جاء طوفان الأقصى بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية حدثًا مفاجئًا صادمًا، فهي أدركت أنه حدث تأسيسي؛ أي سيكون ما بعده مختلفًا عما قبله. وبالفعل، ينطبق عليه ما يطلق عليه في التفكير الإستراتيجي والدراسات المستقبلية سيناريو البجعة السوداء، وهو السيناريو قليل الاحتمال، ولكنه إن حدث فإنه سيحدث تأثيرًا كبيرًا.
في البداية، اكتفت السلطة بإدانة استهداف المدنيين من "الجانبين"، لدرجة مررت قرار اجتماع جامعة الدول العربية الذي عقد في أعقاب السابع من أكتوبر، والذي أدان استهداف المدنيين من الجانبين، على الرغم من تحفظ عدد من البلدان العربية التي رفضت وضع عنف الجلاد والضحية على قدم المساواة.
وعندما شنت قوات الاحتلال عملية "الأسوار الحديدية" ردًا على طوفان الأقصى، التي كانت حرب إبادة وتطهيرًا عرقيًا وعقوبات جماعية واعتمدت المجازر ضد المدنيين بوصفها أسلوبًا رئيسيًا، رفضت السلطة هذا العدوان، وطالبت بوقفه. ولكن التزم قادة السلطة صمت القبور؛ إذ امتنعوا عن إصدار أي تصريحات إلا ما ندر، تنفيذًا لتعليمات أفادت مصادر موثوقة أنها صدرت من الرئيس محمود عباس بعدم التعليق أو إجراء مقابلات حول ما يجري؛ لأن القيادة لا تريد أن تدفع ثمن شيء لا توافق عليه وليست طرفًا فيه، وعندما قال عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في مقابلة على قناة الميادين، إنه يدعم المقاومة وما قامت به في طوفان الأقصى، صدر قرار من جهات عليا نشر في وكالة وفا الرسمية جاء فيه أن ما جاء على لسان زكي لا يعكس الموقف الرسمي.
واستجابة بشكل جزئي للضغوط الأميركية والإسرائيلية والأوروبية التي طالبت بإدانة طوفان الأقصى الذي شنته حركة حماس، صدر بيان رسمي باسم القيادة الفلسطينية بأن "حماس" لا تمثل الشعب الفلسطيني، ثم جرى تعديل البيان لاحقًا بشطب كلمة "حماس"، واستبداله بأن الفصائل لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد، وهذا التصريح يمكن وصف بأنه لا يرقى إلى إدانة ما قامت به "حماس"، ولكنه رفع الغطاء عنها، وهذا يعني أن السلطة تصرفت بوصفها طرفًا محايدًا ينتظر نتيجة الحرب، وكل ما يهمه أن يردد إن المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد، وكأن التمثيل يتحقق بالادعاءات وتكرار الحديث وليس بممارسة متطلبات التمثيل.
لم تكن المنظمة المجمدة والمجوفة مؤسساتها منذ سنوات، والقيادة التي لا تقود ويتحكم فيها شخص واحد بعيدًا عن المؤسسات، وفي ظل تآكل الشرعية، نتيجة فشل البرنامج السياسي، وعدم تبني برنامج آخر، وعدم الاحتكام إلى الشعب بإجراء انتخابات، وعدم الاستناد إلى توافق وطني يمكن أن يشكل نوعًا من الشرعية في فترة انتقالية .... ذات صلة بما يجري، مثلما هما في هذه الأيام، فالحدث لا علاقة لهما به، والهدنة وصفقات التبادل لم يشاركا فيها، وسيناريوهات اليوم التالي تطبخ في واشنطن وتل أبيب وعواصم عربية وأجنبية، وسط قناعات متزايدة بأن القيادة الفلسطينية بحاجة إلى تغيير، لدرجة أن هناك اقتراحات قيد التداول بتشكيل حكومة تمنح لها صلاحيات كاملة، على أن يتحول منصب الرئيس إلى منصب فخري، هذا إذا لم يقرر عباس الاستقالة أو عدم الترشح في الانتخابات القادمة، وهذا يذكر بما حصل مع ياسر عرفات، ولكن بمواصفات تناسب الوضع الخاص بالرئيس، وفي هذا السياق كرر بايدن عبارة سلطة فلسطينية متجددة، بينما تحدثت نائبته كارمالا هاريس عن تنشيط السلطة.
