سألتني زميلتي المتمرسة بأعمال الأمم المتحدة من موقعٍ متقدمٍ عن الحل لما بعد غزة. قالت مُستهجنةً حتى قبل أن تسمع ردِّي أن المفهومَ عند الأمم المتحدة أن “إسرائيل” تريدُ أرضاً خاليةً من الناس هناك و أن الأمم المتحدة لن تكون طرفاً في هذا. قلتُ لها أن هذا الحل غير مقبول لدى مصر والأردن و الفلسطينيين من قبلهما. قالت هل حل الدولتين هو الحل؟ أم هي دولةٌ واحدة؟ أسئلةٌ افترضت ضمناً زوالَ المقاومة و أن الدولة هي “إسرائيل”. هكذا هو التفكير السائد.
قلتُ مُجيباً أن الحلَّ هو فعلاً في دولةٍ واحدة و في زوالِ “إسرائيل” نتيجةً لا جدال فيها. دولةٌ فلسطينيةٌ يحكمها أهلها. قالت لن يرضى العالم! أجبتُ أنه الحل الوحيد النافع، فما هو هذا العالم الذي يرضى ببقاء نظامٍ عنصري متوحش؟ فليذهب اليهود لفلوريدا و ليتركوا أرضنا. أما إن بقيت فالمقاومة فلا تزول لأن مع كل شهيدٍ تغيبُ شمسه يبزغُ عشرين مقاوماً ضد الصهيونية و لو لم تختفِ “إسرائيل” الآن فستختفي لا محالة بوجه هذا الرفض العارم. قالت أن الأحداث الحالية ستنتهي يوماً ما، في إيحاءٍ أن “إسرائيل” باقية و أن بقاء المقاومة أمرٌ فيهِ شك. قلتُ لها أن شيئاً ما سيحدث. شيئٌ ثقيلٌ حاسمٌ سيقلب المنطقة. لم يعد أحدٌ قادرٌ أن يقبل الصهيونية، فإمَّا نحنُ و إمَّا هم. قلتُ قولي و أنا مُثقلٌ بكل مشاعر اليأس و الخزي من هوان العروبة و مُتمسكٌ بالأمل بالله و النصر.
تستغربُ زميلتي من موقفي المُعلن و الذي يتجاوز الحديث المفترض لمسؤولٍ أممي سابق كان في موقعٍ متقدم يزِنُ الكلمة. لكنها الحقيقة، قلتْ. بُنيتْ “إسرائيل” على كذبة و على سرقة. و حان الوقت منذ زمن لمحو هذا الظلم.
ad
مثل زميلتي، هذا لا يقبله عقلُ الكثير بل الأغلبية حتى العرب. منذ نهايات القرن التاسع عشر كان الهدف اليهودي الإستعماري هو خلق “إسرائيل” و في ١٩٤٧ تحقق الهدف. هدفنا نحن في ٢٠٢٣ هو إزالةَ “إسرائيل”. و كما هم تسلَّحوا بمزيجٍ من الدهاء السياسي و الإرهاب و شراء المواقف فلنفعل ذلك. قبل شهورٍ كتبتُ مقالةً عنوانها “أعيرونا سكوتكم” رجوتُ فيها المقاوم أن يعملَ بصمت. هوجمت المقالة هجوماٍ لاذعاٍ. واليوم أقول “أعيرونا سكوتكم” و عودوا لعالم ما تحت الغطاء. بعد اليوم كل الأعين على المقاوم فهو إما مقتول أو مأسور و خيرٌ له أن يعمل بالكتمان و بفاعلية من أن يعمل علناً.
هذه ليست دعوةً للانفجار بكل شيئٍ كما في الستينات و السبعينات لأن العالم اليوم يتعاطف مع الفلسطينيين ضد الصهيوني. حتى أن دولةَ بيليز الصغيرة جداً بأمريكا الجنوبية قطعت يوم أمس علاقتها “بإسرائيل” غضباً وهي كما تعلمون تعتمد على الحماية الأمريكية لكن فاشية و نازية و همجية الصهيوني لم تعد خافية و لا محتملة حتى في الدول المُستظِلَّة بأمريكا. لا نريد لهذا التعاطف أن يستدير ضد الفلسطيني الذي عليه كمقاوم أن يستخدم وسائل مقاومة معاضدة و نافذة متوفرة و منها أساليب التواصل و الذكاء الصناعي و الإعلام الابتكاري و البناء الأكاديمي داخل الجامعات والمؤسسات البحثية لمصلحة القضية. كما يجب تجاوز شلل المنظومة العربية و من المؤسف أن التعويل على السلطة الفلسطينية لفعل هذا هو في غير مكانهِ ما لم تتبدل وهي معضلةٌ للمقاومة التي لا تجدَ في العرب ناصراً. أما الجهد العسكري فإنهُ إن أُصيبَ في غزة فيجب عليه إن ينهض بباقي فلسطين التي يجب أن تشهدَ بالتوازي مقاطعةً للمتعاونين مع الصهيونية الذين هم جنودٌ مثل بعض الدروز والبدو و في قِلَّةٍ من القُرى و هؤلاء لا يخفون على مواطن فهم عناصر في جيشها و متعاملين معها علناً. إن المطلوب من قيادة المقاومة تقييماً واقعياً للمرحلة القادمة في نوعية و مجالات عملها المقاوم. هي أدرى منا بما تحتاجه لكن عليها أن تعلم أن الهدف الشعبي هو زوال “إسرائيل” لا المفاوضة كيف نبقى.
دبلوماسي أُممي سابق