نشرت مجلة “تايم” الأمريكية تقريراً أعدّته مالوري موينتش قالت فيه إن ابنة رهام شاهين بكت طوال اليوم من الجوع، في الشهر الماضي، وأنكهها البكاء، ونامت وهي تنتظر الانتهاء من طبخ الوجبة الوحيدة التي تتناولها في اليوم.
وعَلِقَتْ شاهين، منذ بداية الحرب بغزة، في الأردن، وبعيدة عن بيتها وزوجها وأطفالها الثلاثة في غزة، وقالت: “قضيت يومين لم أستطع الأكل، أفكر بابنتي التي لم تستطع الحصول على الطعام”. وتقول إن العائلة تحصل على الدقيق من الأمم المتحدة، لكنه ليس كافياً لإطعام 24 شخصاً يعيشون في نفس الخيمة في رفح، جنوب غزة. ويكافحون للحصول على الطعام المعلّب، أو السلع في السوق، حيث ارتفعت الأسعار عشرة أضعاف، وعليهم الانتظار لساعات في طوابير للحصول على القليل.
ويحضر الأطفال والكبار في العمر للمستشفيات بسبب فقر التغذية، ويفقدون الوزن سريعاً حالة تعرضهم لالتهاب، كما يقول البرفسور نيك مينارد، الجراح البارز في مستشفى جامعة أوكسفورد، والخبير البارز في الطب السريري الطارئ، في رسالة صوتية للمجلة.
لكن الوضع على الأرض في غزة أسوأ مما وصفه مينارد عن بعد، حيث تزنّ المسيّرات في الخلفية طوال الوقت. ويقول إن منظمات الإغاثة الإنسانية أطلقت دائماً صفارات الإنذار من أن غزة تواجه مجاعة. وقالت الأمم المتحدة إن واحداً من كل أربعة يعانون من الجوع، وعائلة من كل 9 عائلات ببعض مناطق غزة تقضي اليوم والليلة بدون طعام. وفي تقرير نشره التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، وتكهّنَ بأن 2 مليون نسمة في غزة سيواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، ومواجهة واحدة من كل أربع عائلات ظروفاً تشبه المجاعة.
وبعد هجوم “حماس” على إسرائيل، في تشرين الأول/أكتوبر، أمرَ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بفرض حصار كلي على غزة: “لن تكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، وسيوقف كل شيء”.
وفي 16 تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الطاقة الإسرائيلي إسرائيل كاتس (وزير الخارجية الآن) إنه يعارض رفع الحصار، أما وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، فقد قال، في 17 تشرين الأول/أكتوبر، بأنه يجب عدم إدخال أي مساعدات لغزة طالما ظل الرهائن لدى “حماس”.
وبدأت إسرائيل بالسماح للمساعدات بالدخول إلى غزة في 21 تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن منظمات حقوق الإنسان والخبراء القانونيين تشير إلى هذه التصريحات والأفعال الإسرائيلية التي قادت لأزمة الجوع كأدلة لاستخدام التجويع كسلاح في الحرب على غزة.
وينص القانون الدولي الذي يغطي الحروب على “أن استخدام تجويع المدنيين، وقصداً، كوسيلة للحرب وحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها من أجل نجاتهم، وتعمّد إعاقة وصول المواد الغذائية” يعتبر انتهاكاً.
وتقول كاتريونا ميردوخ، من “غلوبال رايتس كومبلاينس”، الخبيرة القانونية البارزة، والتي درست التجويع في سوريا وجنوب السودان واليمن وأوكرانيا، إنه عندما يتعلق الأمر بالخطاب الإسرائيلي “فهو في الحقيقة صارخ من ناحية الإعلان عن نواياهم”.
وفي رد على أسئلة من المجلة، قال العقيد إلعاد غورين، مسؤول الدائرة المدنية، “منسق نشاطات الحكومة بالمناطق”، والتي تشرف على دخول المساعدات لغزة، إن “السرد المتحدث عن حصار غير صحيح بالكامل”. وقال غورين إن اسرائيل توفر 28 مليون ليتر من المياه يومياً لغزة، وسمحت بدخول 126،000 طن من المساعدات منذ بداية الحرب، وزادت، في هذا الأسبوع، عدد الشاحنات من 70 إلى 126 شاحنة.
وقال غورين: “حسب تقييمنا القائم على حوارتنا مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى، فهناك كميات كافية من الطعام في غزة، وسنواصل الدفع لكي تحصل المنظمات الإنسانية على مزيد من الشاحنات عند الحدود وتوزيعها، ومع ذلك سمعنا أصواتاً تطالب بمزيد من الدعم لغزة”.
وأضاف: “لم نقف، ولن نقف أمام توزيع المساعدات الإنسانية لأهل غزة، الذين ليسوا جزءاً من الإرهاب، وهم ليسوا أعداءنا”.
