نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً أعدّته ناتاشا فروست وديميان كيف علّقا فيه على قرار شبكة تلفزة أسترالية عزل صحافية لبنانية- أسترالية من عملها، بسبب منشور عن غزة.
وقالا إن الحادثَ كَشفَ عن الأزمة التي تعاني منها أهمّ شبكة تلفزة في أستراليا. وأضافا أن المنشور على منصات التواصل الاجتماعي لم يكن فيه الكثير من الجدل، بل أشار إلى تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش”، ولكنه كان ناقداً لإسرائيل، وجاء من صحافية لبنانية- أسترالية، واعتبره بعض النقاد متحيزاً، وتُعرف أنطوانيت لطوف، في الإعلام الأسترالي، وكانت موجزة في العنوان “تقرير هيومان رايتس ووتش: التجويع وسيلة حرب”.
وفي اليوم التالي، قام المحامون المؤيدون لإسرائيل بمواصلة حملتهم المطالبة بطردها، والتي بدأت منذ تعيينها في هيئة الإذاعة الأسترالية (إي بي سي)، حيث أخبرها مدراء المؤسسة بأن وصلتها في الراديو ستنتهي مبكراً.
وتعلّق الصحيفة أن الخلاف القانوني بشأن طردها ومبرره ورّطَ واحدة من المؤسسات الإعلامية الموثوقة في صراع، وتسبّبَ، يوم الإثنين، في تحركٍ نادر، “للتصويت على الثقة” ضد محرر المؤسسة.
وكان مثالاً آخر عن الكيفية التي أثّرت فيها الحربُ على غزة على مواقف الرأي العام، وخلقت خطوط صدع حول العالم.
وتعتبر “إي بي سي” منظمة ممولة من أموال الرأي العام، وهي ملزمة بأن تكون ممثلة لكل أطياف المجتمع الأسترالي، وهي تواجه تصادماً في موضوعين خلافيين، الأول، كيف تغطي المؤسسة والعاملون فيها القضايا الساخنة في وقت الخلافات السياسية الحادة؟ أما الثاني، فهو أن المؤسسة الإعلامية تعاني من أزمة تمويل، وتواجه هجمات من اليمين المتطرف، ولم تدافع عن صحافييها، وخاصة من الملونين والنساء.
وفي اجتماع صاخب لحوالي 200 موظف، قال محرر الشؤون الدولية في “إي بي سي” جون ليونز، والذي كان سيسافر، الثلاثاء، إلى إسرائيل، إنه تم التنازل عن سمعة واستقلالية المؤسسة، ولأنها عبّرت عن استعداد للاستجابة لضغوط خارجية، وفي موضوع مهم. وأضاف ليونز أن “إي بي سي” “واجهت أحلك أيامها” في يوم الثلاثاء الماضي، عندما كشفت “ميلبورن إيج” وشقيقاتها من المنشورات كيف أثرت حملة كتابة رسائل على أهم مسؤولين في “إي بي سي” في قرار عزل لطوف.
وقال ليونز: “لقد شعرت بالحرج من قدرة 156 محامياً على الضحك على الطريقة السهلة التي تلاعبوا فيها بـ إي بي سي”.
وصوّت أعضاء الاتحاد بنسبة 129 صوتاً إلى 3 أصوات، وعدد من الأصوات الممتنعة، على سحب الثقة من المدير الإداري، وكبير المحررين في “إي بي سي” ديفيد أندرسون. وفي بيان، قال أندرسون إنه طالما دافع عن الصحافة في “إي بي سي”.
وقالت الصحيفة إن الهيئة شهدت، في الفترة الماضية، استقالة صحافيين من المواطنين الأصليين والعرب والآسيويين الذين اشتكوا من تعرّضهم للعنصرية، أو أنهم عوملوا بطريقة مختلفة من زملائهم.
واستقال ستان غرانت، الأسترالي الأصلي، مع ضجة كبيرة، في أيار/مايو، بعد تعرّضه لسيل من الانتهاكات العنصرية، احتجاجاً على تغطيته زيارة الملك تشارلز، حيث قال، في حينه، إنه حصل على دعم المؤسسة.
