علّقت الكاتبة في صحيفة “الغارديان” نسرين مالك على المشهد الانتخابي البريطاني، وإن كانت غزة ستلعب دوراً حاسماً فيه.
وأشارت إلى دائرة انتخابية في شرق لندن، وهي إلفورد، يمكن أن تكون واحدة من الساحات التي ستلعب فيها غزة دوراً. وقالت مالك إن فلسطين حفّزت المجتمع، وتحاول مرشحة محلية تسخير هذه الطاقة، وتحدي النائب ويس ستريتنغ.
وقالت إنها حضرت، في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، تجمّع العيد في إلفورد، وكانت الاحتفالات مزينة بالشارات الفلسطينية. وقام بعض الأطفال بوضع أعلام فلسطين على شكل قلب على ملابس العيد. وارتدى الكبار الكوفية الفلسطينية.
وفي أحد مهرجانات العيد في حديقة غودمايز، رفرفَ علم فلسطين في كل مكان، وكان هناك كشك لفلسطين. وفي الحفل التقت بنجوى، وهي امرأة فلسطينية من منطقة فيرلوب كانت ترتدي قلادة عليها خريطة وطنها. وبدأت المحادثة باللغة الإنكليزية، ولكنهما تحوّلتا سريعاً إلى اللغة العربية، حيث تتحدثها نجوى بفصاحة أكثر.
وقالت نجوى لمالك إنها وصلت منذ ستة أشهر، ولا تزال مندهشة من الدعم والتضامن المحلي الذي لاقته. وقالت: “لقد وقف الناس معنا في الغرب أكثر من العرب“.
وأشارت مالك إلى أن إلفورد تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين، إلفورد الجنوبية وإلفورد الشمالية، هذه التي ستكون مسرحاً لواحدة من أعنف المواجهات حول فلسطين خلال هذه الانتخابات.
ويواجه النائب الحالي عن حزب “العمال”، ويس ستريتنغ، تحدياً من قبل ليان محمد، وهي امرأة بريطانية فلسطينية تبلغ من العمر 23 عاماً، تركت حزب “العمال” وتترشح الآن كمستقلة. وتتمثل أولوياتها القصوى في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وحظر بيع الأسلحة لإسرائيل.
وقالت مالك إن محمد تتمتّع بسجل من النشاط المحلي المذهل بالنسبة لشخص صغير جداً، كما أنها تتمتع بالدفء والسهولة التي لا يمكن أن يحلم بها العديد من السياسيين الذين يكبرونها في السن والخبرة بعقود.
وأكدت الكاتبة أن ليان تبدو منافسة حقيقية، ليس فقط بسبب ما تتمتع به من صفات، ولكن لأن ستريتنغ، عضو البرلمان منذ عام 2015، يتمتع بأغلبية تزيد قليلاً عن 5000 صوت، بعد أن كان أقل قليلاً من 10000 صوت في عام 2017.
وقالت مالك إن حملة “صوت المسلمين”، وهي حملة وطنية تهدف إلى تعبئة المسلمين للتصويت بناء على مصالح مجموعتهم، تدعم ليان محمد. وتقدر أن هناك حوالي 25 ألف صوت مسلم، أي ما يشكل أكثر من ربع الدائرة الانتخابية.
وترى الكاتبة أن الشعور بقوة تجاه فلسطين شيء، ودفع الناس إلى التصرف بناء عليه خلال حملة انتخابية ضعيفة وغير ملهمة شيء آخر.
ورأت الكاتبة، في زيارتها للمنطقة، شاحنة تعود إلى حملة “صوت المسلمين” خارج الحديقة مباشرة تحمل لافتة إعلانية رقمية تحثّ المارة على التعبير عن إحباطهم والتسجيل للتصويت.
ويتمثل التحدي الذي يواجه الحملة في التوفيق بين دافعين: الشعور العالي تجاه غزة، وانخفاض المشاركة في السياسة الانتخابية. لقد أصبحت فلسطين بمثابة إحباط سياسي، ما أدى إلى إبعاد الناس ليس عن حزب “العمال” فحسب، بل عن السياسة السائدة بشكل عام.
لكن هذه القضية كانت أيضاً بمثابة جسر، ووسيلة لبناء التضامن والعلاقات بين الأشخاص الذين لا يتمتعون بعلاقات جيدة، والذين يشتركون إلى حد كبير في خصائص الأقليات والظروف المعيشية وتجارب عدم الاستقرار.
وأضافت أن حملة جمع التبرعات الخيرية التي استفادت من تجمع العيد جسدت هذا الاندماج في المصالح. لقد كانوا يجمعون التبرعات من أجل مزيج من القضايا العالمية والمحلية؛ من أجل الرعاية الطبية في غزة، ولكن أيضاً من أجل طالبي اللجوء الذين لا يستطيعون العمل، والأمهات العازبات وأطفالهن.
كانت إحدى العاملات في مؤسسة خيرية منفتحة وكريمة في حديثها، ولكن عندما سألتها كاتبة المقال عن الانتخابات، بدا الجو بارداً. وقالت إنها لم تكن تنتمي إلى أي حزب أو مرشح، ولم يثر اسم ليان محمد أي تعليق. وعندما ركبت الحافلة عائدة إلى المدينة مع نجوى قالت لها نجوى إنه لا يمكنها التصويت لأنها ليست مواطنة، ويبدو أن اطلاعها على سباق الانتخابات بسيطاً، ولكنها، مع ذلك، بدأت في تفصيل خدمات المجلس المحلي والتحديات التي كانت تواجهها هي وعائلات أخرى. وأكثر من أي شيء آخر، فهي في حاجة ماسة إلى السماح لها ببدء العمل.
