حِوارٌ صَريحٌ مَعَ “حَمَاس” وَ”أبو عُبَيدَة”..

السبت 30 مارس 2024 06:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
حِوارٌ صَريحٌ مَعَ “حَمَاس” وَ”أبو عُبَيدَة”..



كتب الدكتور علي جاسم العبادي:

في هذا البحث الموجز، نُبَيِّن بعض الوقائع الحقيقية المعروفة والمنشورة والموثَّقة جيّدًا، وذلك بصيغة حوار قصير ٱِفتراضي بيني وبين الناطق الرسمي للإعلام العسكري لكتائب عِزِّ الدِّين القَسَّام الذي يُسمِّي نفسه “أبو عُبَيدة”، ولهذا الغرض أَكْنِي نفسي بِلَقب “أبو حُسين”.
قُلْتُ لَهُ: جاءني من صديق عزيز تعليقٌ على خبر عن مأساة الشعب الفلسطيني المستمرة في قِطَاع غَزَّة، وهذا هو نصّ السؤال:
(حبّذا لو تسأل أبطال 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الذين بدأوا المعركة، هل فكَّروا باليوم التالي؟)، فما جوابُك؟

أبو عُبَيدَة: للإجابة المباشرة، أقول، نحن مجاهدو “طُوفان الأقصى”، لم نبدأ المعركة بالمعنى الذي يعرضه الإعلام الصهيوني، وإنّما كُنَّا وما زلِنا ندافع عن وطنِنا المُحتَلّ وشعبِنا المظلوم وأنفسِنا من بطش قوات الٱحتلال الصهيوني الإسرائيلي الشرس على مدى (75) سنة، أي منذ تأسيس الكيان الإرهابي العنصري الصهيوني الإسرائيلي في فلسطين المحتلّة سنة (1948). وفوق ذلك نقول، نعم، نحن فكّرنا باليوم التالي، وهو لا يختلف جوهريًا عن اليوم السابق. نحنُ نُحِبّ الحياة وبناء المجتمع الفلسطيني الحرّ، ولا نشتهي الموتَ ولكنّا لا نَهابُه، وقِتالُنا هو جِهادُ نَصرٍ أو ٱِستشهاد ولا غير ذلك، والشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ.
ما هدف “طُوفان الأقصى”؟
أبو حُسين: لماذا قمتم بعملية “طُوفان الأقصى” أساسًا؟
أبو عُبيدة: نحن قمنا بعملية “طُوفان الأقصى” لنأخذ بعض الأسرى من جنود العدو الصهيوني وعوائلهم المُتمركِزين حول قِطَاع غَزَّة ويفرضون علينا الحصار الظالم، ثم نطلب إطلاق سراح آلاف المعتقَلين الفلسطينيين في سجون الكيان العنصري الذين يعانون شتّى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، ومِن بينها ٱِغتصاب النساء والأطفال وإهانتهم وإذلالهم، وذلك بدون محاكمات ولا إدانات.
أبو حسين: ولكن حكومة الإرهابي الإسرائيلي المجرم “بنيامين نَتِن ياهو” ٱِستغلّت هذه الفرصة وشَنّت حربًا شرسة ضدكم وبَطشت بكم وقَتلت أطفالكم ونساءكم ودَمّرت قِطَاع غَزَّة بحجة القضاء على “حماس”، وأنتم لستم قادرين على مواجهة هذه الحرب.
