الحاجة الآن هي وقف إطلاق النار، لا مفاوضات من أجل هدنة؛ فمن العيب التفكير فقط بالأسرى الإسرائيليين في حين تتم ممارسة القتل والتدمير لغزة وشعبها.
بعد سبعين يوماً، لم تكن الأمور واضحة كما هي الآن، لقد كشفت الحرب كل شيء في النفوس وعلى الأرض.
ولو تتبعنا ردود أفعالنا جميعاً أفراداً وجماعات ودولاً صغيرة وكبيرة، فسنستخلص الكثير، مما لا نحب، لكن هناك ما هو ضروري لنستخلصه، ألا وهو معرفة الصديق من العدو، وكما قال المثل الشعبي: "جزى الله الشدائد كل خير/ عرفت بها عدوي من صديقي". ولعل الأهم في كل هذا، أن الحرب أكدت على تحصين الوحدة الوطنية، وجعلها خطاً أحمر لا يتجاوزه وطنيّ حقيقيّ أبداً، وعليه فإن أول الفعل هو الوحدة الوطنية وحكومة الوحدة الوطنية، وإن كان هناك مفاوضات سياسية، فستكون مفاوضات الشعب الفلسطيني الموحد، في منظمة التحرير وفصائل العمل الوطني والإسلامي.
ليس هناك ما يقال إن لم يؤد القول الى وقف هذا التغول الإسرائيلي على غزة والضفة، ولا يمكن القبول باستمرار هذا القتل.
تلك هي المسؤولية، ولا بد من حملها، لأن السكوت عليه، سيشيع الخوف والقلق وعدم الاطمئنان على المستقبل.
مسؤولية المجتمع الدولي، فلا يجوز أن تظل الأمم المتحدة بلا روح ولا فعل، وكذلك الدول الكبرى، دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
أما مسؤولية المجتمع العربي، فهي مسؤولية الأشقاء، وكان من الممكن أن حملها بأفضل مما كان ويكون.
لكن في ظل قيادة إسرائيلية متحالفة مع قيادة أميركية، يجمعها معا قضايا الفساد، فإن من السخرية بمكان الاعتماد على هكذا قيادات تقود البشر نحو الهاوية، فلا يعني انقطاع الأمل الا اليأس والخراب.
هل توقع أحد أن يستمر مسلسل القتل اللحظي سبعين يوماً، وحبل الأيام على جرار الزمان؟ تعب الذي يعدّ، فما باك بمأساة المعدود؟
في كل يوم تزداد الأصوات العالمية بضرورة وقف القتل، ولا نقول وقف الحرب، لأن ما يحدث فعلياً هو قتل المدنيين.
وما زال الجيش الغازي غير قادر على الحسم، وتلك فضيحة الجيش المقهور، والذي يصر صناع القرار على الاستمرار في الحرب خشية تفسير وقف إطلاق النار بأنه نصر للفلسطينيين.
ما رشح من الحرب: عار القتل وعار الهزيمة. وما رشح سياسياً، إجماع دولي على حل الدولتين. أي ان الدولة الفلسطينية قادمة لا محالة.
ماذا يعني وقف إطلاق النار، والبدء بتنفيذ خارطة طريق قيام الدولة الفلسطينية؟
إن ذلك يعني أمرين مرتبطين ببعضهما بعضاً؛ الأول الحل السياسي، والثاني الحل الإنساني. وكلاهما يعنيان تحمل المسؤولية سياسياً ووجودياً.
حتى نتحمل جميعاً المسؤولية السياسية، فإن ذلك يلزم يقظة القلوب والعقول، والوصول الى قناعة الإيمان بالحلول.
وحتى نتحمل المسؤولية الوجودية، فلا بد من تعجيل وقف إطلاق النار، والتفاوض حول صفقة تبادل الأسرى، نتيجتها فلسطينياً، "تبييض" سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين.
أما ما يشجع على تحمل المسؤولية، فإن نتيجة أي حرب، أكانت نصراً أو هزيمة، فإنه لا بد من الاشتباك مع الواقع.
