أسئلة مشروعة حول حرب غزة..علي الزعتري

السبت 16 ديسمبر 2023 10:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أسئلة مشروعة حول حرب غزة..علي الزعتري



قال السيد قدورة فارس و هو المسؤول الفلسطيني عن شؤون الأسرى الفلسطينيين أن الصهيونية اعتقلت منذ ٧ أكتوبر ٣٨١٠ مواطناً في فلسطين دون غزة. و العدد تجاوز ٤٠٠٠ منذ ذاك التصريح. أما في غزة فيتعذر تتبع المعلومات و قد يكون عدد الأسرى بالآلاف، كما قالَ.  الصهيونية تأسرُ الآلاف زيادةً على آلاف المعتقلين المحبوسين في السجون لديها فهي أفرجت عن القليل، بناءً على الهدنة،  و تأسر الكثير في عمليةٍ واضحةٍ لتعجيز الهدف الذي تسعى له المقاومة لأنها تحرص أن لا ينضب مخزونها من الأسرى. فما هي استراتيجية المقاومة في هذا الشأن؟ و ما هي استراتيجية السلطة الفلسطينية؟  هذا السؤال هو على خاطر المتابعين للحملات الصهيونية المسعورة، فالمقاوم في غزة يفعل الكثير لإصابة الصهيونية بمقتلٍ و لأسر جنوده لكن الصهيونية تجتازُ ساحة القتال لجمعِ العدد الأكبر من المدنيين في فلسطين لتوفير مخزونٍ تفاوضُ فيه، و بالطبع لإصابةِ الفلسطيني بمعنوياته.  رسالةَ الصهيونية هذه تقول للمقاومين مهما فعلتم فنحن نسبقكم.
هل ستبقى الحرب مشتعلةً في سجالٍ من الموتِ و الأسر أم هل هناك نهايةٌ مثل نهايةِ تحرير جنوب لبنان و سجون الصهيونية هناك؟ هل ستبقى السلطة الفلسطينية “مكتفة” الذراعين متفرجةً و الآلاف من مواطني فلسطين، زعماً تحت سلطتها، يتم قتلهم وأسرهم يومياً؟ هل هذا العدد المتعاظم الذي يزيد يومياً يدخل في حسابات المفاوضين في الدوحة مثلاً؟  هذه الأسئلة مشروعةٌ للمواطن المتابع تجول في فكره و إن كانت إجاباتها غامضةً كما هي جَليَّةً!
للحرب نهاية بدونِ شك.  ولكن السؤال هو كيف؟ أعلنت الصهيونية أنها لن تتوقف حتى تقضي، كما تتخيل، على شجرة المقاومة و جذورها. أما تجميعها لهذا العدد الكبير من الأسرى الفلسطينيين فلا يدلُ على إيمانها بتحقيق نصرٍ واستعادة أسراها لدى المقاومة أحياءً بقدر ما يشير للحقد العنصري الذي تحتويه النفسية الصهيونية ضد الفلسطيني.  إنَّ الهدفَ الصهيوني هو التدمير غير المسبوق لإمكانيات غزة، ومخيمات جنين، وبناها التحتية و الفوقية للحد الذي لا تتمكن فيه أي مقاومة من تمكين و تركين أساساتها من جديدٍ لتقاوم. هذا “النصر” بالتدمير، أو الإغراق بالماء، لا يهمه بقاء أسرى صهاينة لدى المقاومة أحياءً و أمواتاً يمكن التفاوض بشأنهم. فالصهيونية قطعت سبيل التفاوض لكي لا يكون في صالح المقاومة، وهي تفترض تحصيل الحاصل و هو “تحرير” الأسرى الصهاينة أحياءً أم أشلاءً، بل و استسلام قادة المقاومة، أو قتلهم فوراً، و باغتيالهم بعد الحرب. عندها ستُخُلِي سبيل بعض الأسرى الفلسطينيين غير المهمين من الذين اعتقلتهم بعد الحرب لتكون بذلك قد أفشلت ما أعلنته المقاومة منذ بدء الحرب عن تبييض السجون. الصهيونية لا تريد فلسطينياً حَيَّاً بأي معنىً بل تريدهُ ميتاً لكن إن عجزت عن إبادته فسترضى به مَيِّتَ إحساسٍ بالحاجة للمطالبة بحقوقه الوطنية.