أبو عبيدة: يجب أن نُذكِّرَ الجميعَ بأنّ مجرم الحرب رئيس الوزراء الصهيوني العنصري الإسرائيلي الهمجي “بنيامين نَتِنْ ياهو” خاض حتى الآن خمسَ حروب إبادة بشرية ضد الشعب الفلسطيني في قِطَاع غَزَّة، من أصل سبع حروب منذ إعلان إسرائيل ٱِنسحابها من القِطاع سنة (2005)، ثم تَوَلِّي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مقاليد السلطة سنة (2006). هذه الحروب شَهِدت تصاعدًا في التوترات والأحداث العسكرية بقيادة الحكومات الصهيونية الإسرائيلية ضد القِطاع، وكانت لها تأثير كبير على السكان والمنطقة والعالم. من ناحية أخرى، هذه الحروب ليست متكافئة بين جَيشَين ودولتَين، وإنّما هي حملات إبادة بشرية جماعية مُنَظَّمة ومُنتَظَمة على مدى (106) سنين، أي منذ وعد “بلفور البريطاني المشؤوم” سنة (1917)، وقدوم عصابات إرهابية صهيونية عنصرية من أوروبا. وٱزدادت شراسة الجرائم ضد البشرية منذ سنة (1948) حتى الآن. كما نُذَكِّرُ بحقيقة أخرى وهي أنّ الغُزاة الصهاينة، الذين تُزوِّدهم أمريكا وبريطانيا وبقية الدول الغربية بأسلحة الدمار الشامل، كانوا وما زالوا مُتَفوِّقين عسكريًا على سكّان البلاد الأصليين وهُم الفلسطينيين قبل وبعد سنة (1948)، والأحداث المُعاصِرة المُوَثَّقة والإحصاءات الرسمية تشهد على ذلك. وأحدث مثال ما ذكرتْه التقارير الإعلامية الأمريكية (يوم الجمعة 29 آذار/مارس 2024)، بأن مجرم الحرب الرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” أعطى الضوء الأخضر لنقل أسلحة إلى إسرائيل بقيمة مليارات الدولارات. حيث تشمل الحزمة الجديدة من الأسلحة الفتاكة أكثر من (1800) قنبلة من نوع (MK84) بوزن (907) كيلوغرام لكل قنبلة و (500) قنبلة من نوع (MK82) بوزن (227) كيلوغرام لكل قنبلة، وكلُّها أسلحة هجومية ذات قوة تدميرية هائلة. وهي جزء من المساعدات الأمريكية العسكرية السنوية لإسرائيل بقيمة (3.8) مليار دولار التي تقدّمها بشكل مِنَح وليست قروضًا، وهي من أموال الضرائب التي يدفعها الأمريكيون ومعظمهم لا يعلمون كيف تتصرّف بها الحكومة والكونغرس.
مَن المسؤول عن الخسائر البشرية والمادية الهائلة؟
أبو حسين: يعتبركم بعض الناس مسؤولين بشكل مباشر عن وقوع هذه الأعداد الهائلة من الضحايا، بسبب المجازر التي ترتكبها إسرائيل في قِطَاع غَزَّة، التي تصِل قريبًا إلى حوالي (33,000) شهيد، و (70%) منهم أطفال ونساء، عدا عن التدمير الشامل لكل البنى التحتية، ولم يَعُد قِطَاع غَزَّة صالحًا لإسكان البشر. وَلَولا هجومكم عليهم يوم (7 تشرين الأول/أكتوبر 2023) لما قامت إسرائيل بهذه الإبادة البشرية الجماعية ضدّكم.
أبو عبيدة: وَمَنْ غَيرُنا تَتَّهِمُهُ إسرائيل، لأننا بالنسبة لها الحلقة الضعيفة التي تَنسِبُ إليها كُلَّ الشرّ. وهذه وغيرها من المقولات ينشرها ويُعزّزها الإعلام الصهيوني الإسرائيلي والأمريكي والغربي عمومًا، إلى درجة أن بعض العرب والمسلمين يتبنّاها عن وعيٍ أو بدونه. وهذا الإعلام الصهيوني المحترِف دائمًا يدوس في بطون الضحايا الفلسطينيين بِكُلِّ صَلَفٍ ويُحَمِّلهم مسؤولية كونهم ضحايا، وأنّهم يبدؤون العدوان على إسرائيل ثم يتظلّمون، وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها. لَعَلَّ مِن المفيد أن يَطَّلِعَ كلُّ إنسان على قائمة موجزة أو مفصَّلة بِحُروب الإبادة البشرية الجماعية التي ٱِرتكبتْها السلطات الإرهابية العنصرية الصهيونية الإسرائيلية. لكنّنا نُوَفِّر الجهد الكبير على القُرّاء الأعزّاء، ونذكُر ما يلي:
حسب الإحصاءات الرسمية لِسُلطات الٱحتلال البريطاني في فلسطين المحتلّة، قَتلتْ العصابات الصهيونية الأوروبية أكثر من خمسة آلاف (5,000) مدنيٍّ فلسطيني خلال الثورة العربية في فلسطين المحتلّة بين سَنَتَي (1936 – 1939) فقط.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين إلى أن سلطات الٱحتلال الصهيونية العنصرية قَتلتْ أكثر من مِئة ألف (100,000) شَهيدٍ فلسطينيٍّ، من بينهم الأطفال والنساء الحوامل عدا الأجنّة التي ذبحوها أمام الآخرين، خلال المدة (من سنة 1948 إلى 2019).