وأكدت أن هذا الانفصال كان واضحاً بين الآخرين في المجتمع الذين صعقتهم غزة، وخذلهم البرلمان، والمنشغلين بكيفية دعم أنفسهم وبعضهم البعض. لافتات التضامن مع فلسطين فاقت عدد اللافتات الانتخابية لأي مرشح. وأخبرها أبو بكر ناناباوا من منظمة “صوت المسلمين” أن ما رأته في إلفورد لم يكن فريداً في المنطقة. في جميع أنحاء البلاد، لا يشعر الكثير من الناس أن أي شيء سيتغير، وبالتالي لا يرون أن أصواتهم ستحدث فرقاً، على الرغم من أنهم غاضبون من حزب “العمال”. والتهميش الاقتصادي لا يساعد. وقال: “إن المسلمين في الغالب يأتون من مجتمعات الطبقة العاملة، ويرون أن النظام السياسي يخدم مصالح مجموعة صغيرة جداً ومختارة من الناس”.
وقالت إنه مثل مساحات واسعة من شرق لندن الكبرى، بل والبلد ككل، تعد إلفورد مكاناً مليئاً بالمحلات التجارية الشاغرة والمساحات المجتمعية المتضائلة. يقف متجر ويلكو الفارغ العملاق خارج محطة إلفورد كشاهد على هذه الحال. ويعد الشارع الرئيسي موطناً لمحلات المراهنة وويسترن يونيون [لتحويل النقود] ومتاجر السلاسل الصغيرة بين متاجر البيع بالتجزئة المغلقة. ويكتظ شارع صغير للمشاة خلف المحطة، وهو عبارة عن شريحة صغيرة من المساحة المشتركة، مع مقاعد محدودة ومنطقة لعب للأطفال. هناك، شاركت الكاتبة مقعداً خرسانياً مع جوان، البالغة من العمر 87 عاماً، وهي تدخن آخر سجائرها.
وقالت إنها لم تكن تصوت، ولم تكن تعرف حتى من كان يترشّح، أو إلى أي دائرة انتخابية كانت تنتمي. لقد عاشت في سكن المجلس المحلي في المنطقة لأكثر من 50 عاماً، وشهدت تدهور حال البناية التي تعيش فيها من حيث الإدارة والصيانة. معظم أصدقائها وزوجها “صعدوا إلى الطابق العلوي”. لكنها كانت تستمع بقضاء الوقت مع أبناء امرأة سريلانكية محلية كانت جوان ترعاهم وهم أطفال. الآن، وقد أصبحوا كباراً، يقومون بزيارتها ويأخذونها معهم في أشغالهم، ويدعونها إلى المناسبات العائلية.
وعلقت مالك بأن هناك شيئاً غطّى عليه كل هذا الضجيج والغضب بشأن الهجرة والاندماج والاحتجاجات حول غزة؛ المجتمع الذي ينشأ حول المناطق ذات الأقليات الكبيرة والأسر الكبيرة وتقاليد الجوار. ويبدو أن التضامن مع فلسطين امتداد لذلك، وهو الاهتمام الذي أدى إلى إقامة علاقات أوثق بين الأشخاص الذين تم التخلي عنهم خلال سنوات، من تخفيضات ميزانيات المجالس المحلية، والتقشف، بعد أن تخلت الحكومة المركزية عن دور توفير النسيج الضام، الخدمات والمساحات التي توفر الرعاية التي تُشكل الانتماء.
وتستنتج أن الانسحاب من السياسة الوطنية والاستثمار في الجهود المحلية العضوية ليس أمراً طبيعياً فحسب، بل إنه أمر لا مفر منه أيضاً، حيث أصبحت المشاركة السياسية على نحو متزايد حكراً على أولئك الذين لديهم مصلحة اقتصادية.
وتوقع تقريرٌ، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أن تكون هذه الانتخابات هي الأكثر تفاوتاً منذ 60 عاماً، حيث من المرجح أن يصوّت الأشخاص ذوو الدخل المرتفع وأصحاب المنازل وخريجو التعليم العالي.
وقالت إنه عندما قامت برحلة العودة إلى المنزل، وهي رحلة استغرقت جولة واسعة في شرق لندن عبر ريدبريدج وإيست هام ونيوهام ودوكلاندز، كان الطريق يمر من الشوارع الرئيسية لتلك المناطق، والتي كانت متشابهة من حيث المتاجر المغلقة. وفي نهاية الرحلة، ظهرت كناري وورف في الأفق. بالنسبة للكثيرين، تبدو الانتخابات أنها تركز على البلاد التي تمثلها أبراجها المجمعة من البنوك الاستثمارية، وشركات الاستشارات الإدارية، ومجمعات التسوق. وقفت تلك الأبراج عالية تلتقط آخر شعاع لشمس المساء، وتنشر أشعتها فوق مباني المدينة المنخفضة في الأسفل.