بيروت - يشكل كتاب "الحوثيون .. دراسة منهجية شاملة" للكاتب الاكاديمي اليمني احمد محمد الدغشي جهدا واضحا ومنحى متزنا يهدف فضلا عما يعتبره حقيقة الى امر اخر مهم هو التوفيق بين اتجاهات ووجهات نظر تظهر للعين العادية شديدة الاختلاف بينما يرى هو ان خلافاتها اقل من الظاهر. وتحت عنوان الكتاب جاء كلام واضح عن المحتويات وهو "طبيعة النشأة والتكوين - عوامل الظهور وجدلية العلاقة بالخارج - مشاهد المستقبل". كتاب الدكتور الدغشي الكاتب والباحث والاستاذ في كلية التربية في جامعة صنعاء جاء في 183 صفحة متوسطة القطع وصدر عن "المورد للاعلام" في قطر وعن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت. واشتمل الكتاب على اربعة اقسام او مباحث فضلا عن مقدمة وخلاصة (النتائج والتوصيات) وقائمة بالمراجع. يقول المؤلف متحدثا عن عمله "اخذت ظاهرة الحوثية في اليمن حيزا هائلا من الاهتمام الاعلامي ومساحة واسعة من الجدل الثقافي والفكري على الصعيدين الداخلي والخارجي. وظهرت كتابات متباينة الوجهة تأييدا ومعارضة بدوافع مختلفة وان الباحث الحر يقف محتارا حين يبحث عن كتاب او دراسة عامة تتحلى بقدر معقول من الموضوعية." وأضاف "والمفارقة اننا جميعا نزعم استنادنا الى القرآن الكريم على حين نجد ان منهج القرآن يربي اتباعه الجادين على التحلي بالموضوعية في اسمى معانيها حتى مع غير ابناء ديننا وذوي الاختلاف الكلي معنا..." وفي رأيه ان "الكتابة في قضية معقدة كالحوثية اختلط فيها الفكر بالسياسة والتاريخ بالحاضر والايديولوجيا بالمنفعة لهو مدعاة الى التريث ومجاهدة الذات..." وفي "المبحث الاول: الخلفية التاريخية" سعى الدكتور الدغشي الى تقريب "الظاهرة الحوثية الى الذهن ولا سيما القارىء خارج اليمن." وتحدث عن حقيقتين لا مناص من الاشارة اليهما. "الحقيقة الاولى: ثمة مكونان مذهبيان سائدان في اليمن عبر تاريخها الاسلامي هما الشافعية (نسبة الى الامام محمد بن ادريس الشافعي الذي توفي سنة 240 للهجرة) والزيدية (نسبة الى الامام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب الذي توفي سنة 122 للهجرة. "عاش في ظلهما اليمنيون منذ نشأتهما على نحو من التآخي العام دون ان يعني ذلك خلو الاجواء من المناكفات والمشاحنات بين حين وآخر وعادة ما يسهم في تأجيجها تسييس اي من المذهبين حين تدول الغلبة لاي منهما - ذلك انه قد تمكن بعض الائمة الزيدية من السيطرة على بعض المناطق في اليمن وجعل المذهب الرسمي للحكم فيها هو المذهب الزيدي الهادوي (نسبة الى الامام الهادي الى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي توفي سنة 298 للهجرة) حقبة تزيد عن الف عام." وقال الباحث "وإذا كان الامام زيد هو صاحب المذهب ومن تنتسب اليه الزيدية في اليمن فإن تراثه خلو من الزعم باشتراط نسبي او عائلي او حتى افضلية لحصر الخلافة في البيت العلوي بل يراعي في ذلك مصلحة المسلمين وعدالة الوالي..." اضاف ان الحقيقة الثانية هي انه "..