غزة سما عقد مركز دراسات التنمية التابع لجامعة بيرزيت في قطاع غزة ورشة عمل لمناقشة كتاب " التحولات الاجتماعية و الطبقية في الضفة الغربية و قطاع غزة" ، تأليف الأستاذ غازي الصوراني. وذلك مساء يوم الاثنين الموافق 28-12-2009، في قاعة الاجتماعات الخاصة بمركز دراسات التنمية في مدينة غزة.حضر اللقاء 60 مشاركة من النخبة الثقافية و الأكاديميين، بالإضافة إلى لفيف من الشباب الناشطين و المهتمين.استضاف اللقاء كل من الدكتور ناصر أبو العطا ، أستاذ علم الاجتماع وعميد الشؤون الثقافية بجامعة الأقصى ليقدم قراءة نقدية للكتاب ، بحضور الأستاذ غازي الصوراني . أدار اللقاء الأستاذ غسان أبو حطب، منسق مركز دراسات التنمية في قطاع غزة. و كانت مداخلات الضيوف على النحو التالي:الدكتور ناصر أبو العطا:في البداية، أؤكد تقديري العالي للأستاذ غازي الصوراني كونه طرق جدار الخزان بإعداده لهذه الدراسة التي تناولت موضوعاً غاية في الأهمية، تماماً كما عودنا دائماً عبر الكثير من إصداراته التي تتسم بغزارة المعرفة و دقة التوصيف. حيث ينطلق الصديق الصوراني في كتابه التحولات الاجتماعية والطبقية في الضفة الغربية وقطاع غزة، من رصد و تحليل التحولات التي طرأت على البنية الاجتماعية ضمن مقاربة منهجية تعتمد التحليل الطبقي الاجتماعي لقراءة التغيرات البنيوية التي واكبت عملية التحول في الخريطة الطبقية للمجتمع الفلسطيني والتبدل الحاصل في المواقع الطبقية.يتضح من قراءة الكتاب أن الباحث يحاول أن يؤكد على أهمية التملك المعرفي بالنظرية الماركسية وقدرتها على القراءة النقدية لمشهد التحولات في الزمن الفلسطيني الراهن و الواقع العربي و تشابكه مع الأوضاع العالمية، و ذلك من خلال استحضار و استدعاء أدوات الماركسية المنهجية و مقولاتها النظرية التي تساهم في فهم و تفسير الواقع الاجتماعي السياسي.يتحرك الباحث ضمن أسئلة الحاضر و المستقبل المحكوم من خلال تشخيص الباحث بالتبعية و التخلف كسمه مميزه للزمن العربي الراهن، كما يتجلى و يتمظهر في مواقف النظام العربي و القوى الإجتماعية المتخلفة و توزع أشكال القوة و السلطة في مسألة التحدي و الإستجابة إنطلاقاً من تحديد طبيعة التناقضات الحاكمة للصراع على المستوى القومي و الإجتماعي، وفي مواجهة قوى الهيمنة العالمية و مسألة الإحتلال للأرض العربية و نهب مواردها و قضايا أخرى لا تقل أهمية حول الخيارات المستقبلية للشعوب العربية.يدرك الكاتب و بوعي أبعاد الحركية الجدلية الإجتماعية القائمة على جدلية الوحدة والإنقسام في الزمن الراهن و أنها تؤول لمصلحة الإنقسام في الحالة العربية و كما يتبدى ذلك بوضوح في الحالة الفلسطينية و في إنبثاق الطائفة و المذهبية و العشائرية في حالات عديدة من الدول العربية ( العراق، لبنان، السودان...).تتمحور فكرة الكتاب حول مجموعة من الإشكاليات المعالجات المنهجية و المعرفية للحالة العربية و الفلسطينية الراهنة، الإشكالية الأولى هي منهجية، و تدور حول جواز و صلاحية مدخل التحليل الطبقي الإجتماعي و الصراع الطبقي لأزمة حركة التحرر الوطني الفلسطيني، إنطلاقاً من أن المجتمع الفلسطيني و منذ النكبة و كنتيجة لها فقد السمات و الخصائص المميزة للتكوين الإجتماعي و الديمغرافي و المعيشي التي كانت سائدة ما قبل ذلك و أحالت الوضع الفلسطيني إلى تجمعات و مجموعات واجهت مصيرها السياسي، الإجتماعي و الإقتصادي ضمن حالة التعقيد التي سادت ما بعد النكبة و ما إقتضته ضرورة الصراع مع الدولة الصهيونية من ناحية و أشكال التهميش للجماعات الفلسطينية في مراكز اللجوء في الدول العربية.يحاول الباحث إعادة الإعتبار و التفكير بعمق في معالجة النظرية الماركسية للكثير من المفاهيم و المقولات المتعلقة بخصوصية الحالة العربية و واقع تطورها المحتجز و هي تلك المفاهيم و أدوات التحليل التي غادرت الفضاء الفكري و الممارسة السياسية للقوى و الأحزاب اليسارية و القومية خلال العقدين الأخيرين لصالح مفاهيم نهاية التاريخ و نهاية الماركسية وصراع الحضارات و أيضاً مفاهيم و نصائح البنك الدولي ذات التوجه الليبرالي حول الخصخصة و الإصلاح و الحكم الرشيد و المجتمع المدني.