هل ستخرج الحرب في غزة عن السيطرة؟ عمرو حمزاوي

الأربعاء 24 يناير 2024 10:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هل ستخرج الحرب في غزة عن السيطرة؟ عمرو حمزاوي




منذ اليوم الأول للحرب في غزة، وإدارة الرئيس جو بايدن تعمل على منع تمددها الإقليمي إلى ساحات أخرى.
من جهة أولى، كانت عين واشنطن على جبهة لبنان حيث احتمالات التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل دوماً قائمة، ولاحتواء الخطر سارعت الإدارة الأميركية في إرسال قطع بحرية إلى شرق البحر المتوسط، وحشد إمكانيات عسكرية إضافية لتوجيه رسائل ردع واضحة إلى «حزب الله» وراعيه الإقليمي إيران. خلال الأسابيع الأولى للحرب، أسفرت رسائل واشنطن، ومعها تقديرات المصلحة السياسية من قبل «حزب الله» التي ذهبت باتجاه الابتعاد عن مواجهة مفتوحة مع تل أبيب، وكذلك تقديرات المصلحة الوطنية للحكومة الإيرانية التي لا تريد تصعيداً مفتوحاً مع القوة العظمى وحليفتها في الشرق الأوسط وتخشى على منشآتها النووية ومواقع النفوذ الإقليمي التي راكمتها، أسفرت هذه العوامل مجتمعة عن منع حرب شاملة بين «حزب الله» وإسرائيل.
غير أن منع الحرب لم يحل دون تبادل إطلاق الصواريخ والمسيّرات بين الطرفين، وهو ما أوقع بعض الضحايا المدنيين هنا وهناك، ورتب نزوح أكثر من ١٠٠ ألف إسرائيلي وإسرائيلية من قراهم ومدنهم في الشمال، وأسقط عدداً من القادة الميدانيين لـ»حزب الله» في جنوب لبنان. ثم كان أن صعّدت حكومة اليمين المتطرف التي يقودها بنيامين نتنياهو من جهة باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لـ»حماس»، صالح العاروري، في ضاحية بيروت الجنوبية وبالهجوم على مناطق مدنية، ومن جهة أخرى بإطلاق وزراء ومسؤولين عسكريين تصريحات متتالية بشأن اقتراب الحرب الشاملة مع «حزب الله» للحد من قدراته الصاروخية، ولإبعاده عن المنطقة الحدودية بين البلدين، وإعادة الأشخاص المهجرين الإسرائيليين في الشمال. فعلت حكومة نتنياهو ذلك دون التفات للضغوط الأميركية والأوروبية التي طالبت بحماية لبنان، وتمكين الغرب من الانخراط في وساطة هادئة باتجاه هدنة طويلة المدى بين إسرائيل و»حزب الله». وعلى الرغم من عدم رغبة الحزب وراعيه الإيراني في التورط في تصعيد مفتوح، لم يكن أمامه سوى الرفع الجزئي لعمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات على أهداف عسكرية ومدنية في الشمال؛ لإثبات إمكانات الرد وإبعاد شبهة السلبية والاستباحة.
ومن ثم، وبالنظر إلى جبهة لبنان في جنوبه وشمال إسرائيل، يصعب، اليوم، استبعاد احتمالية الحرب الشاملة إن خرجت الأفعال وردود الأفعال عن السيطرة، خاصة مع رغبة حكومة نتنياهو اليمينية في إطالة أمد العمليات العسكرية كوسيلة لغاية هي البقاء في السلطة السياسية.
من جهة ثانية، كانت عين واشنطن وهي ترسل قطعها البحرية وتحشد إمكانياتها العسكرية على جبهتين إضافيتين، هما سورية والعراق. للولايات المتحدة في البلدين قواعد لقواتها المسلحة ولوجودها الاستخباراتي ترتبط بالحرب على عصابات الإرهاب وبقايا تنظيم «داعش» وحماية حلفاء محليين، وترتبط أيضاً باحتواء النفوذ الإيراني وبتحجيم من ترعاهم الجمهورية الإسلامية كـ»حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى.