لم يؤثر عن الامام زيد نيل من كبار الصحابة كأبي بكر وعمر... بل ان التحقيق العلمي ليقرر انه مما ثبت عنه واشتهر القول بصحة ولاية الشيخين (ابي بكر وعمر) والتبرؤ ممن نال منهما او قدح في خلافتهما..." وفي ما توصل اليه الكاتب ان الظاهرة الحوثية على نحو عام تنتمي الى المدرسة الزيدية (الجارودية) وهي "المتسمة بالالتقاء مع المدرسة الامامية الاثني عشرية في جانب من النيل من كبار الصحابة..." وقال ان الحوثية مرت بمرحلتين احداهما "مرحلة التأسيس والتكوين 1990 للميلاد وسمتها تربوية تعليمية وفيها بلغت اعداد الطلاب وفقا لبعض التقديرات نحوا من 18000 طالب وسبع وستين حلقة ومركزا وانتشرت في تسع محافظات يمنية بما فيها بعض المحافظات ذات الطابع الشافعي السني او المختلط. ثم مرحلة المواجهة المسلحة التي اندلعت في منتصف عام 2004 ميلادية. وهنا انتقلت الحركة الحوثية الى طور اخر نجمت عنه ازمة وطنية كبرى لا تزال تداعياتها مستمرة الى امد لا يعلم مداه الا الله تعالى." وقال ان عوامل ظهور الحوثية تعزى الى عاملين رئيسيين داخلي وخارجي. ورأى انه خلافا للشائع... من كون مؤسس الحوثية (حسين الحوثي) تابعا مطلقا للاثني عشرية القادمة من ايران او لبنان فقد تبين ان حسين الحوثي على خلاف كلي مع الفكر الاثني عشري الامامي وأبرز شاهد على ذلك موقفه الرافض بشدة لفكرة الامام الغائب الثاني عشر وتحذيره من احلال المذهب الامامي في اليمن... ولا شك ان اندلاع المواجهات المسلحة قد اتاح المجال للتدخل الخارجي على نحو غير مسبوق..." وفي مجال "التوصيات" قال الدكتور الدغشي "على السلطة السياسية التعامل مع الظاهرة الحوثية بوصفها ظاهرة مذهبية... قديمة وإن تجلت اليوم بصورة مختلفة نسبيا... لكن ذلك لا يحيلها الى كيان غاز فاقد للشرعية من الاساس اذ هي في حقيقة الامر امتداد للمدرسة الزيدية (الجارودية) وهي قائمة باليمن منذ قرون متطاولة. هذا بغض النظر عن قناعتي او قناعة هذا الطرف او ذاك بفكرها وأطروحاتها..." اضاف "تشيد الدراسة بالمبادرات الجريئة التي تبناها بعض علماء الزيدية في محاولتهم السعي نحو التفاعل الايجابي مع نصوص القانون والدستور الساري في البلاد حول معيار الاهلية للحكم..." ودعت الدراسة "الاتجاه الحوثي والسلطة معا الى الاحتكام الفعلي الى مؤسسات الدولة ودستور البلاد وقوانينها فيما يتصل بأي مطالب مشروعة للاتجاه الحوثي وعدم اللجوء الى العنف او استعمال السلاح لحل اي نزاع واعتماد منهج الحوار اساسا في ذلك... مع تأكيد حق كل مواطن في ممارسة حرية الرأي والتعبير وعد ذلك امرا مكفولا في الاطار الدستوري والقانوني..." وختم بالقول "لا مناص من النظر الى المشكلة من زواياها وأبعادها المختلفة وفي مقدمة ذلك الزاوية التربوية والتعليمية والفكرية وأبعادها المنعكسة على الجوانب الاخرى للمشكلة. وهنا تعالج المشكلة المذهبية من زاويتها التربوية في ضوء الاتفاق على استبعاد خيار المصادرة والإلغاء لاي مكون اجتماعي من زاوية حقه في التعليم وفق مذهبه الخاص على ان يظل ذلك في اطار ثوابت المجتمع وقيمه الكلية..."