متى يتوقف العدوان وتنتهي حرب الإبادة؟ مهند عبد الحميد

الثلاثاء 02 أبريل 2024 08:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
متى يتوقف العدوان وتنتهي حرب الإبادة؟  مهند عبد الحميد



مضى نصف عام على أخطر وأطول عدوان استهدف وما يزال الشعب الفلسطيني، ولا يوجد في الأفق القريب احتمال لوقفه. قلما وُضِعَ شعب في شروط حرب غاية في القسوة واللاإنسانية والظلم وتهديد الحق في الحياة وانعدام الأمن وأبسط أشكال الحماية، إنها حرب الإبادة التي يتعرض لها 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة.
وقف العدوان يعتمد بشكل عام على تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة، وعلى امتلاك عناصر القوة والضغط بين المتحاربين. وهذا ما يمكن التعرف عليه من رؤية كل طرف للحرب، ومن التوقف عند الوقائع والمعطيات. قبل النظر الى رؤية دولة الاحتلال ورؤية فصائل المقاومة من المهم التمييز مبدئياً بين رؤية مشروع استعماري إقصائي لا يعترف بالحقوق المشروعة وتقرير المصير  للشعب الفلسطيني. مقابل رؤية فصائل المقاومة التي تسعى للخلاص من الاحتلال وحصاره الخانق.
الرؤية الإسرائيلية تعترف بأن هدفها المباشر هو إزالة التهديد الفلسطيني الحالي والمستقبلي للأمن الإسرائيلي في الغلاف المحاذي للقطاع وفي العمق، من خلال تدمير ونزع سلاح غزة وتحويل القطاع الى منطقة منزوعة السلاح، وعبر إسقاط سلطة «حماس» التي تملك السلاح وتحوله الى تهديد. يتقاطع هذا الهدف الإسرائيلي مع موقف دولي عام يقر بحق إسرائيل في الدفاع عن أمنها، وموقف أميركي غربي يدعم إزالة التهديد بالقوة. وفي الوقت الذي يعترف فيه النظام الدولي مجتمِعاً بأن الأمن والاستقرار يتطلب إيجاد حل سياسي للصراع ومن ضمنه إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع والقدس، ويرى في السلطة الفلسطينية «المجددة» أداة للحل. إلا أن حكومة نتنياهو ترفض الدولة والكيان الفلسطيني وتعمل على كبحهما واستبعادهما من المعادلة، انسجاماً مع مشروع الاستيطان والتهويد والضم والفصل العنصري وفصل الضفة عن قطاع غزة. بل إن الإجراءات الإسرائيلية في قطاع غزة تحتمل بناء سيطرة لاحتلال جديد وطويل، لا يستبعد إعادة الاستيطان. أمامنا ثلاثة إجراءات إسرائيلية تعزز ذلك. أولاً: إقامة منطقة أمنية عازلة – حزام أمني – بعرض 1- 1.2 كيلو متر تبلغ مساحته 16% من مساحة قطاع غزة، فضلاً عن تدمير كل المنازل والأشجار والمزارع في تلك المنطقة. ثانياً: بناء ممر سيطرة يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه وتحويله إلى معبر مزوَّد بأجهزة رقابة وتجسس، والسيطرة على الشوارع الاستراتيجية. ثالثاً: تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في تدمير البنية التحتية – ماء وكهرباء وصرف صحي ومستشفيات ومدارس ومنازل وبنوك، ومزارع ومصانع واتصالات وشرطة مدنية، و»أونروا» ومنظمات الإغاثة المجتمعية  –، وفي تفكيك بنية المجتمع ودفعه نحو هجرة طوعية الى الخارج وهجرة قسرية في الداخل، وفي تدمير بنية المقاومة.
يلاحَظ ان مصلحة حكومة نتنياهو تكمن في إطالة الحرب وفي استخدام المزيد من التدمير والقتل والاستنزاف، وفي استخدام الضغط على حياة المواطنين وأمنهم، وعلى حاجتهم الماسة للغذاء والدواء والعلاج والسكن لتحقيق أهدافه المعلنة والمستترة. لا يعوز المراقب رؤية البون الشاسع في ميزان القوى بين مقاومة محاصرة محدودة التسليح لا تستطيع تجديد أسلحتها، وتتعرض على مدار الساعة لهجوم بري وجوي وبحري من طرف رابعِ أقوى جيش في العالم يملك أضخم الترسانات العسكرية، والمدعوم بأكثر من مئة صفقة سلاح أميركي فضلاً عن دعم دول أخرى، ورغم ذلك يتعثر ويخسر ويتورط في ارتكاب جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية.
