قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، في افتتاحيتها يوم الثلاثاء 26 مارس/آذار 2024، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستطيع الآن أن يُضيف إلى سجل إخفاقاته اللامع، إخفاق الأزمة الدبلوماسية مع أقرب حلفاء إسرائيل، وهي القوة العظمى الأمريكية -التي تحمي إسرائيل في الخارج وبذلت قصارى جهدها للوقوف بجانب إسرائيل منذ اندلاع الحرب.
إذ إنه في يوم الإثنين، 25 مارس/آذار 2024، تبنّى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشروع قرار يدعو إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، مع الإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة الأسرى الذين تحتجزهم حماس. وقد أخفقت مشروعات القرارات المماثلة في السابق، لكن تمرير هذا القرار جاء لأن الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت بدلاً من استخدام حق النقض (الفيتو).
وبدلاً من الاعتراف بإخفاقه مرةً أخرى والمسارعة لتغيير موقفه تجاه واشنطن، والاعتذار إلى الإسرائيليين عن العاصفة الدبلوماسية التي أثارها ضدهم، ثم الاستقالة حرجاً بسبب سياسته المتهورة التي دفعت إسرائيل إلى حافة الهاوية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ اختار نتنياهو الاستمرار في إدانة الأمريكيين واستفزازهم.
وفي أعقاب التصويت، ألغى نتنياهو رحلةً إلى واشنطن لوفد يقوده وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي. كما اتَّهم واشنطن بالتخلي عن "الموقف الأمريكي الثابت"، وهو الأمر الذي قال إنه "يضر جهود الحرب". ودون أي ذرة تواضع، اتهم مكتبه الولايات المتحدة بتقويض جهود تحرير الأسرى ودعم موقف حماس. وكان المكتب على بعد خطوات من اتهام الأمريكيين بدعم الإرهاب، وفقاً للرد التلقائي الصادر عن آلة السم الخاصة بنتنياهو.
إصلاح ما يفسده نتنياهو
كالعادة، حاول عضو مجلس الحرب بيني غانتس إصلاح ما أفسده نتنياهو مرةً أخرى. حيث قال: "كان من المناسب أن يسافر الوفد لإتمام الزيارة، كما كان من الأفضل أن يسافر رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة بنفسه لإجراء حوار مباشر مع الرئيس بايدن وكبار مسؤولي الإدارة". لكن دوائر نتنياهو رأت في ذلك فرصةً لمهاجمة غانتس.
ولا يستطيع نتنياهو أن يلوم إلا نفسه، إذ بذل الأمريكيون قصارى جهدهم ليوضحوا لإسرائيل أن صبرهم قد نفد. وارتفعت التوترات حيال احتمالية تنفيذ عملية عسكرية في رفح. وجرى التعبير عن معارضة بايدن الشديدة لتنفيذ عملية واسعة النطاق هناك خلال محادثاته مع نتنياهو، وخلال زيارة غانتس الأخيرة إلى واشنطن، وخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للقدس في عطلة نهاية الأسبوع.
كما حذّرت من ذلك نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال مقابلتها التلفزيونية مع شبكة ABC الأمريكية يوم الأحد، 24 مارس/آذار. لكن كل هذه الأمور لم تمنع نتنياهو، ووزراءه، وموظفيه من الاستخفاف بالدعم الأمريكي. حيث تفاخر قائلاً: "سنفعل ذلك بمفردنا لو لزم الأمر". فيما أعرب آخرون عن الرسالة نفسها بصياغات مختلفة، وكأن إسرائيل لا تعتمد على الولايات المتحدة لتزويدها بالدعم، والمساعدات العسكرية، والقبة الحديدية الدبلوماسية.
لقد أصبح نتنياهو عبئاً على إسرائيل. إذ يُعرضها لمخاطر استراتيجية قد تكون تكلفتها باهظةً للغاية. كما أنه يتعمد إيذاء مواطني إسرائيل من أجل بقائه السياسي. ويجب أن يستقيل حتى يمنح إسرائيل فرصةً لإنقاذ نفسها من الضرر الذي سبّبه، وأكملت صحيفة "هارتس": "نأمل أن تكون استقالة عضو الكنيست جدعون ساعر من الحكومة يوم الإثنين، 25 مارس/آذار، هي بداية النهاية لهذه الحكومة".