ونشر الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء في (1 كانون الثاني/يناير 2024) أعدادًا مُرَوِّعة، حيث أكَّد أنّ سنة (2023) سَجَّلت أعلى نسبة ضحايا بين الفلسطينيين منذ تأسيس الكيان العنصري الإرهابي في سنة (1948)، مشيرًا إلى أن عدد الشهداء في فلسطين منذ بداية (2023) حتى نهايته، بلغ (22,404) شهداء، منهم (22,141) شهيدًا منذ (7 تشرين الأول/أكتوبر 2023)، ومنهم (98%) في قِطَاع غَزَّة.
ومُعظَم تلك المجازر الإسرائيلية البشعة ضد الشعب الفلسطيني حدثت قبل أن تظهر “حركة المقاومة الإسلامية – حماس” إلى الوجود في (10 كانون الأول/ديسمبر 1987)، وقبل أن تفوز “حماس” بالٱنتخابات التشريعية الفلسطينية في (25 كانون الثاني/يناير 2006)، والتي أجمعتْ المنظمات الدولية على نزاهتها. حيث حصلت “حماس” على (74) مقعدًا من أصل (132) مقعدًا. وكانت هذه الٱِنتخابات نقطة تحول كبيرة في السياسة الفلسطينية، إذ رفضت إسرائيل وأمريكا ومعها الدول الأوروبية ومحمود عباس نتائج الٱنتخابات، وتسبّبوا في فتنة خطيرة وإراقة الدماء بين فصائل المقاومة الفلسطينية. وعلى إثرها ٱِستحوذت منظمة “فتح” بقيادة محمود عباس على ما أسمَتْه “السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية”، بينما سيطرت “حماس” على قِطَاع غَزَّة. ومنذ سنة (2006) فرضت الدولة العنصرية إسرائيل ومعسكر أمريكا حصارًا صارمًا على قِطَاع غَزَّة – بَرًّا وبحرًا وجوًّا، وقطعتْ كافة المساعدات الدولية، وٱعتبرتْ “حماس” منظمة إرهابية. وبرغم هذه الظروف الصعبة والمُهِينة التي خلقتْها إسرائيل فقد ٱِستطعنا توفير البنى التحتية والخدمات المناسبة لفائدة كل المواطنين الفلسطينيين في القِطاع. وحرب الإبادة الإسرائيلية ضدنا وتدمير البنى التحتية التي يراها العالَم كلّ يوم إنّما تشهد بالفعل على أنّنا خَدَمنا الناس بإخلاص ضِمن الإمكانات المحدودة. بَل إنّ ما حقّقناه لشعبنا في القِطاع يفوق ما حققته السلطة الفلسطينية في رام الله ضمن نفس الفترة الزمنية. وهذا بحدّ ذاته لا يروق للرئيس محمود عباس ولا يروق لأية حكومة إسرائيلية لا سيما “نَتِنْ ياهو” المتعطِّش لدماء الفلسطينيين، لأنهم يعتبرون الإنجازات نصرًا لسلطة “حماس” وتقويضًا لنفوذهم في القِطاع.
