية إسرائيل واتهامها بالإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. لكن لتحقيق هذا الهدف، من الأفضل التركيز على إلحاق الضرر الدقيق بالمصالح الشخصية للأفراد والمؤسسات المرتبطة بالسلطة الفلسطينية، والتي تروّج الحملة السياسية والقانونية ضد إسرائيل في المحافل الدولية، وبصورة خاصة في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.

ويمضي في دعوته لملاحقة الفلسطينيين: “يجب إعطاء الأفضلية للأضرار التي يمكن وصفها بالسرية، ولا سيما في مجال الأملاك، وفي مجال تجريم تورُّط هؤلاء الأفراد في “الفساد” ودعم “الإرهاب”، من دون إعلانات علنية بشأن إلغاء تصاريح السفر لكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية. علاوةً على ذلك، هناك ما يبرر تماماً استمرار خصم أموال المقاصة المخصصة لدفع رواتب إلى أُسر “المخربين” والأسرى الفلسطينيين. يجب أن يُطلب من السلطة دفع رواتب لموظفيها، وخصوصاً أولئك الذين يخدمون في الأجهزة الأمنية، قبل رواتب “المخربين”. إن إلحاق مزيد من الضرر بدفع الرواتب للعاملين في الأجهزة الأمنية سيقلل من دوافعهم إلى منع “حماس” من السيطرة على الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، ويزيد في إغرائهم بتلقّي دفعات مالية من إيران ووكلائها في مقابل أعمال “إرهابية”.

تقويض قرار عباس
ويرجح “المعهد” أن يؤدي الضرر الواسع النطاق بكبار مسؤولي حركة “فتح”، حتى أولئك الذين لا يشاركون في الحملة الدولية، إلى زيادة الانتقادات الداخلية لأبو مازن وتقويض سياسته، ولا سيّما إصراره على منع المصالحة مع “حماس”.

ويرى أنه بعد كل شيء، تتمثل المصلحة الرئيسية لإسرائيل في عدم انضمام “حماس” إلى القيادة الفلسطينية.

ويمضي في تحذيراته من تبعات الملاحقة العلنية: “إن عملية واسعة النطاق لتدمير البنية التحتية والمباني الفلسطينية غير القانونية في المناطق (ب) ستُعتبر سبباً يدفع الجهات الدولية إلى اتهام إسرائيل بممارسة سياسة الأبارتهايد، إذ توجد، فعلاً، فجوة هائلة في حجم عمليات الهدم الممارَسة ضد الفلسطينيين، مقارنةً بقوننة عمليات البناء اليهودية غير القانونية.

أعمال ثأرية

وضمن توصياته، يقول “المعهد” إنه من المناسب تجنُّب إلحاق الأذى المباشر وغير المباشر بالسكان الفلسطينيين، كي لا يتم دفعهم إلى ارتكاب أعمال انتقامية “إرهابية وعنيفة”، وتلافي ظهور إسرائيل بمظهر مَن يمارس العقوبات الجماعية. ويقول أيضاً إن زيادة الضغط على الجمهور الفلسطيني، إلى جانب تجاهُل عنف المتطرفين الإسرائيليين ضد السكان الفلسطينيين، وبصورة خاصة في هذه الأيام، على خلفية الحرب في غزة، يمكن أن يؤدّيا إلى اندلاع انتفاضة شعبية. ويرى أن هناك قضية رئيسية أُخرى تتمثل في تهديد النظام الدولي بعزل إسرائيل:

لقد أصبحت العزلة السياسية أكثر واقعيةً وأهميةً، وهي خطر يجب معالجته بالقدر نفسه من الجدية الذي يميز التعامل مع التهديدات العسكرية، وقبل اتخاذ القرارات، يجب فحص آثارها في شرعية إسرائيل ومكانتها الدولية.

 وطبقاً لـ “المعهد”، فقد تضررت شرعية إسرائيل على خلفية الحرب في غزة لثلاثة أسباب رئيسية، هي: الأول، عدم إبداء إسرائيل التعاطف، أو الرحمة تجاه المدنيين الفلسطينيين، في حين يُعتبر عملها العسكري “عقاباً جماعياً”.

ثانياً، عدم قيام الحكومة الإسرائيلية، حتى هذه اللحظة، بتقديم خريطة طريق سياسية وخطة تحدد مقاصدها.

ثالثاً، الرفض الإسرائيلي القاطع لفكرة إقامة دولة فلسطينية، وبالتالي فهي تعلن نيتها منع الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تقرير المصير.

ويضيف تقرير المعهد: “هذه هي في الواقع المعايير الثلاثة التي يستخدمها المجتمع الدولي لتقييم أفعال إسرائيل. وكيلا تتفاقم الأمور وتصبح أسوأ، يجب على إسرائيل أن تتصرف بحكمة، وأن تتجنب اتخاذ الخطوات التي من شأنها أن تضرّها. وخصوصاً عندما تكون نتائج العقوبات التي تفرضها إسرائيل على السلطة غير واضحة.