في السابع من أكتوبر الماضي شعر الإسرائيليون ليس فقط بهزيمة كبيرة غير مسبوقة بل أيضاً بإهانة ستلاحقهم إلى الأبد، سيكون من الصعب التخلص منها ومن تبعاتها على كل المستويات وخاصة النفسية. وذلك بسبب العنصرية التي تسكن المجتمع الإسرائيلي والشعور بالتفوق تجاه الشعوب الأخرى وخاصة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. وقد كان التفوق العسكري والتكنولوجي يلقي بظلاله على هذا الشعور الفوقي والعنصري لدرجة أن إسرائيل شعرت بأنها عصية على الهزيمة، بل إنه لا أحد يجرؤ على التفكير في ذلك، فجاءتها الضربة القاسية من غزة ومن حيث لم تحتسب، فتحكمت بالقيادات الإسرائيلية وخاصة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشركاءه الرغبة في الانتقام على خلفية الشعور بالمهانة، وفي نفس الوقت الشعور بالذنب نتيجة الإخفاق الكبير الذي حصل في ذلك التاريخ المشؤوم بالنسبة لإسرائيل، فوضعت القيادات السياسية والأمنية هدف القضاء على حركة «حماس» كأولوية لا يوازيها أي شيء آخر، بما في ذلك مسألة الأسرى الإسرائيليين من المدنيين والجنود المحتجزين في قطاع غزة، ولكن سرعان ما تغيرت الأولويات وأصبحت قضية المحتجزين في رأس سلم الاهتمام الشعبي، ليس فقط بنظر عائلاتهم وإنما كذلك بنظر الجمهور الواسع. وأصبحت الحكومة تتحدث عن هدفين متوازيين.
الاعتقاد الذي كان سائداً لدى مجموعة نتنياهو هو أن حسم الحرب عسكرياً سيتم بسرعة، وستعلن «حماس» وزعيمها في غزة يحيى السنوار الاستسلام، وستفرج عن المحتجزين بدون مقابل، ربما للنجاة من الموت، أو بثمن زهيد تستطيع الحكومة دفعه دون أن يترك آثاراً سلبية تُذكر لدى الرأي العام الإسرائيلي. ولكن مجريات الحرب على الأرض أدت إلى شعور إسرائيلي بالعجز عن الإفراج عن الأسرى والمحتجزين من خلال القوة، بسبب عدم انهيار «حماس» بالسرعة التي اعتقدتها القيادات الإسرائيلية، فقد صمد مقاتلوها لمدة طويلة، ولم تُبدِ الحركة علامات هزيمة أو تضعضُع حتى بعد مرور أكثر من خمسين يوماً على بدء الحرب. فاضطرت إسرائيل للذهاب لعملية تبادل للأسرى تشمل المدنيين من النساء والأطفال لمدة سبعة ايام، ابتداءً من الرابع والعشرين من الشهر الماضي جرى في اطارها الإفراج عن 112 من المحتجزين الإسرائيليين وذوي الجنسيات الأجنبية، مقابل نساء وأطفال فلسطينيين معتقلين لدى إسرائيل، بواقع ثلاثة أسرى مقابل كل إسرائيلي محتجز.
بعد توقف عملية التبادل والهدنة واستئناف الحرب، كان الجمهور الإسرائيلي لا يزال يؤيد وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن المحتجزين. وفي استطلاعات الرأي التي نُشرت في يوم 1 و2 من هذا الشهر كان أكثر من 54% يؤيدون استمرار الهدنة. وفي الواقع، أضحت الحكومة الإسرائيلية في مأزق كبير، نظراً لأن أهالي الأسرى والمحتجزين والجماهير الواسعة التي تؤيدهم يشعرون أن هذه الحكومة لا تفعل كل ما يمكن من أجل الإفراج عنهم، وأن كل يوم لهم في الأسر يشكل خطراً على حياتهم، بعد الشهادات التي أدلى بها بعض المفرَج عنهم بأنهم كانوا يخشون القصف الإسرائيلي الذي كان يهدد حياتهم.
الآن هناك ضغط كبير من الشارع الإسرائيلي، ومن قطاعات مهمة من النخب الأمنية والسياسية خارج إطار الحكومة والخدمة، يؤيدون السعي للإفراج عن المحتجزين بأسرع وقت مهما كان الثمن، بعد مرور 67 يوماً على الحرب ولم تنجح إسرائيل في تحرير المحتجزين إلا من خلال التبادل، حتى لو بوقف إطلاق نار طويل، على اعتبار أن مسألة القضاء على «حماس» يمكن أن تأتي بعد ذلك. بينما ترى الحكومة أن الضغط العسكري وحده سيمنح إسرائيل فرصة أفضل في تحرير المحتجزين. وقد حاول جيش الاحتلال الوصول إلى أسير إسرائيلي لتحريره، وكانت النتيجة أن الأسير قُتل وأصيب جنديان إسرائيليان وانتهت العملية بالإخفاق، ما ساهم في تعزيز خوف أهالي المحتجزين. وعملياً تحاول الحكومة الإسرائيلية المناورة ولا تهتم بقضية الأسرى كأولوية أولى.
بالنسبة لحركة «حماس» انتهت المرحلة الأولى من صفقة التبادل بالإفراج عن النساء والأطفال من المدنيين، وبقي في الأسر رجال كبار في السن وجنود من الرجال والنساء، وهؤلاء يخضعون لشروط أخرى مختلفة. وتريد «حماس» قبل أي عملية تبادل أن توقف إسرائيل النار بشكل كامل وتام. والأهم بالنسبة للحركة استخدام ورقة الأسرى لانقاذ نفسها من الحرب المدمرة التي تهدف للقضاء على بنية «حماس» وسلطتها في غزة، وربما اغتيال قادتها السياسيين والعسكريين، كما تتوعد إسرائيل بذلك. صحيح أن هدف تحرير كافة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين يخدم حركة «حماس» في الرأي العام الفلسطيني وربما العربي والإسلامي، ولكنه لا يتقدم على هدف البقاء، أي أن هذه الورقة ثمينة جداً وربما هي الأهم التي بقيت لدى الحركة لفرض وقف إطلاق نار على إسرائيل، ومن ثم تحرير كافة الأسرى الفلسطينيين.
يتحدثون الآن من جديد عن وساطات لتبادل الأسرى، ولكن إسرائيل تراهن على تحقيق إنجازات عسكرية في وقت تدعي فيه أن هناك بوادر انهيار لدى حركة «حماس»، وخاصة في منطقة شمال قطاع غزة وفي مدينة غزة، وبالذات في جباليا والشجاعية. ويعتقد المستوى الأمني أن «حماس» ستضطر للذهاب إلى صفقة جديدة بشروط مناسبة لإسرائيل بعد أسبوع أو أسبوعين من الآن، وهذا عملياً يجعل هدف تحرير المحتجزين بعيد المنال، كما هو هدف القضاء على «حماس».