مقابل ذلك، فإن رؤية حركة حماس تتلخص في إبرام هدنة طويلة تعترف عملياً بشرعية سلطتها في قطاع غزة، وتؤدي الى السيطرة على التمثيل والقرار الفلسطيني، من خلال دعم  شعبي كبير وغير مسبوق لحركة حماس في فلسطين وخارجها. وفي سياق الحرب ومعطياتها تسعى حركة حماس الى بقاء سيطرتها على قطاع غزة والعودة الى ما قبل بدء عملية طوفان الأقصى- من خلال مطالبتها بالانسحاب الإسرائيلي الكامل، وإدخال المساعدات الإنسانية، وعودة النازحين الى مناطقهم، وإعادة الإعمار. عناصر القوة التي تملكها الحركة، أولاً: ورقة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين التي أحدثت ارتباكاً إسرائيلياً عميقاً، لكن مستوى الاستجابة الإسرائيلية لشروط «حماس» يتفاوت بين التخلي عن الأسرى والمحتجزين، وبين استجابة آنية وجزئية لمطالب «حماس»، مقابل أقلية تدعو الى الإفراج عنهم بأي ثمن أي بشروط «حماس»، غير أن أكثرية الإسرائيليين مع استمرار الحرب وتحقيق أهدافها.
 ثانياً: عنصر القوة الثاني الذي تملكه حركة حماس هو العزلة الإسرائيلية الناجمة عن حرب الإبادة بحق 2.3 مليون فلسطيني، وإبادة المنازل وكل البنية التحتية، وإبادة الأراضي الزراعية والبساتين والأشجار ومشاريع تربية الدواجن والأبقار والاغنام، والتي قد يترتب عليها اضطرار إسرائيل الى وقف الحرب جراء ضغط يمارسه حلفاء إسرائيل المتضررون من دعمهم لها وهي ترتكب جرائم حرب.
ثالثاً: تراهن حركة حماس على ضغوط الشارع العربي والإسلامي وفي معظم دول العالم لوقف العدوان، أو اتساع الحرب من نوع تحول اشتباك حزب الله المحدود مع إسرائيل الى حرب واسعة قد تمتد الى سورية وإيران.
 رابعاً: تراهن حركة حماس على حرب استنزاف باستخدام اسلوب حرب عصابات تلحق خسائر متزايدة في جيش الاحتلال على المدى الطويل.
على ضوء ما تقدم، يمكن القول إن هناك مسافة شاسعة بين تفاعل هذه الرهانات او بعضها لتكون قادرة على دفع دولة الاحتلال الى وقف عدوانها، وبين فعل آلة الحرب في مجتمع أعزل يفتقد لكل مقومات الحياة. تستطيع حركة حماس أن تقاوم سنتين وأكثر داخل قطاع غزة، ويستطيع المقاتلون أن يتفننوا في مقاومة المحتلين ببطولة فذة، لكن خسائر المجتمع أعلى وأضخم في ظل المجازر والتشريد والموت جوعاً، وفي ظل توقف التعليم والعمل وإنتاج الغذاء والسلع وفقدان العلاج بعد خروج المستشفيات من الخدمة، وفي ظل ممارسة إسرائيل لجينوسايد متشعب. تستطيع «حماس» المحافظة على تنظيمها لمزيد من الوقت في الوقت الذي يستمر فيه نزف ومعاناة المجتمع بمستويات اكبر فأكبر. عندما تكون المفاضلة بين الحفاظ على التنظيم وسلطته، وبين الحفاظ على المجتمع وتماسكه، من المنطقي والطبيعي ان يكون الانحياز لسلامة المجتمع بدون تردد.  هذا الانحياز هو أقصر الطرق لاستعادة النفوذ مستقبلاً وعند إجراء الانتخابات. وقف العدوان يعني وقف النزيف والتفكك المجتمعي وعملية التهجير الصامت. كيف نوقف العدوان ونخرج من الوصاية الدولية الجديدة، ويقرر الشعب خياراته، تحدٍ كبير ومصيري يواجه الشعب وقواه السياسية ونُخبُه الثقافية والأكاديمية.