من الواضح أن أ.غازي سعى إلى إثارة حفيظة الباحثين و المثقفين اليساريين بالتفكير على المستوى النظري و الممارسة في جدلية العلاقة بين مسار التحولات الطبقية و علاقتها بالأوضاع السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و ما يترتب على ذلك من تباينات و إختلافات في الرؤى و المواقف لدرجة الإنقسام ، خاصة كما يرى الباحث أن آفاق النضال القطري الفلسطيني مسدودة، وبالتالي يطالب القوى اليسارية أن تخرج من أوهام الحلم المرحلي نحو فلسطين الديمقراطية لكل سكانها كجزء لا يتجزأ من الدولة العربية و المجتمع العربي الاشتراكي. المشاركات و التعليقات:قدم المشاركونآت مداخلات تمحورت حول الاختلاف و الثناء على الدراسة و محتواها، ويمكن تلخيصها فيما يلي:• معظم من يتحدث و يقود التحرك لأي فكرة هم من الطبقات البرجوازية، و هذا ناتج عن غياب أو ضعف وتراجع قوى اليسار الفلسطيني .• مجتمعنا الفلسطيني يتصف بالميوعة الطبقية إذ أنه لا توجد طبقات يمكن تمايزها بحكم أنه لا توجد علاقات إنتاج مثل أرباب العمل و العمال و غالب المشروعات الإنتاجية قائمة على أساس عائلي، لذلك لا يمكن فهم المجتمع الفلسطيني من خلال التحليل الطبقي، وهو ما أكد عليه المؤلف.• الصراع بين اليمين العلماني و اليمين الديني لم يكن أبداً طبقياً بدليل أن لكلاهما ذات القاعدة الطبقية الفقيرة عموما من اوساط البورجوازية الصغيرة والعمال والفلاحين إلى جانب القاعدة التي تمثل قيادة اليمين داخل فريقي الصراع ، فهي اقرب إلى الشريحة البيروقراطية العليا ومتحالفة مع بورجوازية الكومبرادور والبورجوازية العقارية والمصرفية والصناعية والزراعية .. وكلها بالفعل ذات طابع رث وتابعه في آن واحد .• حتى الآن لا توجد إسهامات فلسطينية لقراءة التاريخ الفلسطيني بأيدي فلسطينية بحتة و من هنا تكتسب هذه الدراسة أهميتها كونها إستندت في قراءة التاريخ إلى النظرية العلمية الماركسية.• موضوع الإسلام السياسي الأصولي و الإسلام السياسي المدني الذي يقبل بممارسة العملية الديمقراطية، علاقة جدلية تحتاج إلى تمحيص و دراسة ، وهنا تكمن اهمية دعوة المؤلف إلى فصل الدين عن الدولة .• العلاقة بين الوطني القطري و القومي العربي و الأممي و الإسلامي بحاجة إلى معالجة في سياق الواقع الفلسطيني ، مع التركيز على اولوية العلاقة بين الوطني والقومي بالنسبة للمسألة الفلسطينية والصراع مع العدو كما طرحها الكتاب.• الباحث أراد من خلال هذه المساهمة أن يلقي الحجر الذي يحرك المياه الراكدة في اوساط اليسار و قد وفّق في طرحه النظري بوضوح ، لكن الجانب العملي مرهون بنهوض اليسار .• الشكر موجه لمركز دراسات التنمية لمساهمته في إغناء النقاش حول مسألة التحول الاجتماعي في السياق الفلسطيني . تعقيب الأستاذ غازي الصوراني :كل الشكر و التقدير لهذا الحضور و لمركز دراسات التنمية الذي سهل هذا اللقاء. و تأكيدا مني على احترامي لجميع وجهات النظر و الاختلاف الذي اعتبره ضرورة مهمة تقود نحو التطور و الإبداع، إلا أنني سأحاول أن أورد بعضا من التوضيح و التعقيب على ما ورد في مداخلاتكم و مداخلة الدكتور ناصر أبو العطا. و هي على النحو التالي:• تسعى هذه الدراسة إلى إثارة النقاش العلمي في أوساط الباحثين والمثقفين اليساريين الفلسطينيين حول التحولات الطبقية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني، وتأثيرها على المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانعكاسها على مواقف القوى السياسية الفلسطينية.