إسرائيل ستوقف الحرب من جانب واحد..رجب أبو سرية

الجمعة 17 نوفمبر 2023 06:10 م / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل ستوقف الحرب من جانب واحد..رجب أبو سرية



2023-11-17

المرجح بعد أن حققت إسرائيل انتقاماً وحشياً من قطاع غزة، فإن ما يعنيها شيء وحيد، وهو أن تنتهي من ملف أسراها لدى حماس، ومن ثم تغلق ليس ذلك الملف وحسب، بل وستغلق ملف غزة بأكمله من جانب واحد، ودون أي اتفاق أمني أو سياسي، وستفعل ذلك حين يقع عليها ضغط متعدد الجهات، أي ذاك الناجم عن الرفض الشعبي الإقليمي والدولي، والذي يحدث تأثيراً في المواقف السياسية الرسمية، خاصة لدى الإدارة الأميركية، وذاك الناجم عن عدم تحقيق شيء يذكر ميدانياً، مع مواصلة وقوع الخسائر البشرية في جنودها، وكذلك الخسائر العسكرية في مدرعاتها وآلياتها المختلفة.
ولأن إسرائيل ستكمل - على الأرجح - الخطوة الناقصة التي أقدم عليها أرئيل شارون قبل نحو عقدين من الزمان، أي الانسحاب الأمني من جانب واحد، مع بقاء السيطرة الخارجية، وحالة أو وضعية الاحتلال الملزم رسمياً بتشغيل عمال وتزويد القطاع باحتياجاته الغذائية والطبية، وكذلك تزويده بالكهرباء والماء وما إلى ذلك، خطوة شارون كانت تهدف إلى فصل غزة عن الضفة الفلسطينية أمنياً، لكنها ورغم تشجيع إسرائيل فيما بعد على الانقسام، إلا أنها لم تقدم، أو أنها لم تدفع الأمور نحو فصل غزة عن الضفة سياسياً، ربما لأنها أرادت أن تظل تثقل كاهل السلطة مالياً، لكن اليوم الأمر يبدو قد اختلف لدرجة أن إسرائيل وفي ظل الحديث عن تعدد السيناريوهات بعد أن تنتهي من حربها على غزة، ومن هذه السيناريوهات ما ترفضه هي بالطبع، ومنها ما تفضله لكن يرفضه الآخرون، الفلسطينيون والمصريون والأردنيون، ومنها ما يبدو صعب التنفيذ أو غير مضمون النتائج.
ورغم أن الصورة ما زالت غير واضحة داخل إسرائيل نفسها، أي أنها وبسبب من أنها فوجئت بحرب لم تقم هي باختيار توقيتها، ولا طبيعتها، ولأنها أيضاً ظلت في حالة صدمة استمرت طويلاً، فإن هدف الحرب لم يكن واضحاً لا من الناحية العسكرية ولا السياسية، لحظة إطلاقها، ولا حتى خلال الأسابيع الأولى منها، لكن مع مرور الوقت، ومع التأكيد من قبل إسرائيل وأميركا، وحتى من غيرهما أن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه قبل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن تعدد السيناريوهات يعني بكل بساطة أن سيناريو آخر لم يجرِ الحديث عنه، قد يكون هو المفضل لدى إسرائيل.
بنيامين نتنياهو أعلن خلال الحرب أن إسرائيل ستتولى المسؤولية الأمنية، أي ستعامل غزة كما تتعامل مع المناطق ج في الضفة الفلسطينية، لكن ليس بالضرورة بالإبقاء على قواتها وحواجزها على الأرض، لأن من شأن ذلك أن يعرضها لحرب عصابات من قبل المقاومة التي لن تنجح الحرب في سحقها، حتى لو نجحت في "تنظيف" شمال غزة، منها، حيث بات واضحاً أن إسرائيل لن يكون بمقدورها أن تذهب أكثر من دخول مدينة غزة، بعد أن دمرت مناطق الشمال، وليس أكثر من "تنظيف" مربع المستشفيات وسط مدينة غزة، الذي تدعي أن قيادة المقاومة تقبع في الأنفاق تحت أرضه.
أيام إذاً وتكون إسرائيل قد اكتفت من حربها بهذا القدر، وذلك ترافقاً مع الحالة الضاغطة من حولها، والضاغطة أيضاً على الإدارة الأميركية لوقف الحرب، وإن كان بالتدريج، أي عبر الهدن المتتابعة، وإدخال المساعدات، حيث يمكن مع هذه الحالة، أن تعيش المقاومة سنين طويلة، وليس مجرد أشهر أو أسابيع، ولأنه من الصعب للغاية أن تذهب إسرائيل لجنوب قطاع غزة، بعد مربع المشافي، كذلك يستحيل عليها البقاء، فإنها لا تفضل الدخول في مفاوضات حول مستقبل الحكم في غزة، لأن ذلك سيعني جرها إلى حل الدولتين، وإلى حديث الانسحاب من الضفة الفلسطينية.