مَن المجرم الإرهابي ومَن الضحية؟
أبو حسين: إسرائيل وأمريكا وأتباعها في حلف الناتو يعتبرون “حماس” منظمة إرهابية يجب القضاء عليها تمامًا مِثلما تمّ القضاء على “داعش”، فماذا تقولون؟
أبو عبيدة: المقاومة الفلسطينية الوطنية السلمية والمسلحة ضد سلطات الٱِحتلال العنصري الإسرائيلي الأجنبي هي حقّ طبيعي لِسُكّان أية منطقة مُحتلَّة من قِبَل جهة غازيَة أجنبية، وهذا الحق منصوص عليه في الشريعة الإسلامية وفي القوانين الدولية بلا غموض. ونحن لا نحتاج إلى بيانات وفتاوى وٱستطلاعات الرأي وترخيص لِنُجاهِد من أجل تحرير وطننا المغتصَب من العدو الصهيوني. وحتى التعريف الدولي والتعريف الأمريكي لمصطلح الإرهاب لا ينطبق نهائيًا على منظمة “حماس”، ولكن الإرادة الإرهابية الإسرائيلية هي التي فرضت هذه التسمية على حُكّام وإعلام أمريكا وأوروبا. لِذا فإنّ أية جهة، دولة أو منَظَّمة أو أفراد، تتَّهمنا بالإرهاب هي في الواقع جهة إرهابية وحاضنة للإرهاب الدوَلي بشكل قاطع. ويَشطَحُ في الخيال كثيرًا كُلُّ مَن يعتقد أن القضاء على “حماس” يعني إنهاء المقاومة الفلسطينية وإلى الأبد، وأن الفلسطينيين سيرضخون للأمر الواقع ويقبلون بحكم الصهاينة لهم.
وَلَعَلَّ هذا الفيديو القصير يُوجِزُ واقع الحال عن ٱِضطهاد إسرائيل لِقِطَاع غَزَّة والسلطة الفلسطينية برئاسة حكومة “حماس”. ويظهر في الفيديو “سكوت ريتر”، ضابط الٱِستخبارات العسكرية الأمريكية سابقًا، وكان ضمن فرق التفتيش الأمريكية عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق (من 1991 إلى 1998)، ثم أصبح من مُنتقِدي السياسة الخارجية العدوانية الصهيونية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لا سيما في البلاد العربية (المصدر 1):
ماذا عن “حلّ الدولتَين” والمكاسب الضخمة المحتمَلة؟
أبو حسين: لماذا لا تُعلِنون قبولكم بالحلّ المُسمّى “حلّ الدولتَين” لإنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟
أبو عبيدة: في يوم (13 أيلول/سبتمبر 1993)، وَقَّعَ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء العنصري الإسرائيلي “إسحاق رابين” في حديقة القصر الأبيض بواشنطن وبحضور مجرم الحرب الرئيس الأمريكي السابق “بيل كلنتون” ٱِتِّفاقًا لتشكيل “سلطة حكم ذاتي فلسطيني ٱِنتقالي”، والذي يُعرَف بعنوان “ٱِتِّفاق أوسلو”، نسبة إلى المدينة النرويجية التي جَرَتْ فيها مفاوضات سرية منذ سنة (1991). ونحن نعتبر ياسر عرفات متخاذِلًا ومُفرِّطًا بحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين من نهر الأردن إلى البحر المتوسط ومن حدود لبنان إلى حدود مصر. ويبدو أنه كان سعيدًا بلقب “رئيس السلطة الفلسطينية” في حين أن السلطات العنصرية الإسرائيلية كانت وما تزال هي التي تحكم مدينة رام الله والضفة الغربية، وكذلك قِطَاع غَزَّة قبل سنة (2005). وعلى مدى أكثر من ثلاثين سنة لم يتحقّق للشعب الفلسطيني الحد الأدنى مِمّا جاء في الٱِتِّفاقية بينما تَحقّق لإسرائيل كل الفوائد المتوخّاة، ومن أهمها تحديث وتوسيع جيشها وأجهزة المخابرات، وحُمّى بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المغصوبة وتهجير وقتل المزارعين والٱِستيلاء على ممتلكاتهم لِخَلق واقع جديد تفرضه إسرائيل مثلما فَرضت الواقع القديم على الفلسطينيين وكل العالم. وما زال مجرم الحرب “نَتِنْ ياهو” وبقية المسؤولين الصهاينة يؤكِّدون في تصريحاتهم ومقابلاتهم الإعلامية أنهم يَرفضون حَلّ الدولتَين، ولا يؤمنون إلا بدولة واحدة وهي دولة إسرائيل، ومَن لا يعجبه ذلك فليخرج من إسرائيل أو يواجه الإبادة. وبالنسبة للصهاينة فنحن الفلسطينيون مجرد غرباء ودخلاء على “الأرض المقدسة الموعودة إسرائيل من النهر إلى البحر وأورشليم عاصمتها الأبدية لِشعبٍ مُختارٍ مِن قِبَل الربِّ يَهْوَهْ”.