ويحسب للقيادة أنها رفضت استلام المقاصة بعد أن خصمت الحكومة الإسرائيلية الأموال المخصصة لقطاع غزة، وأنها أدانت وشجبت العدوان الإسرائيلي، وطالبت بوقفه فورًا، ومحاسبة إسرائيل مثلما فعلت معظم بلدان العالم.
وما زاد الطين بلة أن قناة "سي أن أن" الأميركية نقلت عن مسؤول فلسطيني كبير لم تسمه أنه قال لها إنه يجب القضاء على "حماس" قبل أن تقضي علينا، ونقلت مصادر أن هذا الموقف نفسه قيل لأنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، في زيارته الأولى إلى المنطقة.
الناطق باسم الرئاسة صمت دهرًا ونطق كفرًا
بعد ذلك، قال نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية ووزير الإعلام في السلطة، في إحدى المقابلات الإعلامية تفسيرًا لموقف السلطة الغائب والضعيف بأنها تتمسك بعبارة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وكررها مرات عدة، ثم بق البحصة في مقابلته مع قناة الحرة بقوله "لا علاقة لنا بما يجري بين "حماس" وإسرائيل"، وعندما حاولت قناة العربية إعطاءه فرصة لتوضيح موقفه أو التراجع عنه، ارتبك، وهاجم قناتي الحرة والعربية، وغادر الأستديو، واضعًا السلطة في موقف سياسي وإعلامي حرج جدًا.
وكما لوحظ في القمة العربية الإسلامية واجتماعات مجلس الأمن والمنتديات الإقليمية والدولية أن الموقف الفلسطيني انتظاري، ولم يقدم على سحب الاعتراف بدولة إسرائيل، مع أنها تشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني بهدف تصفية القضية الفلسطينية، بزعم أنها تريد القضاء على "حماس".
كما أن مضمون الموقف الفلسطيني وحدته أقل من مواقف وحدة بعض المواقف العربية والأجنبية، وخصوصًا المواقف التي أخذتها جنوب أفريقيا ودول عدة في أميركا اللاتينية، وكذلك الموقف الأردني الذي كان واضحًا وقويًا حتى أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقد في عمان بعد لقاء بلينكن بعدد من وزراء الخارجية العرب؛ حيث عارض أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، بقوة المواقف التي عبر عنها الوزير الأميركي، وانتقد على وجه الخصوص اعتبار ما تقوم به إسرائيل من عدوان، وأنه ليس من حق الاحتلال الدفاع عن نفسه، وأن ما تقوم به إسرائيل جرائم حرب، مع رفض استهداف المدنيين من الجانبين، وإدانة الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، فضلًا عن اعتبار التهجير خطًا أحمر وبمنزلة إعلان حرب.
ولوحظ أن القيادة الفلسطينية استحقت الإشادة العلنية من بلينكن على قيامها بضبط الضفة الغربية المحتلة، مع أن المطلوب منها كما قال أكثر لمنع عمليات "الإرهاب" الفلسطيني في الضفة، كما أنها لم تقم بأي لقاء أو اتصال معلن مع حركة حماس. وذكرت مصادر موثوقة أن اتصالًا جرى من نبيل أبو ردينة بإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ولم يكن موجودًا، ولم يعاود الاتصال، إضافة إلى تفكير بإرسال وفد من حركة فتح إلى الدوحة يضم محمود العالول وعزام الأحمد للقاء قادة حماس، وألغي في اللحظة الأخيرة.
كما رفض الرئيس عباس تشكيل وفد من المنظمة، تلبية لطلب من حزب الشعب والجبهة الديمقراطية وحزب فدا، وأبدى بعد إلحاح استعداده لإرسال بسام الصالحي، الأمين العام لحزب الشعب، وحده إلى قطر، لبحث الوحدة الوطنية مع "حماس"، وذلك بعد أن هدد ممثلو حزب الشعب والجبهة الديمقراطية وفدا في اللجنة التنفيذية بعقد مؤتمر صحافي يرفعون فيه الغطاء عن الموقف الرسمي؛ الأمر الذي فعلوه يوم الأحد الماضي؛ لأن ذهاب الصالحي وحده يثير السخرية من دون مشاركة "فتح"؛ حيث عقد بسام الصالحي ورمزي رباح وصالح رأفت، مؤتمرًا صحافيًا أوضحوا فيه فشلهم منذ العدوان بإقناع القيادة الفلسطينية باتخاذ سلسلة من المواقف تكون في مستوى التحديات والمخاطر، وخصوصًا بخصوص إنجاز الوحدة الوطنية؛ حيث طالبوا القيادة الفلسطينية بتجميد العلاقة مع الولايات المتحدة، وأكدوا رفضهم للتعاطي مع الرؤى والمقترحات الأميركية والبريطانية لما يسمى "اليوم التالي"، وأن مستقبل قطاع غزة لا ينفصل عن مستقبل الضفة، والتقرير بشأنه هو شأن فلسطيني داخلي.
