مهما كانت النتائج، فقد تشكّل الانتصار..طلال عوكل

الإثنين 11 ديسمبر 2023 09:26 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مهما كانت النتائج، فقد تشكّل الانتصار..طلال عوكل



فشل مجلس الأمن الدولي، في اتخاذ قرار بوقف الحرب المجرمة على قطاع غزة، يؤكّد للمرّة الألف، أنّ مؤسّسات الأمم المتحدة، ليست أكثر من صالونات لتداول المواقف، وأنّها تفتقد القدرة والإرادة والآليات لحماية الأمن والسلام الدوليّين.
التركيبة الدوليّة، لهذه المؤسّسة، جاءت نتائج وانعكاساً، لمراكز القوة التي تبلورت ونشأت خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، وقد جرى تصميمها، وبلورت آليات عملها بما يخدم مراكز القوّة الاستعمارية القديمة والجديدة.
الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها القوّة الاقتصادية والعسكرية الأكبر على المستوى الدولي، هي من يتحكّم في أداء المؤسّسة الدوليّة، وفي تعيين أمينها العام، طالما أنّها، أيضاً، صاحبة المساهمة المالية الأكبر في موازنة الأمم المتحدة.
تاريخ هذه المؤسّسة يشهد على أنّ الولايات المتحدة هي أكثر دولة على الإطلاق استخدمت «حق الفيتو»، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بقرارات لا تتّفق ومصالحها واستراتيجياتها، ومصالح حلفائها.
باستخدامها «الفيتو» في مجلس الأمن، رغم موافقة ثلاثة عشر عضواً على وقف الحرب المجرمة في غزة، تكون الولايات المتحدة قد أكّدت أنّها هي المسؤولة عن الجرائم التي ترتكبها فرقتها المتقدّمة المعروفة باسم إسرائيل.
في واشنطن يتمّ اتخاذ القرار، والإسرائيلي ينفّذ، ومن واشنطن يتمّ تقديم الأسلحة والقذائف وأدوات القتل والتدمير.
الشواهد العملياتية على مسؤولية الولايات المتحدة عن الحرب وخلالها كثيرة، ابتداءً من المشاركة في «مجلس الحرب»، إلى إرسال حاملة الطائرات «أيزنهاور»، إلى طائرات التجسّس والخبراء.
أميركا هي التي فرضت على إسرائيل إدخال الوقود إلى القطاع، وهي التي فرضت زيادة إدخال المواد الإغاثية، وهي التي فرضت الهُدَن الإنسانية لتبادل الأسرى، وهي التي تمنح التصاريح والوقت الذي يلزم دولة الاحتلال لمتابعة حربها.
إذاً هي العدوّ الأوّل للشعب الفلسطيني كانت ولا تزال، وهي، أيضاً، العدوّ الأوّل والأساس لكلّ شعوب الأرض المستضعفة وغير المستضعفة، وهي التي بنت إمبراطوريتها الشرّيرة، من خلال نهب خيرات الشعوب.
ليس هذا اكتشافاً، أعلم ويعلم الكلّ ذلك، ولكن ما لا نجد له تفسيراً منطقياً هو: لماذا تواصل الأنظمة السياسية الوطنية، الخضوع والارتهان وقبول المذلّة لشعوبها، بينما تتوفّر لديها خيارات التمرّد حماية لمصالحها وثرواتها؟
حين يستخدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، المادة التاسعة والتسعين في ميثاق الأمم المتحدة، لتحذير مجلس الأمن بضرورة التدخُّل لوقف الحرب المجرمة، يكون قد أدرك أنّ الأمور بلغت حدّاً يُنذر بالخطر على الأمن والسلم الدوليّين.
يقول غوتيريس: إن ما يحدث في غزة، مدمّر على أمن المنطقة برمّتها، وهناك خطر حدوث مجاعة، بينما يؤكّد جوزيف بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أيضاً، أنّ دمار غزة يتجاوز تدمير المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية.
تدرك الإدارة الأميركية مدى خطورة الأوضاع، ولكنها لا تخجل حين يتعلّق الأمر بمصالحها وأهدافها، من خلف استمرار الحرب، ويكون تبريرها القبيح أنّ وقف الحرب يزرع بذور حرب جديدة.
