الآن، ليس لدينا «أوسلو»، الشبح الذي تغذى زمنا طويلا على السياسة الفلسطينية تفكك مثل غيمة دخان، الإخلاص لفكرة الاتفاق، كما لو أنه إرث شخصي أو الفقرة الرئيسة في السيرة الذاتية لزمن امتد ثلاثة عقود، يتكشف عن كمين سياسي مغلق، الصيغ الغامضة و»الأمل» والحنين والتعلق وترتيب البيت الفلسطيني وإدارة الانقسام التي اتكأت عليه وكل هذه الحمولات التي اتسمت بها هذه السياسة لم تعد قائمة، «نتنياهو» و»بن غفير» و»سموتريتش» و»ارييه درعي» ..إلى آخر هذه القائمة الفاشية، من الحكومة والمعارضة، يعرفون ذلك جيدا، ويتصرفون بناء على هذه الحقيقة منذ وقت طويل، يتفقون ويختلفون ويتفاوضون ويتناوبون على قتل الفلسطينيين على ضوء ذلك.
الاتفاق الذي تحول إلى بوابة تصل فيها إسرائيل إلى أقصى الخليج العربي، وأداة لتأبيد الانقسام الفلسطيني وتغذيته بالأسباب والأوهام، انتهى وبقيت البوابة المشرعة نحو الإقليم والانقسام في الداخل.
تسرب الاتفاق خلال أكثر من عقدين من السنوات، تسرب عبر صمت الدول المانحة، الأوروبية الغربية، عن الزحف الاستيطاني على تلال الضفة الغربية والقدس ومناطق «ج» ومصادر المياه، وعبر تغطية الاحتلال بالحديث عن «حل الدولتين»، بحيث تحول «الاتفاق» إلى أداة سياسية لتدمير فكرة الدولة الفلسطينية وتعزيز الانقسام، تآكل عبر احتكار الوساطة الأميركية وإقصاء العالم عن المشاركة، وتحييد دول الطوق بعد تحطيمها وإغراقها في الخوف والحذر، والقفز عن فلسطين وتأليف أعداء جدد، مثل ايران، ثم بناء تحالفات إقليمية لمواجهتهم.
على كتفي الاتفاق جرى إخراج إسرائيل من دورها الطبيعي كعدو ومصدر خطر وجودي على الفلسطينيين والمنطقة وتقديمها، بعد تنظيفها من دم شعوب الإقليم، جهة حامية تقود الإقليم حيث ستصطف الدول العربية مثل استعراض كشافة مبتدئين أمام مهنية وإعجاز القوة الاستعمارية الجديدة المسلحة.
وبينما كانت السلطة الفلسطينية، التي نشأت على أرضية الاتفاق، تواصل التذكير به والتمسك بشرعيته كانت إسرائيل تتغير، النخب والمجتمع، على يد بنيامين نتنياهو وحكوماته المتلاحقة، وكانت تضع ملاحق الاتفاق على الرفوف المهجورة، مثل تاريخ مذموم لا ينبغي العودة إليه.
الآن، فلسطين بكافة أرجائها، في السياسة والمقاومة، الضفة وغزة والقدس، الوطن والشتات، تمتلك فرصة الخروج من ثقل هذا الاتفاق، وتنظيف مشروعها الوطني من تبعاته وتكاليفه.
قد يبدو متأخرا، ولكن إنهاء الانقسام، دون الدخول في مناكفات التفاصيل، يبدو بداية جيدة.