الفلسطينيون يريدون السلام وليس «عملية سلام»..محمد ياغي

الجمعة 01 ديسمبر 2023 11:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT




في شهر حزيران من العام ٢٠٠٢ ألقى الرئيس بوش خطاباً من حديقة البيت الأبيض قال فيه إن السلام غير ممكن مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وإن عليه «أن يرحل» حتى يصبح السلام ممكناً.
بعد ذلك تشكلت الرباعية الدولية المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي أخذت على عاتقها «بناء مؤسسات للسلطة الفلسطينية» حتى تصبح «قادرة» على إدارة «الدولة الفلسطينية الموعودة».
الرباعية طالبت باستحداث منصب رئيس للوزراء ونقل الصلاحيات الأمنية والمالية له، ولاحقاً لذلك أعلنت خارطة طريق للوصول الى «مفاوضات تؤدي للسلام».
السلطة الفلسطينية فعلت ما طلبت منها الرباعية الدولية. استحدثت منصب رئيس للوزراء، وأعادت تشكيل أجهزة الأمن الفلسطينية، ونفذت ما عليها من التزامات في خارطة الطريق.
لكن ما الذي حدث؟
قامت إسرائيل ببناء جدار فصل عنصري حرم الفلسطينيين في الضفة من الوصول الى القدس الشرقية وأخرج جزءاً كبيراً من سكان القدس الفلسطينيين الى خارج الجدار وضم عدداً كبيراً من المستوطنات الى داخل الجدار. في المحصلة، الجدار صادر ما مساحته 13.5% من مساحة الضفة الغربية، عدا عن محاصرة العشرات من القرى والبلدات الفلسطينية.
بالإضافة لذلك، منذ أعلنت الرباعية عن خطتها، قامت إسرائيل   ببناء العشرات من المستوطنات وهدم أكثر من خمسة آلاف بيت فلسطيني في الضفة بحجة عدم وجود ترخيص، وقامت بقتل أكثر من ثمانية آلاف فلسطيني حتى شهر أيلول الماضي (قبل المذبحة الأخيرة في غزة والضفة) على الرغم من قيام السلطة بالحفاظ على تعهداتها في خارطة الطريق بما في ذلك التنسيق الأمني مع إسرائيل.
ما الذي حصلت عليه السلطة والشعب الفلسطيني في المقابل؟
لا شيء غير القتل والمزيد من بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي.
اليوم يجري الحديث عن إطلاق «عملية سلام» مضافا لها كلمة «جادة»، أو «عملية سلام» مضافاً لها كلمات «تؤدي الى حل عادل ومستدام». هذا هُراء ولا يوصل الفلسطينيين الى السلام والى الحصول على حقوقهم. إنه عودة لما جربه الفلسطينيون سابقاً.
يقول البيرت آينشتاين «الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرة تلو الأخرى وتتوقع نتيجة مختلفة».
الفلسطينيون ليسوا بهذا الغباء ليقبلوا بالعودة الى عملية سلام كل ما ستفعله هو إعطاء إسرائيل الوقت لترميم سمعتها وعلاقاتها الدولية، والأهم إعطاؤها الفرصة لأن تفعل ما تعرف ان تفعله أكثر وهو مصادرة أراضي الفلسطينيين وهدم بيوتهم وقتل أبنائهم بحجة الحفاظ على أمنها.
في مقابل ما يتم طرحه عليهم من الأميركيين والأوروبيين، على الفلسطينيين أن يطرحوا شروطهم لأي عودة للمفاوضات مع إسرائيل. المفاوضات هي شر لا بد منه في نهاية المطاف، لكن متى يمكن الجلوس من أجل التفاوض وعلى ماذا يتم التفاوض هما ما يمكن أن يوصل الفلسطينيين لحقوقهم.
لا يجب الدخول في أية مفاوضات قبل تحقق الشروط التالية:
أولا: أن تعترف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية على حدود خطوط الهدنة ما قبل الرابع من حزيران العام ١٩٦٧. لا يكفي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل يجب الاعتراف بحدودها.
ثانيا: أن تعلن إسرائيل استعدادها للانسحاب الكامل الى تلك الحدود، وأن تعترف بالدولة الفلسطينية على الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة. خلاف ذلك هو مضيعة للوقت وإهدار للدماء الفلسطينية التي نزفت وتنزف كالشلال في معركة الحرية والاستقلال التي تحمل اسم طوفان الأقصى. المفاوضات على حدود الدولة هي عودة لا معنى لها لما تم تجريبه سابقا وهي تعني الاستعداد للتفاوض على مستقبل مدينة القدس الشرقية التي تحمل المعركة اسمها.
ثالثاً: أن تُعلن إسرائيل قبولها التفاوض برعاية الأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة التي أثبتت خلال ستة عقود انحيازها الكامل لإسرائيل وقبولها فقط ما تقبل به إسرائيل.
رابعاً: أن ترفع إسرائيل حصارها عن قطاع غزة. إذ لا يمكن العودة لأي مفاوضات طالما وُجِد جندي واحد في غزة وطالما استمر حصار غزة لأن هذا يثبت أن لا نية صادقة لدى إسرائيل لإنهاء الصراع.