وماذا حقّقتُم غير الدمار الشامل؟
أبو حسين: ولكن ماذا حقَّقتُم حتى الآن غير الخراب وإراقة الدماء الفلسطينية في قِطَاع غَزَّة، وما تزالون مُصِرِّين على الٱِحتفاظ بالأسرى الإسرائيليين والصمود والقتال ضد قوات الغزو والٱِحتلال الإسرائيلي، وما تزال الدول الغربية تدعم إسرائيل بلا حدود؟ أَ لَيسَ مِن حَقِّ بعض الناس أنّ يَعُدُّوكُم مجانينَ تناطحون الجبال الشاهقة، وأن يَسخَرُوا منكم ويَشْمَتوا بكم بسبب فشلكم وخيبتكم وعجزكم عن تحقيق أيّ هدف؟
أبو عبيدة: كما أوضحنا آنفًا، فإن إسرائيل كانت وما تزال وستبقى تمارس كافة أنواع الإبادة – البشرية والمعمارية والثقافية والتاريخية. فلسطين بالنسبة لنا هي ليست مجرد “أُولى القِبلتَين وثالث الحرمَين الشريفَين” وحسب وإنما هي أيضًا وطننا الوحيد الذي نعرفه وعشنا فيه أكثر من (4,000) أربعة آلاف سنة متواصلة. ولَن يَمحُوَ الصهاينة ذِكرَنا مهما فعلوا ومهما عَظُمَتْ القوى التي تقاتل معهم ضدنا. ونحن على وعيٍ تامٍّ بأن حكام الدول العربية المجاورة لفلسطين وبعض الدول الأخرى يريدون بالفعل إفناء “حماس” بأي ثمن لأنهم يَحسَبُونها الشوكة الوحيدة العالقة في حَلْقِهم، وبنفس الوقت فإنّ هذه الدول تتظاهر بالإنسانية وتَقصِفُ قِطَاع غَزَّة بما تُسمّيها “مساعدات إنسانية” لا قيمة لها لإطعام (2.5) مليون فلسطيني جائع.
مَن كان يتوقّعُ كلَّ هذا؟
ويُضِيف “أبو عبيدة” قائلًا:
لكن عملية “طُوفان الأقصى” غيَّرتْ الكثير من آراء ومواقف عامة الناس في الدول الغربية وكذلك بعض السياسيين والإعلاميين الذين خرجوا مِن مخابئهم وتمرّدوا على الإرهاب الثقافي والنفسي الصهيوني الوحشي، الذي يتَّهم كُلّ ٱِنتقاد لإسرائيل بأنه “معاداة للسامية”.
