فضيحة إسرائيل في لاهاي..عماد الدين حسين

الأحد 28 يناير 2024 10:25 ص / بتوقيت القدس +2GMT



رغم كل شيء، فإن ما حدث في محكمة العدل الدولية في لاهاي، ظهر الجمعة، هو انتصار كبير لقيم العدل والقانون والإنسانية وفضيحة شبه مكتملة الأركان للكيان الصهيوني العنصري. لماذا ما حدث هو انتصار كبير للعدالة والإنسانية؟
الإجابة يمكن أن نقرأها بسهولة مما قيل على لسان قضاة المحكمة وفي مقدمتهم رئيسة المحكمة القاضية الأميركية دوان دونوغو، خصوصا تأكيدها على أن ما قدمته جنوب إفريقيا من أدلة كان مقنعا مثل تجريد وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت للفلسطينيين من إنسانيتهم وقراره بفرض حصار كامل عليهم.
أولا: إن المحكمة أكدت اختصاصها القضائي في النظر بالدعوى، وأقرت حق جنوب إفريقيا في رفع الدعوى، ورفضت طلب إسرائيل الأساسي بأن جنوب إفريقيا ليس لها الحق في رفعها، وقالت، إن من حق أي دولة موقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية أن تتقدم بالدعوى ضد أي دولة أخرى.
ثانيا: المحكمة أكدت أيضا حق الفلسطينيين في قطاع غزة بالتمتع بالحماية من الإبادة الجماعية.
ثالثا: ١٥ قاضيا مقابل اثنين فقط صدقوا على الحكم، وأيدوا إلزام إسرائيل بمنع تدمير الأدلة المتعلقة بالإبادة الجماعية، وأن عليها الالتزام باتفاقية منع الإبادة الجماعية.
رابعا: وهذا هو الأهم فإن المحكمة أمرت إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة أو التحريض عليها.
خامسا: إن المحكمة وافقت على طلب جنوب إفريقيا، بأنه على إسرائيل وفقا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية أن تكف عن ارتكاب أي من الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية وعلى وجه الخصوص قتل أعضاء من جماعة بشرية وإلحاق أذى جسدي أو روحي بهم وإخضاعهم عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب أطفال داخل الجماعة.
سادسا: المحكمة قالت، إن على إسرائيل التوقف عن اتخاذ جميع التدابير لمنع طرد أو تشريد الفلسطينيين قسرا من منازلهم، أو حرمانهم من الحصول على المياه والغذاء الكافيين، والوصول إلى المساعدات الإنسانية ومنع تدمير الحياة الفلسطينية في غزة.
سابعا: على إسرائيل أن تضمن عدم ارتكاب أو المشاركة في التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو التحريض عليها وأن تقدم تقريرا خلال شهر للمحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر.
ما سبق هو أهم القرارات لكن هناك مجموعة من الملاحظات، أهمها أن الحكم صدر بما يشبه الإجماع، وثبت يقينا أن القضاة انحازوا إلى ضميرهم المهني والإنساني، وليس إلى مواقف دولهم أو حتى دعم بعض الدول الداعمة للعدوان الإسرائيلي، وقد رأينا الموقف الألماني المنحاز لإسرائيل وتأكيده أنه سوف يحترم حكم المحكمة مهما كان.
ثانيا: هناك إحباط وخيبة أمل من عدم وجود قرار واضح من المحكمة بوقف إطلاق النار، لكن هناك آراء قانونية كثيرة تقول، إن كل ما جاء في قرارات المحكمة، أمس، هو أفضل المتاح، وإنه يقود إلى ضرورة وقف إطلاق النار، وإن المحكمة حينما تطالب إسرائيل باحترام المادة الثانية من الاتفاقية فهي تعني عمليا وقف الحرب، لكن هناك رأيا قانونيا يقول، إن وقف إطلاق النار لا يدخل عمليا في نطاق الصلاحيات المباشرة للمحكمة.
بالطبع فإن إسرائيل سوف تستغل هذه الصياغة المطاطة فيما يتعلق بعدم وجود نص صريح  لوقف إطلاق النار وتقول، إنه يعطيها الحق في استمرار الحرب أو الدفاع عن النفس كما ادعى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء في تعليقه على الحكم.
لكن المؤكد ورغم عدم وجود النص القاطع بوقف إطلاق النار فإن جنوب إفريقيا ـ التي تستحق كل الشكر والتقدير ــ قد حشرت إسرائيل في زاوية ضيقة وكشفت حقيقة وجهها العنصري الفاشي الإجرامي وهشمت صورتها المزيفة بأنها واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، والمؤكد أيضا أن ما حدث هو كارت أصفر وليس أحمر لإسرائيل وسوف يساعد في تكثيف الضغط الدولي على تل أبيب ومن يدعمها، وقد رأينا الذعر الإسرائيلي من الحكم في قول نتنياهو، إنه «وصمة عار في تاريخ القانون»، أو قول المتطرف إيتمار بن غفير، إن المحكمة معادية للسامية!!!
مرة أخرى، شكرا لجنوب إفريقيا وشكرا لكل قضاة محكمة العدل الدولية الذين انحازوا لإنسانيتهم وضميرهم وللقانون الدولي الإنساني.
المعركة ضد هذا العدو طويلة ومعقدة جدا، وتحتاج النضال على كل الجهات القانونية والسياسية والثقافية والإعلامية وكل ما يتوافق مع القانون الدولي.