يبدو أن محاولة إخماد حرب "إسرائيل" على غزة قد أصبحت ورقة انتخابية رئيسية للرئيس جو بايدن، فكيف يسعى ساكن البيت الأبيض لإقناع بنيامين نتنياهو؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت مقالاً عنوانه "لحظة الحقيقة في الشرق الأوسط"، يرصد الأبعاد الثلاثية لاستراتيجية بايدن الهادفة إلى إخماد حريق غزة قبل أن يتسع ويتحول إلى صراع أوسع.
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية "طوفان الأقصى" العسكرية، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة، تبعه اجتياح بري، تسبب في ارتقاء أكثر من 27 ألف شهيد، غالبيتهم الساحقة من المدنيين، من نساء وأطفال، كما دمرت البنية التحتية للقطاع بشكل كامل.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني"، والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء منذ تولي أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً المسؤولية أواخر عام 2022.
علاقات سعودية مع إسرائيل
يصف مقال واشنطن بوست خطة بايدن بأنها أشبه بمحاولة يائسة لإطفاء حريق مشتعل يتهدد منطقة الشرق الأوسط: "تخيل الشرق الأوسط على أنه طاولة بلياردو تحيط بها نيران مشتعلة. ووسط هذا الجحيم، توشك الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بمحاولة معقدة لإطلاق ضربة ثلاثية للكرات"، وهذه الكرات الثلاث هي "المملكة العربية السعودية وإسرائيل وحماس".
هذا هو العنصر الأول في استراتيجية بايدن، وإذا ما نجح هذا العنصر الجريء، فـ"يمكن تشغيل رشاشات الماء وإطفاء النيران" قبل أن تلتهم الطاولة أو الشرق الأوسط. لكن العنصر الثاني هو وجود بعض الكرات الخيالية القابلة للانفجار، أما العنصر الثالث فهو الوقت، الذي "لم يعد هناك الكثير منه".
ورغم أن هذا المسعى يبدو وكأنه لعبة في احد كازينوهات القمار في لاس فيغاس، إلا أنه يمثل تشبيهاً مناسباَ لحالة الاندفاع الدبلوماسي المكثفة من جانب إدارة بايدن في الآونة الأخيرة. قد يبدو نجاح لعبة بايدن غير وارد، لكن هذه الضربة عالية الخطورة قد تكون أفضل وسيلة لإخماد جحيم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وبعيداً عن التشبيهات المتخيلة، على أرض الواقع يعتزم وزير خارجية بايدن، أنتوني بلينكن، العودة إلى الشرق الأوسط قريباً، وستكون هذه هي جولته السادسة منذ اندلاع الحرب.
وبحسب مقال واشنطن بوست، من المحتمل أن يبدأ بلينكن جولته هذه من المملكة العربية السعودية، حيث يأمل في تجديد التعهد الذي تلقاه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن وعد ولي العهد جاء مشروطاً بأن تنهي إسرائيل حربها على غزة وأن يلتزم الاحتلال بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة تشمل قطاع غزة والضفة الغربية في نهاية المطاف.
ومن المرجح أن تكون محطة بلينكن الثانية هي إسرائيل، حيث سيلتقي برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يريد بشدة التوصل إلى اتفاق سلام مع الزعيم السعودي، لكن في الوقت نفسه يرفض نتنياهو وائتلافه الحكومي المتطرف الشروط السعودية المتمثلة في إنهاء سريع للعدوان على غزة وإعلان الموافقة على مسار يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية.
كيف يتوقع بايدن أن يقنع نتنياهو؟
إذا كان نتنياهو وحكومته يرفضون بشكل معلن وقف الحرب أو وجود أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، فكيف يتوقع بايدن أن يقنع رئيس الوزراء الإسرائيلي إذاً؟ يريد بايدن أن يقدم لنتنياهو عرضاً لا يمكن لائتلافه قبوله سياسياً، لكن رئيس الوزراء، الذي تحطم إرثه كزعيم إسرائيلي تاريخي، قد لا يتمكن شخصياً من مقاومة هذا العرض، بحسب مقال واشنطن بوست.
ففي حالة موافقة نتنياهو على الاقتراح السعودي، سوف ينهار ائتلافه الحاكم وعندها سيحتاج رئيس الوزراء إلى العثور على شركاء جدد، وقد لا يكون البحث عن هؤلاء الشركاء مهمة صعبة للغاية، في ظل وجود بعضا من زعماء المعارضة، مثل نفتالي بينيت، الذي أعلن بالفعل استعداده الانضمام للحكومة كبديل عن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، وكلاهما من أبرز المعارضين لوقف الحرب. أما إذا رفض نتنياهو نفسه العرض، فقد يتم إسقاط حكومته من جانب المنافسين الذين يتبنون الصيغة الأمريكية لإنهاء الحرب.
مارتن إنديك، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل مرتين ويعتبره كثيرون في واشنطن المراقب الأمريكي الأكثر حكمة عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي العربي، استخدم استعارة ملونة خاصة به لوصف المناورة الدبلوماسية الأمريكية: "يريد بايدن أن يجعل بيبي يفهم المهمة ويقبلها (ويبرم الصفقة)، أو يفسح المجال أمام حكومة أخرى"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
يتطرق مقال واشنطن بوست إلى الخطوة التالية في هذا السيناريو الذي تأمل من خلاله إدارة بايدن أن يتم فتح الطريق المسدود، والسؤال هنا هو: ما إمكانية حدوث مصافحة بين نتنياهو وولي العهد السعودي؟ "قد تعتقد أن فرص حدوث هذا الأمر معدومة تماماً، نظراً لرفض نتنياهو العلني والمتكرر لإقامة دولة فلسطينية".