• كما أن الهدف من هذه الدراسة هو تحديد وضع الطبقات في إطار الصراع ضد الاحتلال، وخصوصا من اجل تحديد موقع اليسار الطبقي ،أو البحث عن توضع هذا اليسار في البنية الطبقية. حيث أنه رغم أن كل الشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال، وبالأساس من وجود الكيان الاستيطاني الصهيوني ، فإن فاعلية الطبقات مختلفة في التعاطي معه مع استمرار هيمنة الطبقات والشرائح الاجتماعية والبيروقراطية العليا.• وبالتالي فإن هذه الدراسة، هي محاولة تشخيصية للوحة أو الخريطة الطبقية الراهنة في المجتمع الفلسطيني ،في الضفة وقطاع غزة،ومتابعة تطور ورصد أوضاع الطبقة البرجوازية الكبيرة والطبقة البرجوازية الصغيرة أو ما يطلق عليها البرجوازية المتوسطة، إلى جانب طبقتي العمال والفلاحين، واتجاهات التغيب في هذه المواقع نتيجة للتفكيك والتهميش والإدماج وآليات التغير في مواضع هذه الفئات والدور المركزي للفقراء والمهمشين في عملية التحرر الوطني والديمقراطي.• فما جرى منذ 14حزيران2007 شكل نقيضا لكل من صيرورة التحرر الوطني والتطور الاجتماعي،حيث سادت حالة من الاستبداد والقمع والتخلف الاجتماعي والركود الاقتصادي، كرست واقع أقرب إلى الإحباط واليأس وانسداد الأفق، ليس بالنسبة للعملية السياسية فحسب بل أيضا بالنسبة للأوضاع الاجتماعية والحريات العامة وحرية الرأي.• وهنا بالضبط تحولت المتغيرات السياسية الاجتماعية في كل من مجتمع الضفة والقطاع إلى حالة نقيضه للتقدم أو ما يمكن تسميته بإعادة إنتاج التخلف والتبعية، أدت إلى زعزعة وتفكيك أو إضعاف وعي شعبنا الفلسطيني بأفكاره وأهدافه الوطنية التوحيدية، كما أضعفت وعيه بوجوده السياسي الاجتماعي الموحد.• إن الوضع الراهن يشير إلى أن السياسة باتت فنا للفوضى أو الموت البطيء بدلا من فن إدارة الصراع الوطني والاجتماعي، وهي حالة يمكن أن تؤدي إلى نكبة أشد خطرا وعمقا من نكبة48.• معنى ذلك هناك خلل كبير يدفع ثمنه شعبنا الفلسطيني عموما والجماهير الفقيرة خصوصا. ذلك أن ما يجري هو شكل من أشكال الصراع السياسي والمجتمعي الممنهج والمحكوم بالطبع بأهداف ومصالح وبرامج انقسامية فئوية محددة تسعى إلى إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني وبلورته في الصيغة المطلوبة وفق مقتضيات الصراع بين القطبين فتح وحماس في إطار فسيفساء متناقضة، قد يفقد معها المشروع الوطني مرتكزاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ما سيدفع إلى تكريس نوعا من تفكك الفكرة التوحيدية للجماعة السياسية الفلسطينية لحساب هوية الإسلام السياسي أو الإمارة الإسلامية أو الخضوع لضغوط وشروط الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، حينئذ لن تكون هذه الهوية بديلا للمشروع الوطني فحسب، بل ستمثل نهاياته لكي تبدأ بالسير في مشروعها، وهي إمكانية نزعم أنها مستحيلة التحقق في فلسطين راهنا إلا إذا استطاع تيار الإسلام السياسي أن يصبح مشهدا رئيسيا في بعض أو معظم بلداننا العربية، وهو أمر لا يمكن تحققه دون التكيف مع السياسات الأمريكية.• من هنا أهمية الإقرار لمبدأ فصل الدين عن الدولة الذي يعني الاستمرار في تأكيد الاحترام للدين والمشاعر الدينية وكافة الجوانب الايجابية العديدة في تراثنا العربي الإسلامي،الذي حرصت كافة القوى الوطنية عموما واليسار خصوصا على تطبيق هذا التوجه منذ تأسيسها.• لذلك فإن من واجب القوى اليسارية الماركسية أن تنتقل من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل الذي يحقق قدرتها على الاستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي.• أخيرا قد يتفق اليسار على أن هذه البديهيات تدعو لإعادة صوغ رؤيته ودوره المستقبلي، وهي عملية تندرج تحت بند الضرورة التاريخية للتيار الوطني الديمقراطي عموما ولليسار خصوصا في فلسطين والوطن العربي، انطلاقا من القناعة بان النظام السياسي العربي في واقعه الحالي من الخضوع والتبعية والارتهان والتخلف هو جزء تابع للمنظومة الامبريالية في الشرق الأوسط.