بايدن يضيق ذرعاً بنتنياهو..رجب أبو سرية

الجمعة 15 ديسمبر 2023 10:02 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بايدن يضيق ذرعاً بنتنياهو..رجب أبو سرية




فجأة بدا رئيس أقوى دولة في العالم، كما لو أنه خرج عن طوره، أو حتى كما لو أنه فقد عقله، وبعد ثلاثة أيام فقط من استخدام الولايات المتحدة لحق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الذي طالب بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مع ان ذلك وضعها في موقف صعب للغاية، حيث انفردت وحدها ضد 13 عضواً في المجلس، بمن فيهم فرنسا الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأحد أركان النظام العالمي الحالي الذي تترأسه أميركا، وحتى بريطانيا أكثر حليف أوروبي على الصعيد العالمي للولايات المتحدة، لم تكن ضد القرار، بل امتنعت عن التصويت فقط، بعد ثلاثة أيام من هذا الموقف، فجأة أطلق الرئيس جو بايدن العنان لما يمكن وصفه بإطلاق نار سياسية ضد بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية، حيث طالبه بتغيير الحكومة، وحذره من أن الشعب اليهودي يتعرض لخطر حقيقي حرفيا، أي بكل معنى الكلمة، وارجع تلك المطالبة كون الحكومة الحالية هي اكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل.
واصل بايدن سرد تفاصيل الصورة التي باتت عليها إسرائيل قائلاً، بأنها فقدت الدعم من المجتمع الدولي، وكل ذلك بسبب قصفها العشوائي في قطاع غزة الذي أدى إلى مقتل آلاف المدنيين، وجاء حديث بايدن هذا ضمن فعالية لجمع التبرعات في واشنطن من أجل حملته الانتخابية، بحيث بدا بهذا الشكل كما لو صار مرشحاً، وأنه قد خلع بزته الرسمية، فاقترب من الحديث مع الناس، الناخبين بالطبع.
أياً يكن، فإن ما قاله بايدن، يعتبر موقفاً أميركياً رسمياً، وفي غاية الأهمية، والرجل، مع تقدمه في العمر، ومع طبيعته «الباردة»، لا يعتبر رجلاً نزقاً، ولم يكن ما قاله زلة لسان، وإن عرفت عنه زلات اللسان، لكن ولأنه استرسل هذه المرة، في تبرير أو سرد الأسباب التي تدعوه لمطالبة نتنياهو بتغيير حكومته، فإن ذلك يعني تغييراً حقيقياً وإن بدا مفاجئاً، في الموقف الأميركي تجاه حكومة نتنياهو وتجاه حربها المسعورة ضد غزة، وإن كان من بعيد متوقعاً عند بعض دهاة السياسة، نظراً إلى أن البيت الأبيض ومعه بايدن، و»الخارجية» وعلى رأسها أنتوني بلينكن، الذين انحازوا ودعموا إسرائيل في حربها، كما لو كانت ولاية أميركية، كانوا يعبرون طوال الوقت، وطبعاً في الكواليس والسر، أكثر من العلن، عن اختلاف ما كان يأخذ طابع الأسئلة التي توجه لنتنياهو وأركان حكومته، دون أن يتلقوا الإجابة الواضحة، أو المقنعة.
ومنذ البداية، ورغم أن الولايات المتحدة، وعلى رأسها بايدن، اعتقدت بأن أهداف الحرب الإسرائيلية السياسية والعسكرية ليست واضحة، وان هناك شكوكاً حول نجاحها، فحذرت إسرائيل من الهجوم على غزة بروح الانتقام، إلا أن ذلك لم يمنع واشنطن من منح إسرائيل أكثر مما حلمت به، من دعم عسكري ومالي وسياسي، لكن واشنطن بالمقابل لم تحصل من نتنياهو ولا حكومته على أي شيء، بالطبع لم يحترم نتنياهو وغالانت مواقف أو آراء الأميركيين، في أكثر من أمر، فالإسرائيليون، لم يقدروا أن قدرة واشنطن على تحدي العالم، ليست بلا حدود، وأكثر من مرة طلبت واشنطن من إسرائيل أن تحرص على احترام قوانين الحرب الإنسانية، وأن تقلل من الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، ولكن إسرائيل صمت آذانها، وما زالت طوال سبعين يوماً، تقتل يومياً ما بين 300_500 مدني، بحجة أنهم نازحون أو يقيمون في مدارس ومساجد وأبراج وعمارات تحتها أنفاق، ولو كان هذا صحيحاً، فما الذي يمنع إسرائيل من تحذير الناس قبل القصف، كما كانت تفعل على الأقل في الحروب السابقة، ذلك أن 5 دقائق بين تحذير الناس وقصف الأبراج فوق الأنفاق_إن كان هذا صحيحاً_ سيجنب الناس القتل الجماعي، وسيحقق هدف ردم النفق، لكن إسرائيل تهدف إلى تهجير الناس، وترتكب المجازر من أجل هذا السبب، وهي لم تحرص على أي منطقة آمنة لهذا السبب أيضاً، وما زالت تلاحق من تبقى من شمال قطاع غزة، في مخيم جباليا، بما يؤكد ما نقول.