كانت إسرائيل بالطبع، تمني النفس بأن تحقق نتائج أفضل، تتمثل منذ البداية بموافقة مصر على فتح معبر رفح أمام مواطني غزة، بحيث يصبح القطاع فارغاً من السكان، وحينها كانت ستقوم بتدمير كل ما هو فوق الأرض، لتدفن المقاومة حية تحتها، دون أي غضب شعبي عالمي ناجم عن المذابح، ودون أي خسائر بشرية وحتى عسكرية في صفوفها، لكن وحيث جرت الأمور هكذا، فإنها بعد أن تستنفد كل الفرصة التي أتيحت لها بشن الحرب الوحشية على غزة، ستوقف القتال من جانب واحد، وستسحب قواتها من القطاع، وأبعد ما ستقوم به على صعيد السيطرة الأمنية التي قال بها نتنياهو، هو أن تدفع بقواتها للتوغل في أي وقت ومن ثم تخرج، أو أن تسمح لطائراتها بالقصف والإغارة على أي هدف وفي أي وقت تشاء، تماماً كما تفعل في سورية، وفي جنين ونابلس.
لكن الأهم هو أنها لن تعود للسيطرة على معبر رفح، بل ستجر مصر، إلى أن تواجه مشكلة غزة بنفسها وربما وحدها، وذلك من خلال التحلل من المسؤولية تجاه غزة، باعتبارها قوة احتلال، ستقوم إسرائيل كما اقترح الوزير الصامت في حكومتها، نقصد آرييه درعي بإغلاق كل المعابر التي تربطها هي بغزة، أي المعابر الاقتصادية: صوفة، كارني، كرم أبو سالم، ناحال عوز/الشجاعية، كيسوفيم/ القرارة وإيريز.
وهكذا تقطع أي صلة تربطها بقطاع غزة، فيما يصبح القطاع أمام خيارات خاصة به، فإما أن يبقى هكذا تحت سلطة حماس، أي دون اعتراف دولي، وفي هذه الحالة، فإن شقة الخلاف الداخلي ستتعمق، حيث إن السلطة قد تراجع موقفها الخاص بتضمين ميزانيتها فاتورة غزة، من مرتبات ومصاريف كهرباء ودواء وخدمات عامة، أما حماس فإنه لن يكون بمقدورها لا من الناحية السياسية ولا المالية أن تتحمل مسؤولية غزة، رغم وجود الغاز الطبيعي في حقل مارينا غزة، لأن استخراجه أولاً سيضعها في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، ثم إن حماس لن تقدم على إعلان غزة دولة مستقلة، وهكذا فإن إنهاء الانقسام فقط، وشراكة فتح وحماس، هي التي يمكنها أن تدير شؤون الحكم في غزة، وفق صيغة قريبة من صيغة حزب الله مع الدولة اللبنانية، وهنا يمكن اعتبار إعلان الجهاد قبل أسابيع عن أن السلطة تبقى شريكاً رغم كل شيء، على قدر من الأهمية البالغة.
طبعاً، هذا يعني أن غزة قد تعتبر بمثابة دولة فلسطينية تفاوض وتقاتل من أجل أرضها المحتلة في الضفة الغربية، بما يذكر بحكومة عموم فلسطين التي تلت العام 1948، لكن أولاً وقبل ذلك لا بد أن تقاتل غزة، أيا يكن من يحكمها إسرائيل، حيث إنه من الصعب التوقع بأن إسرائيل ستضمّن إكمال انسحابها من غزة من جانب واحد، مضمونه السياسي، أي إنهاء الاحتلال، والذي يعني عدم تحمل مسؤوليته بتقديم ما يحتاجه من مواد طبية وغذائية وخدمات - كما أسلفنا - فقط، لأن الانسحاب السياسي إنما هو غير الأمني الذي سبق لشارون وأن فعله العام 2005، أي أنه يجب على إسرائيل أن تبتعد عن المياه الإقليمية لقطاع غزة، كذلك أن تضع حداً لسيطرتها الجوية عليه، وهكذا يمكن أن يعاد إعمار المطار، كذلك افتتاح ميناء غزة، والأهم البدء باستخراج الغاز الطبيعي من حقل مارينا.
لكن يبدو أن هذا السيناريو لن يكون سهل التطبيق، لأن ذلك لا يعني أن تخرج غزة لا من ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، خاصة منه ملف القدس، ففي كل حالة اشتباك حادة في القدس أو الضفة قد تتدخل غزة، كما فعلت قبل هذه الحرب، وخلال الحروب السابقة كلها، ولا أن تخرج من ملف الصراع الإقليمي، أي أن غزة، حتى لو حكمتها السلطة، فإنها ستعيد ترميم قوتها العسكرية تحت الأرض، على الأقل، أي يمكن أن يتوافق الطرفان الداخليان على أن ما هو فوق الأرض للسلطة، وما تحتها للمقاومة، وهذا يعني أن على إسرائيل أن تصمت أو أن تغض النظر، عن وجود قوة عسكرية جنوب حدودها، حتى لو كان هناك فاصل أمني بعمق 3 كيلومترات، بين حدود غزة وبلدات الغلاف الإسرائيلية، حيث يمكن لتلك القوة أن تشارك في أي حرب إقليمية قادمة تكون إسرائيل طرفاً فيها.