الفلسطيني هـو من يـقـرّر..طلال عوكل

السبت 16 ديسمبر 2023 10:20 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الفلسطيني هـو من يـقـرّر..طلال عوكل



بينما يواصل جنرالات الحرب الإسرائيليون، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، محاولة رفع سقوف انهارت على رؤوسهم، بعد أن فشلوا في تحقيق أيّ هدفٍ من تلك التي أعلنوها في البداية، يحاول هؤلاء صمّ آذانهم عن التغيّرات الهائلة، التي تحدث على صفحة الرأي العام العالمي.
وبالرغم من الخسائر البشرية، والاقتصادية، والمجتمعية، الهائلة التي تتكبّدها دولة الاحتلال، إلّا أنّ استمرارها، قد تحوّل إلى أهدافٍ شخصية لـ»مجلس الحرب» الذي يدرك تماماً أنّ عمره في موقع المسؤولية هو بعمر الحرب.
يقدّم الفلسطينيون ثمناً باهظاً من أجل تحقيق هدف التحرّر من الاحتلال، لكنّ الإسرائيلي، يقدّم ثمناً باهظاً، من أجل دوام الاحتلال ومن أجل إطالة عمر دولة، قد وضعت أقدامها على حافّة الانهيار، ولذلك فإنّه لا يقيم أيّ وزنٍ أو اهتمام، للقيم الإنسانية، أو القوانين الدولية أو حتى الإدانات الواسعة من قبل الرأي العام العالمي.
اليوم هو السبعون من عمر حربٍ غير مسبوقة، لا نضيف في وصفها ما ورد على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لكن الحلف الذي احتشد أمام وخلف آلة الحرب الإسرائيلية، لم يحقّق أيّاً من أهدافه المعلنة وغير المعلنة.
لقد استهتروا جميعاً بقدرات فصائل المقاومة واستهتروا كثيراً بقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتحمُّل، فكان صمود الجميع وقوة المقاومة قد سجّل مرّة أخرى فشلاً ذريعاً للمنظومات الأمنية والاستخبارية، ليس الإسرائيلية وحسب وإنّما لكلّ أجهزة الاستخبارات «الغربية» المتواجدة في المنطقة كلّ الوقت.
فشل آخر، لا يعترف به هؤلاء، ويتعلّق بالجيش الإسرائيلي وقدراته.. هذا الفشل الذي يؤكّد انهيار منظومة الردع الإسرائيلية، وانهيار أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأسلحته التي يجري تدميرها بوسائل قتالية بسيطة.
يُثبت جيش الاحتلال أنّه جيش القوات الجوية فقط، وهي التي تحمّلت المسؤولية الأساسية في التدمير والقتل، أمّا القوات البرّية والمدرّعة فقد عرف المقاومون كيف يتعاملون معها.
أبعاد الحرب التي يديرها نتنياهو وحكومته المتطرّفة، وجنرالاته اتّضح أنّها تستهدف الحسم، بمعنى التخلّص من القضية الفلسطينية ومقاومتها وشعبها، في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، لاستكمال السيطرة على كلّ أرض فلسطين.
لهذا فإنّ مساحة الحرب، لم تقف عند حدود الانتقام من غزّة ومقاومتها إثر ما وقع في السابع من تشرين الأوّل، وإنّما اتّسعت لتشمل كلّ مدن وقرى ومخيّمات الضفة والقدس.
ووفق تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو فإنّ الحرب لا تستهدف فقط حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وإنّما تستهدف السلطة الوطنية الفلسطينية، التي لا يتوقّف نتنياهو عن إظهار عدائه لها ولرموزها.
لا يهتمّ نتنياهو وجنرالات الحرب، لنوع أو حجم الخسائر التي تتكبّدها إسرائيل ولا للأسرى مدنيين كانوا أم عسكريين الموجودين لدى المقاومة، فسلامة الرأس قبل وأهمّ من كلّ شيء.
في هذه الحرب تكبّدت إسرائيل خلال السبعين يوماً، ما لم تتكبّده من خسائر، خلال كلّ حروبها مع الجيوش العربية منذ قيامها، الأمر الذي يتسبّب في تصدّعات داخلية وخارجية عميقة، بما في ذلك علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة والحلفاء «الغربيّين».