كذلك ومنذ بداية الحرب، اندفعت واشنطن بكل قوتها لمنع توسيع نطاق الحرب، خشية أن تشمل الشرق الأوسط كله، وحركت حاملات طائراتها لضمان إبقاء حزب الله خاصة على ما يسمى بقواعد الاشتباك مع إسرائيل، ولأكثر من سبب، أو لأن للحزب أسبابه الخاصة، لم يظهر أي نية للانخراط في الحرب مع حماس، لكن بدا أن الأمر معكوس تماماً، فإسرائيل هلي التي تسعى لتوسيع الحرب، بهدف زج الولايات المتحدة في حرب مع إيران، وهو الهدف الذي تواصل السعي له منذ سنوات طويلة، وأكثر من مرة اضطرت الولايات المتحدة لإرسال وزير دفاعها لإسرائيل من أجل الوقوف عند أهداف الحرب العسكرية، كذلك من أجل متابعة التكتيك العسكري، وإن كانت هناك خطة لإنقاذ المحتجزين، وبالطبع أرسلت وزير الخارجية عدة مرات من أجل التقليل من حدة الخلاف بين الدولتين، أو من أجل مساعدة الإسرائيليين على اتخاذ مواقف تساعد أميركا على الاستمرار في هذا الانحياز الأعمى، والذي جعل منها وحيدة في العالم في نهاية المطاف.
وقد قدمت أميركا كل الدعم الاستخبارتي لإسرائيل بما في ذلك قوات النخبة التي حاربت في العراق، وعناصر من الاستخبارات لتتبع المحتجزين، لكن الفشل العسكري الإسرائيلي كان بلا حدود، وكما كان الفشل الاستخباراتي يوم 7 أكتوبر، تواصل الفشل العسكري، في مواجهة مقاتلي «القسام» ميدانياً، كما استفادت إسرائيل كثيراً بتحذير واشنطن من أن الوقت الممنوح للعملية العسكرية ليس أشهراً بل أسابيع، قدرها المراقبون بأن تنتهي مع أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة.
واشنطن أيضاً منحت الأولوية للهدن الإنسانية بهدف إطلاق سراح المحتجزين تباعاً، وهي منذ إطلاق أول رهينتين، تقدم بايدن إلى ناخبيه بإنجاز، لكن إغلاق الباب أمام تواصل هذا المسار، مع أن أحداً من المحتجزين الأميركيين لم يطلق سراحه إبان الأسبوع الذي أطلق خلاله سراح نحو مئة مقابل نحو ثلاثمائة امرأة وطفل فلسطيني كانوا معتقلين في السجون الإسرائيلية، لكن نتنياهو قام بعد انتهاء الهدنة التي تم تمديدها مرتين، وكانت بمجموعها سبعة أيام، بسحب رئيس الموساد والوفد الأمني الإسرائيلي المفاوض من الدوحة، وذلك للعودة إلى الحرب بنفس الوتيرة وبنفس الكيفية، التي لم تحقق سوى المجازر في صفوف المدنيين، لأنه في حقيقة الأمر هذا هو الهدف الإسرائيلي الحقيقي.
ثم «حفي لسان» بايدن وهو يطالب نتنياهو بكبح جماح المستوطنين، ومواصلة الاجتياحات والقتل في الضفة الغربية، وذلك لاحتواء مخاوف الأردن من التهجير، ولتشجيع السلطة الفلسطينية، على عدم الانخراط  في الحرب والاصطفاف مع «حماس»، وذلك خلال هذه الفترة على الأقل، لكن لأن هدف اليمين المتطرف الإسرائيلي هو أكبر من نظام «حماس» في غزة، وأبعد من سحق «القسام»، لم يستجب نتنياهو.
إلى أن بلغ السيل الزبى، وعشية وصول وزير الدفاع الأميركي، وقبل يومين فقط من وصول مستشار الأمن القومي، وهو الوحيد من بين أركان النظام الأميركي الذي لم يزر إسرائيل خلال هذه الحرب، قطع نتنياهو الطريق على الأميركيين، بالجواب الصريح، الذي يحدد هدف الحرب، من خلال تقديم سيناريو ما بعدها، بإعادة أصل ما وقع في السابع من أكتوبر لأوسلو، وفي جمع الكل الفلسطيني في سلة واحدة، مؤكداً رفضه لعودة السلطة الفلسطينية_أي سلطة فلسطينية، ولا حتى  تلك المعدلة بالمعيار الأميركي، إلى إدارة غزة، قائلاً إن غزة لن تكون لا حماسستان ولا فتحستان، وقد وضح نتنياهو قبل إعلان موقفه بصراحة بأن هناك خلافاً مع بايدن، حول اليوم التالي للحرب.
أما غالانت فاستبق نظيره الأميركي برسم تكتيك عسكري يرضي واشنطن بالقول، بأن العملية الحالية ستستمر أسابيع، فيما العمليات العسكرية_يقصد الاجتياحات كما يفعل في جنين مثلا_ستمتد أشهراً، أما نتنياهو فقد عاد لما كان عليه قبل ثلاثين عاماً، حين ظهر ضد أوسلو، ووصل لمقعد رئيس الحكومة بعد اغتيال رابين، متشبثاً بمقعد الحكومة، عبر مجموعة الفاشيين المتطرفين شركاء الليكود في الحكم، الذين طالبوا علناً باستخدام القنبلة النووية ضد غزة، وقد شجعه في ذلك أن بايدن الذي وقع أسير صورة غولدا مائير إبان حرب 73، قد سار وراءه كما يسير الفيل بمقود الكلب!