وجاء أخيرًا القول الفصل بإبداء الرئيس ورئيس الوزراء وغيرهما من القيادة الرسمية بأن السلطة مستعدة لتأهيل نفسها، وإجراء الإصلاحات اللازمة، وإجراء الانتخابات، والعودة إلى حكم قطاع غزة بعد الحرب، ضمن تصور سياسي يقوم على حل الدولتين.
كما قدمت السلطة تصورًا حول اليوم التالي سلمته إلى الولايات المتحدة وأوروبا وعدد من الدول العربية بالمعنى نفسه، من دون أي إشارة إلى الوحدة الوطنية ودور "حماس"، ومن يقرأ الرؤية يرى إذا حذف منها الحديث عن الحرب وإعادة الإعمار لا يرى جديدًا عما تردده السلطة بشأن الحل الذي تتبناه، والذي أكده الرئيس في لقائه مع رويترز؛ حيث أكد بالتزامه بالمفاوضات والمقاومة السلمية لتحقيق حل الدولتين، من خلال عقد مؤتمر دولي، وانتقد الولايات المتحدة التي غطت الحرب الإسرائيلية، ولم توقفها، ولم تمارس الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتحويل أموال المقاصة كاملة، بينما تمارس الضغط على السلطة الفلسطينية.
لم يتوقف الرئيس عند أن خياره المعتمد لم يؤد إلى دولة، ولا إلى تحقيق أي حق من الحقوق الفلسطينية، بل إلى تهميش القضية، وتعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، وحل المجلس التشريعي، وتعطيل المجلس الوطني، وتحويل اللجنة التنفيذية إلى لجنة استشارية لا تستشار ولا يحسب لها أحد أي حساب.
وأفادت مصادر مطلعة أن لقاءات الرئيس الأخيرة مع بلينكن، وفيل جوردون، مستشار الأمن لقومي لكامالا هاريس، كانت "ساخنة"؛ حيث انتقد الرئيس الضغط الأميركي لتجديد السلطة وتنشيطها ومطالبتها بإدانة طوفان الأقصى، بينما لا تضغط على إسرائيل، مع أن الرؤية الفلسطينية المقدمة لليوم التالي، وتصريحات ومواقف الرئيس ورئيس الحكومة وعدد من المسؤولين، تستجيب إلى حد ما للمطلوب من السلطة، وهي إن لم تتراجع عن هذا الطريق قبل فوات الأوان وقبلت المطلوب منها فستتحول من سلطة تتعاون مع الاحتلال في أمور عدة وتعارضه في أمور أخرى إلى سلطة عميلة.
فالمطلوب من السلطة إسرائيليًا وأميركيًا التوقف عن تدويل القضية واللجوء إلى المحاكم الدولية، خصوصًا محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية، والتوقف عن المقاطعة والمقاومة السلمية، وإدانة وطوفان الأقصى، وإدانة المقاومة ورفع الغطاء عنها ومحاربتها، وتغيير المناهج التعليمية التي تعرض الرواية التاريخية الفلسطينية، ووقف التحريض ضد إسرائيل، ووقف صرف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء، وإذا قامت بذلك تمكن من "حكم" قطاع غزة كما "تحكم" الضفة الغربية.