فَمَنْ كان يَتوقّع أنّ بلادًا غير عربية وغير إسلامية، وهي جمهورية جنوب أفريقيا، هي التي تُجبِر إسرائيل على المثول أمام محكمة العدل الدولية بسبب جرائم الإبادة البشرية الجماعية المتعمَّدة؟
ومَن كان يَتوقّع أن تنظر محكمة ٱِتِّحادية في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا يوم (26 كانون الثاني/يناير 2024) بلائحة ٱِتِّهامات مُوجَّهة ضد مجرمي الحرب، الرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” ووزيرَي الخارجية “أنتوني بلينكن” والدفاع “لويد أوستن”، بالتواطؤ والمشاركة الفعالة بجرائم الحرب والإبادة البشرية التي يرتكبها الكيان الإرهابي العنصري الإسرائيلي في قِطَاع غَزَّة؟
ومَن كان يتوقّع أن يخسر “بايدن” الكثير من أصوات الناخبين العرب والمسلمين بسبب رفضه وقف إطلاق النار وإصراره على إرسال المزيد من الأموال والأسلحة الفتاكة إلى الكيان العنصري؟
ومَن كان يتوقّع أن المواطنين العرب والمسلمين في الدول الغربية صَرَّحوا بأنّ أصواتهم الٱِنتخابية ستعاقِب كلّ رئيس حكومة غربية أو مرشَّح للرئاسة يساند إسرائيل بالسلاح والمال والقرارات السياسية والتشريعية؟
ومَن كان يتوقّع أن تُغلِق بعض الدول الأمريكية الجنوبية سفارات إسرائيل لديها وتقطع علاقاتها؟
ومَن كان يتوقّع أن التمثيليات التي يمارسها حُكّام الدول العربية والإسلامية المنافقون والمتخاذلون تنفضح أمام العالم في مؤتمر القمة المزعومة بتاريخ (11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) بالرياض في المملكة السعودية؟
ومَن كان يتوقّع أن يتمّ تصوير وتوثيق أحداث الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قِطَاع غَزَّة والضفة الغربية بالنقل الحي المباشر، وكثير منها تمّ توثيقها من قِبَل ما يُسمّى “الصحافة الشعبية التطوّعية” التي أَلغَتْ إلى حد كبير دور الإعلام التقليدي الذي تسيطر عليه المنظمات الصهيونية في الدول الغربية والمنظمات الوهّابية في الدول العربية والإسلامية؟
ومَن كان يتوقّع أن أية معلومة كاذبة يُطْلِقُها الإعلام العسكري والسياسي الإسرائيلي لتسويغ الإبادة البشرية يتم تفنيدها خلال دقائق بالصوت والصورة الحية وشهادات الشهود العيان؟
ومَن كان يتوقّع أنّ عشرات الألوف من المسيحيين وديانات أخرى في العالم يعلنون إسلامهم بعدما شَهِدوا بأنفسهم عَظَمة الإيمان الذي يَتمتّع به أهلُ غَزَّة برغم فداحة الكارثة الإنسانية التي يعيشونها؟
ويمكننا أن نسترسل بإدراج هذه الحقائق البارزة كنتائج مباشرة لعملية “طوفان الأقصى”، ولكن نكتفي بهذا القدر اليسير.
أمّا مَن يُصِرُّ على إنكار هذه الحقائق المُوثَّقة جيّدًا بالكلمة والصوت والصورة، ويَشمِتُ بالفلسطينيين عمومًا وبسلطة “حماس” خصوصًا، نقول له ببساطة إِنَّ الشماتة ليست من أخلاق المسلم، ولكننا لا نستطيع أن نمنع أحدًا منها. وَلَعَلَّ هذا الفيديو القصير لأحد المشايخ     من العراق (الشيخ شهيد العتابي) يعرض رسالة واضحة لكل إنسان بِغَضِّ النظر عن دينه ومذهبه وقوميته وسياسته. ومِن أهمّ ما جاء في الرسالة جزءٌ مِن حديث نبويّ صحيح مِن طُرُق الشيعة والسنة عن الرسول مُحَمَّد صَلَّىٰ اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم، يقول فيه:
(مَنْ كَانَ يُؤْمِنْ بِاللّٰهِ وَاليَومِ الآخَرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ يَسْكُتْ!) (المصدر 2).
كاتب عراقي