لقد كشفت الحرب النفوس وما تحمل من نوايا، خاصة نوايا كل قادر على وقف الحرب ولم يفعل، استجابة للمصالح.
مدان هو كل من كانت لديه أية قدرة، لوقف إطلاق النار، ولم يفعل ذلك. من المفارقة أنه في ظل الميل لوقف إطلاق النار، فإن تحقق ذلك على الأرض لم يتم، فزاد عدد الشهداء.
أن تسقط إسرائيل أخلاقياً، فهذا أمر أعاده العالم، الصديق والعدو، ولكن أن يعجز العالم عن لجم دولة الاحتلال في قتل المدنيين وتشريدهم، وتخريب البنية التحتية بشكل منهجي، فإن ذلك يجعل المحايدين في هذا الصراع يتساءلون، هل هذه حرب بين جيشين؟ أم حرب على الشعب الفلسطيني وممتلكاته؟ وكيف تسمح حتى الولايات المتحدة، كدولة كبرى، بأن تتجاوز إسرائيل كل الخطوط الحمراء، ضاربة بالعهود الدولية أثناء الحروب عرض الحائط؟
مرة أخرى، فإن العامل العربي قادر على فعل المزيد من التأثيرات، وكل دولة، وكل محور، يستطيع تحقيق الهدف، في ظل أن ذلك صار موقفاً عالمياً.
تأخر العالم كثيراً، وفي كل يوم تأخير كنا نعاني من نقص كل شيء. إن مشاهد النازحين، وقراءة أعدادهم، جعلت قطاع غزة في معظمه نازحاً ولاجئاً.
الآن، في ظل تضميد الجراح، فإن مجتمع النازحين بحاجة لجهد دولي وعربي يستجيب لحاجات النازحين، لوقف النزيف الحالي والمستقبل في ظل إمكانية ظهور الأمراض.
ولا بد من إنجاز ذلك في أقرب فرصة بسبب أن الشتاء دخل، ولم يعد على الأبواب.
إغاثة مليونين من المواطنين في غزة، يقتضي تقاسم المسؤولية والتعاون الوثيق، وإدارة تمويلية ناجحة على المدى القريب والمتوسط.
وقف الحرب البشعة التي لا تطاق حتى على مستوى السمع والبصر عن بعد، والبدء في تطبيب الجرحى وإيواء المشردين؛ تلك هي الأولويات، فماذا يعني وجود معظم الغزيين خارج بيوتهم، فمن بقي له بيت يمكن الرجوع إليه، فما بال من هدم بيته، في هذا العصر، الذي صار البيت هو كل شيء في حياة البشر.
أيام صعبة على البشر، وعلى الضمير الإنساني؛ فإن تأخر التدخل كثيراً، فلا يجوز أن يزداد تأخيراً. آن الأوان لعمل جسر جويّ لكن الى غزة، لنقل المساعدات الإنسانية، والبدء بتنظيم عمليات الإيواء؛ فلا يمكن أن تصمد بيوت البلاستيك المقامة على عجل في حماية النازحين.
إغاثة غزة الآن تحتاج الى قوات من جيوش عالمية، تبني بشكل مقبول البيوت المؤقتة، المزودة بالماء والكهرباء، التدفئة، تلك هي مسؤولية الدول جميعا، وتحقيق هذا الأمر ممكن، حين يتم تقاسم المسؤولية.
في المحلة الأولى، فإن الإغاثة تتطلب البيوت والمدارس المؤقتة، بعد زلازل غزة على مدار ما مرّ من أيام دامية، فالمطلوب الآن، تخطيط هذا العمل، والبحث عن المساحات اللازمة لذلك. إن المطلوب الآن البدء الفعلي في تنفيذ ذلك، وعدم جعل الغزيين يذوقون عقوبات قبل الحرب وفيها، وبعدها.
هذا ما سيمنح الأمل بالإنسانية ليس في فلسطين بل في العالم جميعه.
Ytahseen2001@yahoo.com