وجاء الصافي على لسان محمود الهباش، مستشار الرئيس وأحد المقربين منه، حين قال في مقابلة مع موقع "تايمز أوف إسرائيل"، إن الرئيس عباس في كل لقاءاته واتصالاته التي بلغت العشرات، والتي أجراها منذ السابع من أكتوبر، أدان عمل "حماس"، ولكنه لم يفعل ذلك علنًا بسبب الحرب التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
محاولة لتفسير موقف السلطة
إذا حاولنا تفسير موقف السلطة، نجد أنها اختارت الاستمرار في إستراتيجيتها المعتمدة منذ سنوات، التي تقوم على سياسة البقاء والانتظار، والتعامل مع الأمر الواقع الذي يقيمه الاحتلال من دون الموافقة الرسمية عليه، ولكن من خلال التعاطي مع السقف الأمني والاقتصادي الذي فرضه الاحتلال للتعامل معها، وترديد المطالبة بإحياء عملية السلام، وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة، وتجنب بناء خيار جديد، والخشية من المجابهة، مع أنها كانت مفروضة على الفلسطينيين، خصوصًا في ظل أكثر حكومة متطرفة في تاريخ إسرائيل، وعدم وجود أي عملية سياسية ولا أفق سياسي، وفي ضوء استمرار الاقتحامات لمختلف المناطق، بما فيها المدن المصنفة (أ)، والاغتيالات والاعتقالات وهدم المنازل وتجريف شوارع وأحياء في المخيمات، خصوصًا في جنين ونابلس وطولكرم وأريحا، والمساس بالأقصى ومختلف المقدسات الإسلامية والمسيحية على طريق ترسيم التغيير الزماني والمكاني للأقصى، ومن ثم هدمه وبناء الهيكل بدلًا منه، إضافة إلى تصعيد العدوان بكل أشكاله، خصوصًا فيما يخص زيادة وتكثيف الاستيطان بمعدلات غير مسبوقة، والشروع في التطهير العرقي؛ حيث قامت سلطات الاحتلال بتهجير مئات العائلات، لا سيما من المناطق المصنفة (ج).
حجة القيادة الرسمية لتبرير سياستها أن المجابهة باللجوء إلى المقاومة المسلحة ستؤدي إلى خسائر فادحة وكوارث، في ظل المعطيات العربية والدولية الراهنة، مع أن دروس التاريخ الفلسطيني تدل أن كل موجة كبيرة من موجات المقاومة بكل أشكالها ترفع مكانة القضية، كما يحصل الآن؛ حيث عادت القضية الفلسطينية إلى الصدارة، ولكن الانقسام وبؤس الأداء السياسي يمنعان من استثمار هذا التطور، والمقاومة هي القادرة على وقف التوسع الاستيطاني وفتح الأفق السياسي وجعل الاحتلال يفكر مرات عدة قبل أن يواصل سياسته الرامية إلى فرض الحل الإسرائيلي. كما أن السياسة المستندة إلى المقاومة هي القادرة على إنهاء الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال والمساواة على طريق الحل الديمقراطي الجذري.
على الرغم من كل ما جرى، لم تفسر القيادة الرسمية مغزى استمرارها في التعلق بأذيال المفاوضات المتوقفة منذ سنوات طويلة، وأن سياستها لم تمنع، بل سهلت ووفرت الغطاء لسياسات وإجراءات الحكومات الإسرائيلية، التي خلقت أمرًا واقعًا احتلاليًا يجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد الممكن والمطروح عمليًا، إلى حد تولي حكومة إسرائيلية سدة الحكم وهي تطرح هدف ضم الضفة في برنامجها الائتلافي، ولا تعترف بالشعب الفلسطيني ولا بأي حق من حقوقه، وتتبنى أقسام رئيسية منها - ولا يقتصر الأمر على الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتيش، بل هناك وزراء من الليكود أيضًا - خطة الحسم، التي تقوم على أن هناك إمكانية لحسم الصراع وفق الأهداف الإسرائيلية، وتعارض ما مارسته الحكومات السابقة من إدارة أو تقليص للصراع أو محاولات لحسمه بالتدريج، وأنها قادرة على حسمه بالقوة وبسرعة.