خامساً: أن تقبل إسرائيل بجدول زمني لا يزيد على ثلاث سنوات لإنهاء المفاوضات وهي فترة أكثر من كافية لإنهاء اية مفاوضات مهما كانت ملفات التفاوض معقدة.
سادساً: أن تقبل إسرائيل بآلية مُلزمة للتحكيم في حال عدم الاتفاق وهذا يُغلِق إحدى الثغرات الكبيرة التي حصلت عندما تم التفاوض على اتفاقيات أوسلو.
سابعاً: أن تمتنع إسرائيل عن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع القائم منها خلال المفاوضات، وهذا يُغلق ثغرة ثانية تركتها اتفاقيات أوسلو مفتوحة.
ثامناً: أن تمتنع إسرائيل عن دخول مناطق السلطة الفلسطينية وأن تتوقف عن أعمال هدم البيوت، والقتل والاعتقال.  
بخلاف ذلك لا يجب قبول أية مفاوضات مع إسرائيل، لأن قبولها سينقذ الإسرائيليين والأميركيين من ورطتهم ومن عزلتهم، وسيتم إعطاؤهم الفرصة والوقت للتحايل على حقوق الشعب الفلسطيني، وللعودة الى الحديث عن «عملية سلام» فارغة لا توصل الى السلام مثلما فعلوا حتى الآن.
لكن على ماذا يتم التفاوض؟
لا يجب القبول بوضع قضايا على جدول أعمال المفاوضات تُعتبر حقوق سيادية للدولة الفلسطينية، بما فيه المعابر والاقتصاد وكيفية إدارة الفلسطينيين لحياتهم واختيارهم لقادتهم وطبيعة نظامهم السياسي. إعطاء إسرائيل وراعيتها أميركا الحق في جعل أي من هذه القضايا موضوعاً خاضعاً للمفاوضات، فيه انتقاص صريح لحقوق الفلسطينيين وهو يعطي مؤشرا لنتائج المفاوضات قبل حصولها.
القضايا الوحيدة التي يجب التفاوض عليها هي مستقبل المستوطنات الموجودة في الضفة بما فيها القدس، حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وما يتعلق بأمن إسرائيل.    
القدس الشرقية وحدود الدولة الفلسطينية لا يجب بأي حال أن تكون خاضعة للمفاوضات، لأن قبول ذلك يعني الاستعداد للتنازل عن أراض جديدة لإسرائيل في الوقت الذي تنازل فيه الفلسطينيون لهم عن 78% من أرضهم التاريخية.
الآن سيقول البعض بأن شروطاً كهذه تعني بأن الفلسطينيين قد انتصروا في صراعهم مع إسرائيل في الوقت الذي توجد فيه إسرائيل في شمال غزة، وتهدد بالتوجه لجنوبها، وان لديها إجماعاً داخلياً على الحرب، وان الولايات المتحدة تقف الى جانبها، وان الأميركيين والأوروبيين يريدون تدمير «المقاومة» قبل المفاوضات، وان العرب في حالة ضعف ولا يستطيعون «إدخال كيس طحين واحد» لغزة من دون موافقة إسرائيل.
هذا كلام يفتقد لفهم واقع ما بعد ٧ أكتوبر.
الواقع الجديد يقول بأن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، وحتى إذا استمرت في الحرب فإنها لن تنجح بتحقيقها.
وهو يقول بأن إسرائيل قد فقدت قوة ردعها ولا يمكنها استعادتها أيا كان العدد الذي قتلته أو ستقتله من المدنيين الفلسطينيين، لأن العالم جميعه شاهد كيف فقدت دولة الاحتلال السيطرة على أمنها ومدى حاجتها للولايات المتحدة لحمايتهما وإعادة التوازن لها.
والواقع يقول إن مخاطر امتداد وتوسع هذه الحرب لا يزال قائماً، وأن توسعها ليس في صالح إسرائيل ولا في صالح الولايات المتحدة. وأن العالم سَئِمَ من إسرائيل ومن تصرفاتها كدولة مارقة لا تحترم القانون الدولي أو الإنساني.
والواقع يقول إنه ورغم الاجماع الإسرائيلي على الحرب، فإن هذا الاجماع سيتم كسره إذا ما استمرت المقاومة والشعب الفلسطيني وحلفائهم في الصمود، وان اللحظة التي ستصل فيها إسرائيل الى قناعة بأن هذا الصراع لا يمكن حسمه بالإرهاب الذي تمارسه تقترب.
المقاومة ستصمد، لا يوجد أدنى شك في ذلك، وهي ستحرم إسرائيل من تحقيق أهدافها. لكن عندما نصل لتلك اللحظة علينا أيضا ان نكون جاهزين لحرمان إسرائيل من تحقيق أية مكاسب سياسية لم تتمكن من تحقيقها خلال الحرب، وهو ما يفرض أن تكون شروط الفلسطينيين للتفاوض جاهزة منذ الآن.
الحديث عن استسلام المقاومة أو عن استعدادها لمغادرة غزة هو كلام فارغ، ويجب البناء على حقيقة أن هذه معركة مصيرية للاحتلال وللشعب الفلسطيني، ولا يجب أن يخسر فيها هذا الشعب العظيم الذي قدم كل ما لديه من أجلها.