قلق كبير” يسود المؤسسة الأمنية بإسرائيل بسبب تدهور العلاقات مع أمريكا.. هذا ما يخشاه المسؤولون
ويسود قلق كبير داخل المؤسسة الأمنية في إسرائيل من تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة وتدهور مكانة إسرائيل الدولية بسبب العدوان المتواصل للاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والجرائم التي يرتكبها بحق المدنيين، ما تسببت في توتر العلاقات بين إسرائيل وأقرب حلفائها، وفق ما ذكرته صحيفة Haaretz الإسرائيلية، الثلاثاء 26 مارس/آذار 2024.
الصحيفة قالت إن الجيش الإسرائيلي لا يكفُّ عن إغراق الجمهور الإسرائيلي بآخر المستجدات والصور من الحرب في غزة، لكن التركيز تحول من ساحة المعركة إلى تطورات مهمة أخرى. إذ تهيمن على المشهد الآن العلاقة المتوترة بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية.
فقد تصاعد هذا التوتر حين اختارت الولايات المتحدة الامتناع عن استخدام حق النقض (الفيتو) مع قرار في مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، ما دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إعلان قرار غير مسبوق بإلغاء إرسال وفد دبلوماسي إلى واشنطن.
حسب الصحيفة الإسرائيلية تتركز انتقادات الإدارة الأمريكية للحرب في ثلاث نقاط رئيسية: الصعوبات في تقديم المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، والإفراط في قتل المدنيين، وتهديدات نتنياهو المتكررة باحتلال رفح.
فيما تتمحور الأزمة الجديدة حول قرار مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين 25 مارس/آذار يدعو إلى وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان والإفراج الفوري عن الأسرى لدى حماس. على أن هذا المقترح لم يرضِ إسرائيل لأنه لم يربط بين الخطوتين ربطاً وثيقاً. وتوقع نتنياهو أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض.
على أنه حين تبين ظهيرة ذلك اليوم أن الأمريكيين يعتزمون الامتناع عن التصويت للمرة الأولى، أصدر مكتب رئيس الوزراء تهديداً غير اعتيادي: الوزير رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي لن يذهبا إلى واشنطن.
على أن التهديد الإسرائيلي لم يغير موقف الرئيس الأمريكي. وبدا أن بايدن سيتدبر أمره دون الزيارة. لكن السؤال الآن كيف ستتدبر إسرائيل أمرها. ففي المؤسسة الأمنية يسود قلق كبير من تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة وتدهور مكانة إسرائيل الدولية.
كما أوضحت الصحيفة أن الخوف الذي يتقاسمه جميع المسؤولين الكبار هو أن إسرائيل في بداية عملية ستستمر لسنوات وسيكون من الصعب جداً إيقافها. وهذا قد يعرض إسرائيل للمقاطعة، وتسليم ضباطها إلى العدالة في لاهاي، وجمود العلاقات مع الدول الصديقة.
في المحادثات مع نظرائهم الإسرائيليين، يشكو المسؤولون الأمريكيون من أنهم لا يفهمون ما يريده رئيس الوزراء. لكن الحقيقة أن ما يريده نتنياهو واضح تماماً. إذ إن الاستمرار في مسيرته السياسية أصبح الآن قيمة عليا له. ولو أن استمرار الحرب، حتى رغم تنامي الاتهامات لإسرائيل بانتهاك قوانين الحرب الدولية، هو ما سيضمن بقاءه في السلطة، فهو مستعد لذلك تماماً.
كما قالت الصحيفة إن أي إجراء سيكون مباحاً، وحتى تأجيل جديد في تنفيذ صفقة أسرى. ويثير هذا السلوك شكوكاً متنامية بين معظم أعضاء حكومة الحرب تجاه تحركات نتنياهو بخصوص العلاقات مع الولايات المتحدة والعملية المخطط لها في رفح والمفاوضات حول الصفقة.
كما أضافت أن نتنياهو نجح في إثارة غضب إدارة بايدن، والحكومات الصديقة الأخرى في الغرب غير مرة طوال 15 شهراً هي عمر الحكومة اليمينية المتطرفة التي أسسها نهاية عام 2022. واشتد الاستياء في الغرب من الحرب في غزة، خاصة وأن نتنياهو رفض مناقشة التسويات السياسية في اليوم التالي للحرب.