لكن نتنياهو يدرك أنه يواجه خياراً جدياً، وأنه سوف يزن العوامل السياسية بعناية، ولكي نكون صريحين، فإن التحول إلى صانع سلام مع السعوديين قد يكون هو السبيل الوحيد لنتنياهو لتجنب العار الدائم الذي سببه هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول (طوفان الأقصى)"، بحسب مقال واشنطن بوست.
نأتي هنا إلى عنصر آخر بالغ الأهمية لنجاح لعبة بايدن ألا وهو عامل الوقت، إذ أبلغت الولايات المتحدة إسرائيل أن الاتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية يجب أن يبدأ خلال الشهرين المقبلين ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ولي العهد يطالب، كجزء من حزمة التطبيع، بمعاهدة توفر ضمانات شبيهة بضمانات الناتو للأمن السعودي.
حسابات الانتخابات الأمريكية
يرتبط عامل الوقت بشكل مباشر بالانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما يعني أن مثل هذه الصفقة قد تحصل على تصديق مجلس الشيوخ، الذي يتمتع فيه الديمقراطيون بالأغلبية، بحلول شهر يونيو/حزيران، أما إذا تأخرت الصفقة عن ذلك الوقت، فسيتم دفنها تحت سياسات الحملات الانتخابية، تقول واشنطن في مقالها.
وبالعودة إلى سيناريو ضربة الكرات الثلاث على طاولة البلياردو، نجد أن الأمور لم تصل بعد إلى الجزء الأصعب، إذ لا يمكن لأي من هذه الدبلوماسية المعقدة أن تبدأ حقاً إلا بعد انتهاء الحرب على غزة، أي صفقة تبادل الأسرى لوقف الحرب.
وفي هذا الإطار، كان مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، ومساعد البيت الأبيض، بريت ماكجورك، بتوجيه من مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، يعملان مع مسؤولين إسرائيليين ووسطاء قطريين ومصريين لصياغة صفقة إطلاق سراح الأسرى.
وهذه الصفقة سوف تكون عبارة عن عملية تبادل مرحلية للأسرى ووقف إطلاق النار. وقد تسمي إسرائيل الأمر تسمية أخرى، كالتجميد أو التوقف الممتد. ويبدو أن صفقة الرهائن هذه أصبحت قريبة بشكل مثير، وفقاً لمصادر أمريكية وإسرائيلية وعربية.
قد يستغرق الأمر أسابيع للانتهاء من تفاصيل الصفقة، لكن بمجرد أن تتوقف الحرب، سيصبح من الممكن وقف التصعيد على نطاق واسع: فقد يتحرك السعوديون نحو التطبيع، وقد يصبح التوصل إلى اتفاق حدودي بين إسرائيل ولبنان ممكناً، ويمكن أن يبدأ التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، تقول واشنطن بوست.
ونقل مقال الصحيفة عن أحد الأشخاص المشاركين في المفاوضات قوله: "إن الطريقة الوحيدة لتهدئة غزة هي صفقة الرهائن"، مشدداً على أن هذا هو المفتاح الوحيد لإخماد الحرب، التي تدفع الشرق الأوسط كله إلى حافة الحرب الشاملة.
السبب وراء تفاؤل هذا الشخص المشارك في المفاوضات يرجع إلى أن الإسرائيليين يعتبرون إطلاق سراح الرهائن أولوية قصوى بعد صدمة هجوم طوفان الأقصى. كما أنه لا تزال إسرائيل لا تملك خططاً متماسكة "لليوم التالي" لانتهاء الحرب. فخطتها لإدارة غزة – التي تشمل الاستعانة بالعشائر والتجار وسماسرة السلطة المحليين – تبدو وكأنها صيغة لإنشاء جيب فوضوي غير خاضع للحكم على حدود إسرائيل، بحسب مقال واشنطن بوست.
يأمل المسؤولون الأمريكيون أن تعترف إسرائيل في نهاية المطاف بأن الخطة السليمة الوحيدة هي مهمة تدعمها الولايات المتحدة لتدريب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية "المعاد تنشيطها" – والتي بدأ المسؤولون في وصفها بـ "الجيش الوطني الفلسطيني" ومن الممكن أن تكون تلك القوة جاهزة خلال ثمانية أشهر إلى سنة.
هناك أيضاً مشكلة وقف عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة والقدس، إضافة إلى نقل ما يصل إلى 200 ألف مستوطن من الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى داخل حدود إسرائيل. وفي هذا الإطار، اتخذ بايدن خطوة قوية يوم الخميس 1 فبراير/شباط، بفرض عقوبات على أربعة مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة ارتكبوا أعمال عنف ضد الفلسطينيين.
ربما تكون هذه الخطوة مجرد بداية، لكنها قد تعزز مصداقية الولايات المتحدة مع الفلسطينيين كوسيط للسلام، وقال أحد المسؤولين الذين شاركوا في المفاوضات المعقدة لواشنطن بوست: "إن لحظة الحقيقة لم تأت بعد".. لكنها قادمة.
الخلاصة هنا هي أن ما يتصوره الدبلوماسيون الأمريكيون عبارة عن هيكل غير عملي مع شركاء غير مستقرين، ورهانات محفوفة بالمخاطر وعزيمة غير مختبرة – مع رئيس أمريكي يتمتع برؤية استراتيجية ولكنه ضعيف سياسياً. هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تسوء، ولكن بالنظر إلى البدائل القاتمة، فإن الأمر يستحق المحاولة، بحسب الصحيفة الأمريكية.