كان يمكن لـ"حسين البرغوثي" أن يكتب كتابا مدهشا آخر، حول غزة هذه المرة، أن يحمل ضوءه الأزرق ويضيء على جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون ورفح وخان يونس ودير البلح، وأن يتجاوز ركام البنايات والبيوت والشوارع، ليكشف الطريق للذين يحفرون الحطام بأيديهم، ويحدقون في الفجوات التي تركها الإسمنت وقضبان الحديد الممزقة مثل كهوف صغيرة معتمة حيث بقي أطفالهم.
كان يمكن لـ"أمجد ناصر" أن يكتب قصيدة متفردة لم يكتبها أحد من قبله مثل "وصول الغرباء"، وأن يتصل بي متأخرا ليسألني عن اسم الفتى الجزائري الذي استشهد في "قلعة الشقيف"، أو اسم صالون الحلاق الأرمني الذي واصل القيام بالعمل الوحيد الذي يجيده خلال شهور الحصار في بيروت، أن يذكرني بليلة القصف الطويل التي تتبعتنا من حي "المزرعة" إلى محلة "أبو شاكر" مترا .. مترا.
كان يمكن لـ"زكريا محمد" أن يكتب على صفحته فكرة جديدة صادمة يشوبها الغضب، فكرة لا تشبه السائد والمتداول في غرف الأخبار ولا تشبه أفكار المختصين في الفضائيات، وأن يذهب أبعد في فكرته كما يفعل دائما، كأن يستيقظ فجأة في الليل ليقول شيئا وجده في أحلامه.
كان يمكن لـ"عناية جابر" أن تبعث رسالة قصيرة بصوتها، رسالة من كلمة واحدة، كلمة قلقة ولكنها مشفوعة بالأمل، وأن تصمت طويلا قبل أن تكرر تلك الكلمة بنبرة أعمق وكأنها تتدارك قلقها.
كان يمكن لـ"ريم بنا" أن تمنحنا أغنية تمس قلوبنا المتعبة وتمنحنا الأمل في هذه الأيام الصعبة.
كان يمكن لهم أن يفعلوا ذلك لو كانوا هنا.
لا أستطيع تفادي سؤال "لو كانوا هنا" وأنا أتتبع مثل مسرنم ما يحدث في غزة، وما يحدث في الضفة.
كأن أخبرهم: ليس سهلا، كما تعرفون، مقاومة الاحتلال، ليس سهلا قتال الفاشية.
ولكننا نفعل ذلك.
ما زلنا نفعل ذلك.