يصفها البعض بأنها أحد أهم المشاريع الاستراتيجية التي مكنت المقاومة من التغلب على مشكلة صغر مساحة القطاع المزدحم بأكثر من مليوني إنسان، ويراها آخرون بأنها السلاح الذي استطاعت المقاومة من خلاله الإفلات من عيون الاحتلال والانتقال من سطح الأرض لباطنها.
وبين الأهداف العسكرية والاستخبارية واللوجستية، تظل أنفاق المقاومة، اللغز الكبير والكابوس المخيف الذي يخشاه جنود الاحتلال حين يسيرون على أرض غزة وهم يواصلون عملياتهم البرية منذ الثامن والعشرين من تشرين الثاني/ أكتوبر.
وخلال هذه الحرب، برزت الأنفاق كأحد أهم الأسلحة الاستراتيجية والهامة التي تمتلكها المقاومة لتجنب القصف الجوي والتخلص من مشكلة التفوق الاستخباري الإسرائيلي الذي يرصد كل شاردة وواردة على أرض غزة.
كما خلقت الأنفاق تواصلاً جغرافياً تحت الأرض بين شمال ووسط وجنوب غزة، بعد أن قام جيش الاحتلال بتقطيع أوصال القطاع فوق الأرض من خلال التواجد العسكري المباشر.
وتكمن خطورة الأنفاق من وجهة النظر الإسرائيلية بأنها قيدت التكنولوجيا بشكل شبه كامل، وهو ما يعني أنه يتوجب على الجندي البحث عنها بنفسه، الأمر الذي جعله عرضة لكمائن المقاومة التي فخخت بعض الأنفاق الوهمية وأسقطت عدداً من الجنود قتلى وجرحى.
هندسة الأنفاق وأنواعها..
حفر الأنفاق وبناؤها لا تبدو بالعملية السهلة أو الارتجالية، بل يسبقها إعداد مخططات هندسية يشرف عليها مختصون اكتسبوا خبرة عملية خلال العقود الماضية، يضعون نقطة لبداية النفق وأخرى لنهاية، إضافة للعمق والتفريعات والتمديدات الكهربائية وغيرها من التفصيلات المهمة.
والأنفاق عادة ليست بذات الشكل والمهمة، فبعضها يمكن أن يستخدم لمرة واحدة، وبضعها عديد الاستخدام، بعضها كمخزن للذخيرة ومنه تتم عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف، وبعضها كأماكن لاحتجاز الرهائن واختفاء المقاتلين والقادة السياسيين والعسكريين.
وتشير بعض التقديرات إلى أن أنفاق غزة يبلغ طولها حوالي 500 كيلو وبعمق يصل لحوالي 70 متراً، وهو ما يعني أنها أطول من شبكة أنفاق قطارات لندن.
فشل إسرائيلي متراكم..
حاولت دولة الاحتلال قبل الحرب البحث عن عدة حلول لكشف الأنفاق وتدميرها مستعينة بالخبرات الأمريكية، فعملت على إقامة حاجز تحت الأرض مزود بأجهزة استشعار أطلقت عليه اسم "الجدار الحديدي".
وخلال هذه الحرب كشفت دولة الاحتلال عن خطة لتدمير الأنفاق في غزة، من خلال ضخ كميات كبيرة من مياه البحر داخل الانفاق، وهي الخطة التي لاقت انتقادات حتى من قبل خبراء إسرائيليين.
ووفقاً لمسؤول عسكري إسرائيلي فإن دولة الاحتلال تلقت منذ العام 2016 أكثر من 320 مليون دولار مساعدات أمريكية لمكافحة الأنفاق ولكن دون فائدة.
خيال علمي..
ويشير هذا المسؤول الذي أدلى بتصريحاته لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن خطة ضخ المياه في الانفاق تشبه أفلام الخيال العلمي، مؤكداً على أن كلمة أنفاق لا تصف ما أنشأته حماس من مدن تحت قطاع غزة.
من ناحيته، يقول القائد السابق بجيش الاحتلال أمير أفيفي": "توجد أسفل غزة مدينة بأكملها على عمق يتراوح ما بين 40 و50 متراً، ثمة مخابئ ومقرات ومخازن وهي متصلة بأكثر من ألف موقع لإطلاق الصواريخ".
بينما يشير المحلل الأمني الإسرائيلي "أمير أرون"، إلى أن خطة إغراق الأنفاق بالمياه تواجه مشكلتين: الأولى وجود الرهائن الإسرائيليين لدى حركة حماس".
ويضيف: "أما المشكلة الأخرى فهي أن مهندسي الأنفاق وضعوا أبواباً مضادة للانفجار داخلها، وهذا يعني أنه ليس من السهل الانتقال من مكان لآخر كما هي التصاميم الداخلية في السفن والغواصات".
عمى إسرائيلي عن الأنفاق..
من ناحيته، يؤكد الخبير العسكري واصف عريقات، أن دولة الاحتلال لا تملك أية معلومات أمنية تفصيلية عن الأنفاق في غزة، رغم وجود 100 ألف جندي منتشرين في جميع القطاع ورغم الاستعانة بالخبرات الأمريكية المتطورة".
وتابع : أما بخصوص خطة إغراق الأنفاق بالمياه، فهي خطط غير قابلة للتطبيق لا من الناحية الفنية ولا من الناحية العسكرية، وهي محاولة لحرف أنظار الشارع الإسرائيلي عن الإخفاقات والضربات القوية التي تتعرض له قواته في غزة".
ويلفت عريقات النظر إلى أن جيش الاحتلال لجأ إلى الذكاء الاصطناعي لمعرفة أماكن الأنفاق واستخدم قنابل أمريكية خاصة خارقة للتحصينات تحت الأرض، كل ذلك دون فائدة.
تربة غزة الرملية..
بدوره يقول مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين عبد الرحمن التميمي، إن مخطط إغراق أنفاق غزة، سيؤدي لتلوث المياه الجوفية بالأملاح في جنوب إسرائيل وصحراء سيناء المصرية، نظراً لأن الطبيعية لا تعترف بالحدود".
وأضاف: "من الصعب ومن الناحية الفنية مِلئ الأنفاق بمياه البحر، نظراً للطبيعة الرملية للتربة التي تسمح بتسرب كميات كبيرة إلى باطن الأرض".
وبين مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين أن إغراق كل الأنفاق بالمياه يحتاج ربما لـ 15 مليون متر مكعب من المياه، ولشهر كامل من الضخ المتواصل.