إدارة جو بايدن، الذي يفتخر بأنّه صهيوني، قدّمت لإسرائيل كلّ ما يمكن تقديمه من دعمٍ عسكري ومادّي وسياسي، من أجل إنقاذها، ومن أجل إنقاذها جدّدت الوقت لـ «طاقم الحرب» لكي يُكمل ويُنهي مهمّاته.
بعد كلّ هذا الوقت والفشل، يبدو أنّه لم يعد أمام إدارة بايدن أيّ إمكانية لابتلاع الادّعاءات والروايات النتنياهوية، فهي، أيضاً، تدفع أثماناً بسبب شراكتها في هذه الحرب.
بايدن، أيضاً، يفكّر في مستقبله السياسي، بينما يقترب الوقت للسباق الرئاسي، وبات يُدرك أنّه يدفع من رصيده حيث تشير الاستطلاعات إلى أن شعبية «الحزب الديمقراطي» هبطت إلى ما دون 40%، ونحو 68% من المستطلعة آراؤهم يطالبون بوقف الحرب.
سمعة الإدارة الأميركية تضرّرت كثيراً على المستوى الداخلي، وسمعة الولايات المتحدة تضرّرت على المستوى الخارجي، ومن دون الحصول على أيّ مكافأة.
في سبيل إنقاذ دولة الاحتلال من نفسها، وإطالة عمرها، تعود إدارة بايدن، للتأكيد جدّياً على أن الحلّ الأفضل هو «حل الدولتين» وأنّ الحكومة المتطرّفة القائمة في إسرائيل، تشكّل خطراً على سلامة الشعب اليهودي.
كلامٌ صريح وواضح، يصدر للمرّة الأولى عن بايدن، الصهيوني، فالمسألة لا تتعلّق بالتزامات أميركا نحو إسرائيل، فهذه راسخة، وإنّما بالعلاقة مع الحكومة المتطرّفة التي يهدّد وجودها أمن وسلامة اليهود، ولذلك لا بدّ من تغييرها.
هكذا بدأ المناخ الدولي، يتغيّر لصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته في اتجاه ضرورة وقف الحرب، والبدء بمفاوضات سياسية على أساس «حل الدولتين»، الذي أصبح فوق الطاولة من قبل المجتمع الدولي بأكمله.
التناقض أصبح واضحاً بين إدارة بايدن، و»الحلف الغربي»، وبين «إدارة الحرب» الإسرائيلية، التي تحاول الالتفاف على الجميع من أجل كسب المزيد من الوقت، وذلك من خلال مطالبة مصر وقطر متابعة التوسُّط من أجل الإفراج عن عددٍ آخر من الأسرى.
في مواجهة ذلك، تشتدّ المقاومة، وتفشل إسرائيل في السيطرة على شمال القطاع، رغم مرور أكثر من شهر ونصف الشهر، وتدفع إسرائيل أثماناً إضافية، ومن موقع القوّة ترفض المقاومة أيّ هُدَن إنسانية جديدة، إلّا بعد وقف إطلاق النار بشكل شامل.
لم يعد أمام نتنياهو أيّ ذرائع، أو حِيَل يقدّمها، لإدامة الحرب، وهو يعرف أنّه بدأ يخسر الغطاء الأميركي والدولي، ولن يفيده عناده إزاء استمرار الحرب، فالقرار عند الأميركي.
الأميركي قدّم له الدعم والكثير من النصائح، من واقع تجربته في أفغانستان والعراق، وأشار عليه أن يُبدي حذراً، إزاء قتل المدنيين، لكنّ نتنياهو ماطل كثيراً ولم يغيّر سلوكه الإجرامي والانتقامي.
لا تتحمّل الولايات المتّحدة حصاراً دولياً كالذي وضعت إسرائيل نفسها فيه، ففي مجلس الأمن تقف وحدها وإلى جانبها ذيلها بريطانيا، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة يقف ضدّها مئة وثلاثة وخمسون دولة، هذا عدا عن حصار الرأي العام في أميركا وفي أوروبا.
مع سبعين يوماً تبخّرت الأهداف الكبيرة والتي تمّ تصغيرها، وبات على الولايات المتحدة أن تتعامل بواقعية مع الميدان، ومجريات الحرب، التي تؤكّد أنّ الاحتلال ينبغي أن يزول، وأنّ الشعب الفلسطيني وحده هو الذي يقرّر مصيره في اليوم التالي لوقف الحرب.