خبير أمريكي: هل انتهت القوة الناعمة؟

الجمعة 14 يونيو 2024 05:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
خبير أمريكي: هل انتهت القوة الناعمة؟



القدس المحتلة/سما/

 يتساءل الخبير السياسي الأمريكي جوزيف ناي الابن: هل انتهى عصر القوة الناعمة في عالم يشهد حروباً في أوكرانيا وغزة.

ويقول إنه منذ ثلاثين عاماً، مع نهاية الاتحاد السوفييتي، والتكامل المتزايد في أوروبا، و”لحظة القطب الواحد” بالنسبة لأمريكا، بدت احتمالات اندلاع حرب بين الدول ضئيلة.

ويضيف ناي، المساعد السابق لوزير الدفاع الأمريكي في عهد بيل كلينتون، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال أنتريست” الأمريكية “إن بعض المراقبين رأى أن عصر القوة الخشنة يتضاءل، وأن العالم يدخل عصر القوة الناعمة. واتضح تماماً أن هذا تصورٌ خاطىء”.

ويقول ناي: “لكن لم تكن هذه وجهة نظري على الإطلاق، فقد قمت بصياغة مفهوم القوة الناعمة أثناء الحرب الباردة، ورأيت أنها مناسبة للواقعية وللصراع وللسلام أيضاً”.

ويوضح ناي أن القوة الناعمة هي القدرة على التأثير على الآخرين من خلال الاجتذاب وليس القسر أو دفع مقابل، وهي مناسبة في الحرب والسلام.

ففي حرب السنوات السبع في القرن الثامن عشر، انسحبت روسيا من التحالف الذي تم تكوينه ضد بروسيا لأن القيصر بيتر الثالث كان معجباً بالملك البروسي فريدريك العظيم. ومع ذلك، فإنه عادة ما تكون تأثيرات القوة الناعمة بطيئة وغير مباشرة. وهي ليست المصدر الأهم للقوة بالنسبة للسياسة الخارجية في المدى القصير.

ويضيف ناي أنه مع ذلك، فإن تجاهل وإهمال القوة الناعمة خطأ إستراتيجي وتحليلي. فالقوة الناعمة ليست جديدة. فالقوة الرومانية اعتمدت، في جانب منها، على جاذبية ثقافتها. ووصف جير لوندستادت، وهو باحث نرويجي، أوروبا، في ظل الحرب الباردة، بأنها مقسمة إلى إمبراطوريتين: سوفييتية وأمريكية، ولكن التواجد الأمريكي في أوروبا الغربية يعتبر “امبراطورية بناء على دعوة”.

وعلى عكس التدخلات العسكرية السوفييتية في المجر وتشيكوسلوفاكيا، دعمت الولايات المتحدة تكامل أوروبا الغربية، وتساهلت مع استقلال شارل ديغول. وفي نهاية الحرب الباردة، انهار سور برلين بمطارق وجرافات استخدمها أشخاص في الإمبراطورية السوفييتية تأثرت عقولهم بالقوة الناعمة الغربية.

ويقول ناي إن الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ ربما كان على حق بأن القوة تأتي من السلاح، لكن القوة أيضاً تستمد من القيم. فعلى المدى القصير، تكون السيوف أقوى من الكلمات، ولكن على المدى الطويل، تكون الكلمات هي مرشدة السيوف.

 فإذا استطعت أن أجعلك تريد عمل ما أريده، حينئذ، لست مضطراً لإرغامك على عمل ما لا تريد عمله. فإذا كانت دولة تمثل قيماً يجدها الآخرون جذابة، فإنها لن تحتاج كثيراً للجوء للثواب والعقاب. وأحياناً تتناقض القوة الخشنة مع القوة الناعمة، لكن عندما يتم الدمج بينهما بذكاء تكون الجاذبية قوة مضاعفة. وقد استغل الرئيس زيلينسكي مواهبه كممثل لاجتذاب التعاطف من البرلمانات الغربية، والذي يمكن أن يتحول إلى ميزانيات لشراء الأسلحة التي زادت من قوة أوكرانيا الخشنة.

إن القوة الناعمة جزء لا يتجزأ من صراع القوى الكبرى بين الولايات المتحدة والصين. ففي عام 2007، قال الرئيس هو جنتاو للمؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني إن الصين في حاجة إلى زيادة قوتها الناعمة، وأنفقت الحكومة الصينية عشرات المليارات من الدولارات لتحقيق ذك الهدف، لكن الاستطلاعات الدولية تسجل نتائج مختلطة.

وفي حقيقة الأمر تواجه الصين عقبتين رئيسيتين من الصعب التغلب عليهما. أولهما نزاعاتها الإقليمية مع عدد من الدول الآسيوية المجاورة لها، وما تسفر عنه من خلافات. والعقبة الثانية هي سيطرة حزبها الشيوعي الصارمة على كل المنظمات والآراء في مجتمعها المدني. وهذا يقلل من جاذبيتها لدى الدول الديمقراطية.

وعلى خلاف ركائز القوة الخشنة، مثل الجنود، والدبابات، والطائرات، يتم بناء احتياطي القوة الناعمة لأي دولة من خلال المجتمع المدني، وليس الحكومات.

وكثير من القوة الناعمة الأمريكية مصدرها أفلام هوليود التي تصور، على سبيل المثال، شخصيات نسائية مستقلة، ومحتجين يتظاهرون من أجل حقوقهم، وأعمال صحافة حرة متنوعة. وهناك آخرون تجذبهم الأعمال الخيرية للمؤسسات الأمريكية وحرية البحث في الجامعات الأمريكية.

 وتحقق الشركات، والمؤسسات، والكنائس، وحركات الاحتجاج قوة ناعمة خاصة بها يمكن أن تعزز وجهات نظر الأجانب بالنسبة للبلاد.

وقال ناي، في ختام تقريره: “قال لي أوروبي بارز، مؤخراً، إنه اعتاد الشعور بالقلق بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية في ما يتعلق بوجود تراجع في قوتنا الخشنة. وقال الآن إنه أكثر قلقاً إزاء إضعاف السياسة الداخلية الأمريكية للقوة الناعمة التي تعتمد عليها سياستها الخارجية. والقوة الناعمة هي مجرد وجه واحد لعملة القوة، ولكنها تظل مناسبة لأي تحليل واقعي لسياسات العالم.