ad

المقاومة لا تزالُ على قرارها في القتال لتحقيق أهدافها. و هي توقع خسائر ملموسة بالصهاينة بل و تأسر منهم جنوداً و ضباطاً في كمائن متينةَ التنفيذ مما يزيد من ضغينة الصهيونية و سعارها في الميدان ضد المدنيين والمدنية والإنسانية.  إننا لا نتخيل نصراً صهيونياً، و نبقى على إيماننا بانتصار المقاومة و انهيار الصهيونية.  لكننا نرى في السلطة الفلسطينية و الدول العربية سعياً يتبنىٰ هذا المخلوق الفلسطيني منزوع المقاومة الذي تريدهُ الصهيونية.  إنَّ سَوْقَ الأدلة على هذا لا يفيد إلا كما يفيدُ جلْدَ الذات بالسوط الملتهب بالجمر و يكفي دليلاً واحداً عليهِ أن تبقى المقاومة معزولةً عن الدعم العربي الرسمي العسكري. و في الوقت الذي لا تكتفي الصهيونية فيه بـالإمدادات الأمريكية و الأوروبية المتواصلة، فهل للمقاومة من مخزونٍ لا ينضب؟  أي مقاومةٌ بدون سلاح لا تبقى طويلاً في الميدان. و عندما لا تتحرك الرجال المسلحة الفلسطينية التابعة للسلطة لعون مواطنيها، فهل يكفي لبقاء المقاومة في غزة و فلسطين معطاءةً إشغالَ الصهيونية من جنوب لبنان و باب المندب؟  إنها من أقسى الحروب أن تحارب بلا مددٍ و عدوك يُبيدُ شعبك بمددٍ لا يتوقف.  فهل من دليلٍ أقوى من الرغبةِ الجامحة صهيونياً و بعضَ فلسطينياً و بعضَ عربياً لمحو المقاومة و غزةَ معاً و أي بقعةٍ تقاوم في فلسطين؟
خَلُّوا عنَّا الخطابات النارية و الوعودَ خاصةً تلك التي تصدر عن الأصدقاء. و لا ترمونا بالانهزامية عندما نحن في الوقتِ الذي نؤمنُ فيهِ بحتمية الانتصار إيمانَ عقيدةَ لأن مسيرةَ الظلم في الأقدار الغابرة كانت تنتهي ولو بعد حين بالهزيمة،  لكننا لا نعلم متى و كيف يأتينا النصر في هذا الواقع المخزي عربياً و سلطوياً فلسطينياً. المقاوم الذي يقاتل دون مددٍ و معونةٍ لا يقاتل طويلا.  و نود أن نثق بقدرة المقاومة على الصمود والانتصار لكنه شأنٌ عسكريٌّ فوق تقديرنا. لنا ما نراهُ من استبسالٍ و شجاعةٍ توحي بالقدرةِ للقتال الطويلِ.  و لنا الإيمان الذي يقول بإعداد القوة لكني أعود لأقول أن الكثرة تغلب الشجاعة.  الكثرة الصهيونية التي تفتح أمريكا مخازن العتاد لها  و بمقابلها لا تستطيع بلدٌ عربي أن ترسل كيس دقيق دون موافقة الصهيونية.  و الامتحان الأصعب للمقاوم أنه لا يعلم عن أهلهِ إن كانوا أحياءً أم شهداءً.
لا يكفي بتاتاً قرار الجمعية العمومية و لا تصريحات الأونروا و التظاهرات لوقف الصهيونية، و ما لم تنكسر هذه الصهيونية عسكرياً فلن يكون هناك وقفٌ للحرب على غزة و على ما بعد غزة.  و لا تصدقوا هذيان البيت الأبيض الناظر لانتخاباتٍ بعد أقل من سنة لأن مجموع الإدارات الأمريكية منذ الأربعينات كان الداعم الأساسي للصهيونية و سيستمر بقي بايدن أم جاء جمهوري.  إن كسر الصهيونية هو بيدِ المقاوم مدعوماً من فلسطينيي السلطة و العرب، إن أرادوا. و هم لا يريدون. و لكم لذلك الاستنتاج لمآل الحرب و ما بعدها.  فإن كانوا لا يهتمون بمن يقاتل فهل سيقلقون بالآلاف المعتقلين قديماً و حديثاً؟
دبلوماسي أُممي سابق
الأردن