هكذا تعتقد إدارة جو بايدن، أنّ هذه الحرب ينبغي أن تؤديّ إلى سحق الخطر الذي يشكّله قطاع غزة، والمقاومة الفلسطينية، وأنّ إسرائيل ستكون في مأمن، بعد أن يتحقّق هذا الهدف.
في الواقع ثمّة مجاعة في قطاع غزة، وثمّة دمار هائل، وثمّة عمليات إذلال متعمّد، وعمليات انتقام، لا تنفع لإخفائها كلّ الادعاءات والأكاذيب التي تصدر عن مسؤولين أميركيين بشأن المساعدات، وبشأن تجنُّب استهداف المدنيّين الذين يُقتلون بالجملة.
في غزّة لا توجد «مناطق آمنة»، ولا يوجد طعام، ولا ماء صالح للشرب، ولا يوجد وقود، ولا مستشفيات قادرة على تقديم الخدمة، ولا توجد آليات لدى «الدفاع المدني»، وتنتشر الأوبئة، فالهواء ملوّث، والتربة والمياه.
ولكن يوجد شعب مصمّم على الصمود، ومصمّم على تحقيق أهدافه التحرُّرية، وهو قادر على بناء الحياة مرّة أخرى. في هذه الحرب ثمّة عملية تكيف هائلة، وقدرات إبداعية على تجاوز صعوبات الحياة والبقاء. إذا كانت الولايات المتحدة وكتيبتها المتقدّمة إسرائيل، تحاول أن تتخلّص من التهديد الذي تشكّله المقاومة في غزة، فأين يذهب هؤلاء من شعبٍ يتجاوز عدد الأربعة عشر مليون إنسان؟
الدمار هائل في قطاع غزة، ولا يبقي بيتاً أو مأوى، أو مدرسة أو روضة أطفال، أو مستشفى أو منشأة اجتماعية أو خدمية، وكلّ ذلك أصبح في متناول مشاهدة العالم كلّه، ولكن ماذا عن إسرائيل، وماذا عن الأضرار الهائلة التي تلحق بالدولة الأعظم وحلفائها المنخرطين في الحرب؟
يعترف الأميركيون أنّ صورة أميركا، تضرّرت كثيراً على المستوى الخارجي، وأنّ إدارتها تضرّرت صورتها، وشعبيّتها على المستوى الداخلي، وهي مؤشّرات على استمرار آليات تغيير النظام العالمي، وعلى تراجع مستمرّ لعوامل وعناصر قوّة الدولة الأعظم، التي انهارت منظوماتها، القيمية، وظهرت على حقيقتها دولة استعمارية تمارس أبشع أنواع الاستغلال.
وماذا عن إسرائيل، التي كانت قبل الحرب تعاني من أزمة وجودية تشكّل خطراً استراتيجياً على بقائها باعتراف الأميركيين وكثير من الإسرائيليين؟
نعم، الكلّ موحّد في إسرائيل خلف «قيادة الحرب»، التي تديرها عصابة من المتطرّفين الذين ينتظرهم إعدام سياسي وشعبي بمجرّد أن تتوقف الحرب، ولكن وقبل أن ينبلج ضوء النهار، سيتّضح أنّ أزمة هذه الدولة مرشحة للتعمق.
حتى الآن تعترف المصادر الإسرائيلية بأنّ نصف مليون يهودي غادروا إسرائيل، والأرجح أنّ هذا النزيف سيتزايد ويستمر، فقد أشبعتهم الدعاية الصهيونية آمالاً بأنّهم سيعيشون في حياة رغيدة آمنة، فإذا بها جهنّم أين منها كلّ المخاوف التي عاشوها قبل الهجرة.
عبثاً تحاول الولايات المتحدة إنقاذ حليفتها حتى لو أفرغت خزائنها لإنقاذها، على الفلسطيني أن يفتخر وأن يرفع الرأس عالياً لأنّه يخوض حرباً في مواجهة حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، وهو قادر على إلحاق الهزيمة بهذا الحلف.
سأفترض أنّ هذا الحلف، نجح في القضاء على المقاومة مع أنّ هذه الفرضية غير واقعية حتى باعترافات الإسرائيليين، فهل سيكون ذلك مشهداً انتصاريّاً أم أنّ المشهد الانتصاري قد تحقّق للشعب الفلسطيني، حين على الأقل فرض على المجتمع الدولي، العمل جدّياً لإقامة الدولة الفلسطينية باعتبارها الطريقة الوحيدة لإطالة عمر إسرائيل؟.