ما إن نشبت الحرب في غزة، إلا وكانت رسائل الردع الأميركية تتجه لمنع الهجمات الإرهابية ضد قواعدها، ومنع الخطوات التصعيدية ضد قواتها من قبل أتباع إيران. بعد الأيام الأولى للحرب والتي لم تحدث بها هجمات في سورية والعراق، تحوّل الأمر مع استمرار القتل والدمار والكارثة الإنسانية في القطاع إلى كر وفر بين الميليشيات الشيعية وبين القوات الأميركية بضربات متبادلة. كر وفر يحمل بكل تأكيد احتمالية لاستمرار استنزاف تدريجي لواشنطن يورطها في المزيد من العمليات العسكرية والاستخباراتية، ويحمل أيضاً احتمالية تمدد سياق المواجهات بتدخل إسرائيل بضربات إضافية ضد أتباع إيران خاصة «حزب الله»، ويحمل أخيراً احتمالية تدخل الحرس الثوري الإيراني مباشرة في المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل بضرب حلفاء محليين لواشنطن في سورية والعراق.
دخلت جميع هذه الاحتمالات تدريجياً حيز التنفيذ بهجمات الميليشيات الشيعية على القواعد الأميركية، وبضربات الولايات المتحدة وإسرائيل للميليشيات، وبهجمات الحرس الثوري الإيراني على كردستان التي تدير شؤونها حكومة حليفة لواشنطن، وذات علاقات جيدة مع تل أبيب، وتذرعت طهران لتبرير الهجمات بتهديد أمنها القومي من خلال مجموعات «مارقة» تنطلق من أربيل.
من جهة ثالثة، واجهت واشنطن بعد أيام على حرب غزة جبهة إضافية للتوترات الإقليمية هي المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. فقد تحركت جماعة الحوثي لمهاجمة السفن التجارية القادمة عبر باب المندب والمتجهة إلى إسرائيل، موظفةً مسيّرات وصواريخ أمدتها بها إيران خلال السنوات الماضية. أضرت هجمات الحوثيين بخطوط الملاحة التجارية والدولية في ممر مائي بالغ الأهمية للعالم، ممر مائي ينتهي بقناة السويس التي هي أقصر الطرق الرابطة بين آسيا ذات الإنتاج الصناعي الكبير ومنطقة الخليج ذات الإمدادات النفطية الضخمة من جهة، وبين القارة الأوروبية التي تستورد صناعياً بكثافة من آسيا وتعتمد على بترول وغاز الخليج للوفاء باحتياجاتها من الطاقة.
لم تتوقع إدارة الرئيس جو بايدن تهديدات الحوثيين، ووجهت، كرد فعل مباشر، رسائل ردع إلى الراعي الإيراني، وحين دخلت الهجمات الحوثية على السفن التجارية في نسق تصاعدي، سارعت الولايات المتحدة بتشكيل تحالف متعدد الأطراف للعمل عسكرياً لتأمين خطوط الملاحة الدولية، وحشدت قطعاً إمكانيات بحرية بحثاً عن ردع فعّال. غير أن التحالف متعدد الأطراف الذي أعلن عنه والسفن الأميركية والبريطانية التي تجمعت في البحر الأحمر لم تسفر عن توقف هجمات الحوثيين، ما دفع واشنطن بالتنسيق مع لندن للهجوم على مواقع مختلفة للحوثيين في العمق اليمني مرات عدة خلال الأيام القليلة الماضية.
كما على الجبهة اللبنانية وفي الساحتين السورية والعراقية، لا يبدو أن نسق الأفعال وردود الأفعال حول اليمن في سبيله إلى خفض مناسيب التوتر الإقليمي عند المدخل الجنوبي لأحد أهم الممرات الملاحية في العالم.
خطر تصاعد التوترات وتداعياتها الخطيرة على أمن الشرق الأوسط، وعلى إمدادات بعض السلع الصناعية الأساسية وإمدادات الطاقة، وعلى قناة السويس، وعلى شركات التجارة والملاحة الدولية وشركات التأمين المرتبطة بها يبدو حاضراً بقوة. كذلك تبدو حاضرة بقوة احتمالية اتساع نطاق المواجهات العسكرية بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وإسرائيل، وبين إيران وأتباعها، لترتفع معها فرص الحرب الشاملة على امتداد المنطقة، وربما في جوارها أيضاً (الهجمات العسكرية المتبادلة بين إيران وباكستان مثالاً).