واستقالت نور حيدر، هذا الشهر، بسبب قلقها من تغطية المؤسسة للحرب في غزة، وقلقها من طريقة معاملة الموظفين من الثقافات الأخرى.
ويعتبر الكفاح للتنوع قضية حاضرة في الإعلام الأسترالي، ففي دراسة أعدّت في 2022 وجدت أن نسبة 10% من مقدمي البرامج خلال الأسبوع هم من خلفيات غير أوروبية، وهي نسبة أقل بكثير من تمثيلهم السكاني.
وساهمت لطوف في “إي بي سي” بشكل منتظم، وهي مؤلفة لكتاب “كيف تخسر أصدقاء وتؤثر على الشعب الأبيض”، وطالبت بتنوع أوسع في الإعلام، وانتقدت أعمال الجيش الإسرائيلي في غزة.
وفي منشور قريب لها قالت إن عام 2023 سيتم تذكره بأن الدعوة لوقف إطلاق النار هي تهمة، و”أكثر من استخدام الدعاية والتضليل والتشويه المعلوماتي لتبرير جريمة إبادة جارية”.
وعيّنتها “إي بي سي”، في الشهر الماضي، لكي تملأ فراغ مذيع في راديو سيدني لخمسة أيام. وفي اليوم الأول أخبرها مديرها بأن “اللوبي اليهودي غير سعيد بحضورها على الهواء”، وحثّها على تجنّب الموضوعات الجدلية وهي على الهواء. وفي اليوم التالي، شاركت لطوف منشوراً حول اتهام منظمة “هيومان رايتس ووتش” إسرائيل باستخدام التجويع كأداة حرب. وأخبرت، قبل 24 ساعة، بأنها لن تعود إلى العمل في اليوم الأخير من عقدها.
وقدمت دعوى قانونية بأنها طُردت بطريقة غير منصفة، وتعرضت للتمييز. وقالت لطوف: “كان مدمراً على المستوى الشخصي”. وأضافت، بمقابلة مع “نيويورك تايمز”: “ولكنني أعتقد أن الدمار هو الرسالة التي أرسلتها”.
وفي رسالة لإيلين بيرسون، مديرة “هيومان رايتس ووتش”- فرع آسيا، قالت إن طرد لطوف سيترك أثراً على طريقة تشارك الصحافيين الأستراليين في محتويات المنظمات المعروفة. وحثت “إي بي سي” على تقديم توضيح حول المحتويات التي يمكن للموظفين مشاركتها، وهو ما طالب به صحافيو المؤسسة.
ورفضت المؤسسة الاعتراف بأن طرد لطوف له علاقة بعِرقها أو مواقفها السياسية، وطالبت “لجنة العمل المنصف”، وهي محكمة جنائية للعمل، رفض الدعوى.
وأنكرت “إي بي سي” أن تكون جماعات اللوبي قد لعبت دوراً في القرار المتعلق بلطوف. لكن ثرثرات المجموعة تظهر أن محامياً أخبر “إي بي سي” بضرورة “إنهاء العقد مباشرة” مع لطوف. وشجّعَ بقية المحامين على الكتابة والضغط. وقالت: “كانت هناك تهديدات واضحة”.
وتعرضت “إي بي سي” لحملات من المؤسسات التابعة لروبرت ميردوخ، التي تشعر بأنها منافسة لها.
وفي عام 2017، قالت ياسمين عبد المجيد، الصحافية السودانية- الأسترالية، إنها تعرّضت للتنمّر، وأجبرت على الاستقالة من “إي بي سي” بعدما تحدثت عن مأزق اللاجئين وسجنهم في البحر.
وأدت التغطية التي غذّتها “نيوز كورب”، التابعة لميردوخ، إلى رمي رأس خنزير أمام مركز إسلامي.
وبالنسبة للطوف، فإنها تأمل العودة، بعد اعتذار رسمي: “أحب إي بي سي”، و”أخطط للعودة إليها”.