لا يمكن إعفاء القيادة الفلسطينية من مسؤولياتها إزاء توفير الحماية للشعب الفلسطيني، وتمكينه من ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه في وجه الاعتداءات والاغتيالات التي بلغت في الضفة الغربية منذ بداية العام 2023 وحتى الآن نحو 450 (بلغ عدد الشهداء في العام 2022 (230) شهيدًا: 170 في الضفة، و54 في قطاع غزة، و6 في أراضي 48). كما لا يمكن إعفاؤها من مسؤولياتها إزاء تحقيق الوحدة الوطنية فهي لديها فرصة أخيرة تكاد تضيعها تستند إلى الوحدة الشعبية وفي الميدان في مواجهة حرب الإبادة، وهي على ما يظهر بدلًا من أن تبادر وتسهل تحقيق هذا الهدف وضعت ولا تزال تضع الشروط التعجيزية التي تجعل تحقيق الوحدة مستحيلًا، مع أن الوحدة هي الطريق الوحيد والمضمون لدحر العدوان وقطع الطريق على السيناريوهات المعادية، التي تسعى إلى تفصيل المؤسسات والقيادات الفلسطينية على مقاس الشروط والأهداف والمصالح الإسرائيلية.
يفهم المرء أهمية أن يوضع على طاولة الحوار الوطني الاتفاق على برنامج وطني، وحتى أهمية التسلح بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، أما ما لا يمكن فهمه ولم يعد ينطلي على أحد فهو الإصرار على الموافقة على الالتزامات الفلسطينية السياسية والاقتصادية والأمنية المترتبة على اتفاق أوسلو، مع أن الحكومات الإسرائيلية لم تعد تلتزم بالالتزامات الإسرائيلية منذ اغتيال رئيس الحكومة إسحاق رابين حتى الآن، وتبنت برنامج الضم والتهجير والتهويد ومصادرة الأراضي واستيطانها، وعلى الرغم من صدور قرارات بشأن إعادة النظر في العلاقات مع دولة الاحتلال من المجلسين المركزي والوطني ومن اجتماعات الأمناء العامين، والحديث المستهلك عن وقف التنسيق الأمني.
ليس المطلوب من القيادة الرسمية والسلطة الانخراط في المقاومة المسلحة لأنها غير مستعدة لها، وإنما توفير الغطاء السياسي للمقاومة، واعتبار حركتي حماس والجهاد الإسلامي جزءًا أصيلًا من الحركة الوطنية الفلسطينية التي تقاوم مقاومة مشروعة للاحتلال، والمسارعة إلى إنهاء الانقسام، وتشكيل قيادة واحدة انتقالية تعمل على تغيير السلطة لتصبح في خدمة المشروع الوطني، وتشكيل مجلس وطني جديد، والتوجه إلى إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني بأسرع وقت ممكن.
ومطلوب من القيادة أن تبادر وتقود المقاومة الشعبية التي تدعي أنها تتبناها، وأن تقوم بتوزيع عناصر الأجهزة الأمنية وتشكيل لجان الحراسة في مختلف القرى والبلدات والمواقع المهددة بالعدوان من قوات الاحتلال ومجموعات المستوطنين المسلحين، التي أطلقت يدها في عهد الحكومة الحالية أكثر بكثير من الحكومات السابقة، لدرجة أن 22 مواطنًا استشهدوا بدم بارد على أيدي هؤلاء المستوطنين.
ومطلوب من القيادة أن تكون في مقدمة المطالبين بوقف العدوان والمجازر وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية، فهل يعقل بعد أكثر من 75 ألف شهيد وجريح ومفقود ألا يزور الرئيس ورئيس الحكومة والوزراء معبر رفح، الذي زاره الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيسا وزراء إسبانيا وبلجيكا، وولي العهد الأردني، وأن تزوره وزيرة الصحة متأخرة، وأن تكون المساعدات المرسلة من الضفة إلى القطاع عن طريق السلطة بقيمة مليوني شيكل جمعتها وزارة الأوقاف!
معقول أن تكون المظاهرات في الضفة مقيدة ولا يشارك فيها سوى المئات، وفي أحسن الأحوال الآلاف، بينما تشهد عواصم عربية وأجنبية مظاهرات يشارك فيها مئات الآلاف.
قبل أن توافق السلطة في الضفة على حكم غزة بعد الحرب، عليها أن تسأل نفسها هل تحكم الضفة أم تحولت إلى وكيل أمني واقتصادي للاحتلال، ويراد منها أن تتحول إلى عميل حتى توافق واشنطن على أن تحكم غزة، هذا إذا وافقت تل أبيب على ذلك؛ حيث يرفض نتنياهو عودة السلطة إلى القطاع؛ لأنها لم تدن طوفان الأقصى، وتصرف الرواتب لأسرى الشهداء والأسرى، و"تحرض" في الإعلام ومناهج التربية والتعليم ضد إسرائيل.