إلا أن جولييت طعمة، مديرة الاتصالات في وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، قالت للمجلة إن عدد الشاحنات، بما فيها الشاحنات المحمّلة بالسلع التجارية، انخفض من حوالي 500 شاحنة، في أثناء الدوام الرسمي ومنذ بداية الحرب. مضيفة أنه لا يوجد دعم كاف. وقالت الأمم المتحدة، في آخر أسبوع من شهر كانون الأول/ديسمبر، إن الدعم الغذائي وصلَ إلى نسبة 8% من السكان المحتاجين.
وقال جيرمي لورنس، المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، للمجلة إنه، و”بسبب القيود الإسرائيلية، فإن مستوى المساعدة الإنسانية لإنقاذ الحياة، والذي يصل إلى قطاع غزة، هو في الحد الأدنى، وأقل بكثير من احتياجات البقاء على الحياة للسكان المدنيين”.
وقال غورين إن اسرائيل مستعدة لزيادة ما تتلقاه الأمم المتحدة، وإن على الجماعات الأخرى زيادة قدراتهم من ناحية عدد الشاحنات والعاملين، وتمديد ساعات العمل، وتحسين عمليات التغليف وتطبيق نظام كيو أر لمتابعة التوصيل.
وردت الأمم المتحدة على اتهامات إسرائيل بأنها المسؤولة عن الثغرة في وصول المساعدات، ففي كانون الأول/ديسمبر قال الأمين العام أنطونيو غويتريش إن الطريقة التي تدير فيها إسرائيل الحملة العسكرية “خلقت الكثير من العقبات”. وقالت الأمم المتحدة إنها لم تكن قادرة على توصيل المساعدات، هذا الأسبوع، بسبب “التأخير والمنع” إلى جانب العمليات العسكرية.
وقال مكتب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، برسالة إلكترونية، إن الدعم يواجه معوقات بسبب المخاطر الأمنية والقيود على الحركة، بما في ذلك التفتيش المستمر والطوابير الطويلة أمام الحواجز والشوارع المدمرة. وجاء في بيان المكتب: “تواجه عمليات الدعم داخل غزة قصفاً مستمراً، حيث قتل عمال الإغاثة، وأطلقت النيران على بعض القوافل الإنسانية”.
وقالت طعمة إن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على قافلة مساعدات كانت متجهة جنوباً ما بين مدينة غزة ومخيم النصيرات، في 28 كانون الأول/ديسمبر. وفي رد على التقرير قال غورين: “هذه منطقة حرب، ونقوم بتسهيل دخول وحركة الكثير من المنظمات الإنسانية، ولو كان هناك مزاعم فسنتعامل مع المعلومات، ونقوم بالتحقيق فيها، ونرد على الوكالة”. ويقول مسؤولو الأمم المتحدة إن وقف إطلاق النار وتسهيل مرور البضائع التجارية وبدون قيود ضروري لمنع المجاعة.
ويرى بعض خبراء القانون أن القوانين الدولية قد خرقت، وبنت منظمة “هيومان رايتس ووتش” على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ومقابلات مع سكان في القطاع بشأن نقص المواد الغذائية، وأدلة على قصف وتدمير البنى التحتية والمصادر، واتهمت إسرائيل، في تقرير لها في كانون الأول/ديسمبر، بالمسؤولية عن التجويع كجريمة حرب.
واستخدام التجويع والحصار كجزء من الحرب ليس جديداً، فقد استخدم في حرب بيافارا في نيجيريا وحصار سراييفو في البوسنة وفي سوريا وضد منطقة التيغراي في إثيوبيا.
وفي مقال نشره أليكس دي وال، مدير “مؤسسة السلام العالمي” بجامعة تافتس، قال إن تدمير المواد الضرورية للحياة في غزة “تجاوزَ أي مجاعة من صنع الإنسان حدثت خلال الـ 75 عاماً الماضية”.
وأخبر دي وال أن تحذيرات من التجويع انطلقت: “لو لم تعدل من سلوكك بناء على ردود الفعل فإنك ستصبح مسؤولاً لأنك تتصرف وبمعرفة أن هذه ستكون النتيجة”. وعن تصرفات إسرائيل في غزة أجاب: “حقيقة استمرارهم في شنّ هذا الهجوم، وعلى معرفة بالنتيجة، تهور وجريمة من الدرجة الثانية، تصل إلى جريمة ضد الإنسانية في الحجج القانونية لأهل العلم”.
وتعلق ميردوخ بأن الأدلة العرضية كافية لإثبات التجويع كجريمة حرب، ولو وجدت المعلومات واستمرار التصرف، وأنه سيقود إلى تجويع المدنيين، فعندها سيتم تحميل المشرفين المسؤولية.
وأضافت أن التجويع، كجريمة حرب، لم يتم تقديمه للمحاكمة من قبل. ولكن منظمتها قدمت تقريراً ناقشت فيه أنها تحدث في جنوب السودان، وتريد السماح لمجموعتها بإجراء تحقيق مستقل في غزة. ويمكن أن يعالج الموضوع أمام محكمة العدل الدولية التي ستناقش، الأسبوع المقبل، الطلب من جنوب أفريقيا، والذي ذكر التجويع.
لكن القضية قد تستمر لسنين.. لن نفعل الكثير لعائلة شاهين في الوقت الحالي.