أدلى وزير الخارجية المصري سامح شكري في بيان صادر عن وزارته، بكلامٍ يؤكد على أن (( أية محاولة لتبرير وتشجيع تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، هي أمر مرفوض مصرياً ودولياً، جملة وتفصيلا)). واستهجن سامح شكري ((الحديث عن عملية النزوح وكأنها تحدث بشكل طوعي)).
وأوضح وزير خارجية مصر أن (( نزوح المواطنين في غزة هو نتاج الاستهداف العسكري المتعمد للمدنيين بالقطاع، وعمليات حصار وتجويع مقصودة، تستهدف خلق الظروف التي تؤدي إلى ترك المواطنين منازلهم ومناطق إقامتهم، في جريمة حرب مكتملة الأركان)).
وشدد شكري على ((موقف مصر الرافض بشكل قاطع لسياسات التهجير القسري للفلسطينيين، أو تعمُّد حجب المساعدات الإنسانية والخدمات الضرورية بما يخلق أوضاعاً غير محتملة على كاهل المدنيين)) بغرض تهجيرهم من أرضهم..
كلام سامح شكري يفيد، بأن إسرائيل، تسعى في نظر القاهرة، بكل ما أوتيت من قوة وعنف لتهجير سكان غزة قسريا خارج غزة، تصريح الوزير المصري يعكس تخوفا مصريا من أن إسرائيل تريد دفع الغزاويين للجوء، أساسا في اللحظة الراهنة، إلى شبه جزيرة سيناء. القوة المفرطة التي تستعملها دولة الاحتلال ضد السكان الغزاويين في هذه الحرب الهمجية والهوجاء، تهدف إلى دفعهم للهجرة بعيدا عن وطنهم الأم، وتحويلهم إلى لاجئين عند دول الجوار.
فأكيد أن وجود هؤلاء السكان، في حد ذاته، في أرضهم غزة، يشكل موسا في حلق إسرائيل، ويمثل عقدة مستعصية الحل بالنسبة للكيان الصهيوني. رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين عبّر أحسن تعبير عن شعوره بوطأة الوجود الفلسطيني في غزة بالقول: ((أحلم أن أصحو من نومي في يومٍ من الأيام، وأرى البحر وقد ابتلع قِطاع غزَّة، ومن عليه))…
وكما هو معلوم، مات رابين ولم يتحقق حلمُه، ولم تغرق غزة في البحر، وإنما لا تزال في مكانها الذي كانت فيه على مرِّ السنين، لكن هل بإمكان الكيان الصهيوني ترحيل سكانها صوب شبه جزيرة سيناء؟ هل يوافق الغزاويون على هذا التهجير ويباركونه وينخرطون فيه؟ كل المعطيات التي بين أيدينا تشير إلى أن الغزاويين متشبثون بحقهم في البقاء في أرضهم غزة، وأنهم على استعداد للاستشهاد فيها، بدل مغادرتها للجوء في سيناء.
ad
الغزاويون هم أصلا في غالبيتهم العظمى لاجئون نزحوا من فلسطين، وتحديدًا من مناطق ومدن وقرى وأرياف: يافا، واللد، والرملة، والنقب، وبير السبع، وعسقلان، وأسدود… وهم يتطلعون إلى اليوم الذي يعودون فيه إلى ديارهم هذه بفلسطين، فمفاتيح منازلهم لا تزال لديهم، ويحتفظون بها عربونا على تمسكهم بحقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين، فكيف سيقبلون بالهجرة من غزة إلى سيناء؟ هذا خيار من المستحيل الرضى به بالنسبة للغزاويين..
ثم هل يمكن لمصر القبول بهذا التهجير صوب أرضها؟ هل في متناول الضغوطات التي تتعرض لها القاهرة، والإغراءات المالية التي تُعرض عليها، أن تدفعها للانصياع لما تريده الدولة العبرية، فتوافق على توطين الغزاويين في سيناء؟ ألن تكون هذه الموافقة، بمثابة تفريط في الأرض المصرية، وتخلٍّ عن السيادة الوطنية من جانب المصريين لصالح الصهاينة؟ ألن يكون الكيان الصهيوني قد تخلص، بذلك، من العبء الفلسطيني برميه على الكاهل المصري؟
لنفرض، جزافا، أن مصر قبلت توطين الغزاويين في سيناء، سيكون حتما عليها أن توفر لهم المأكل والملبس والتطبيب والتعليم والسكن، وأن تهيء لهم فرصَ عملٍ ومناصب شغلٍ لكي يعيلوا أسرهم بواسطة الأجور التي يتلقونها من خزينة المالية المصرية، فهل الظروف الاقتصادية المصرية تسمح للقاهرة بتحمل مليونين ونصف مليون فلسطيني سيكونون، وهم في حوزتها، محتاجين لكل شيء؟؟ من أين تأتي مصر بالموارد المالية التي تغطي بها الحاجيات الفلسطينية الملحة الوافدة من غزة، علما بأن الوضع الاقتصادي المصري يعاني من مشاكل عويصة جدا، وغير قادر على تلبية حاجيات فئات اجتماعية واسعة من المواطنين المصريين؟؟؟
لاشك في أن الذين يسعون إلى تهجير الغزاويين صوب سيناء سيحاولون إغراء الدولة المصرية بالوعود المعسولة حول كونهم سيقدمون لها المساعدات المالية اللازمة والضرورية للتكفل بالغزاويين، لكن علمتنا التجارب أن الوعود الغربية تظل دائما وعود بلا تنفيذ، ولا يتحقق منها إلا الندر اليسير، ومن المؤكد أن هذه المساعدات المفترضة، حتى وإن تم تقديمها، فإنها ستنتهي بالدولة المصرية إلى التبعية المطلقة لمقدميها، وستصبح، مع مرور الأيام، وسيلة لفرض التحكم الخارجي في مصر، وبسط السيطرة الاقتصادية والسياسة عليها من الجهات التي تقدم لها ما تسميه مساعدات..
إنما الأسئلة التي تفرض نفسها علينا في هذا الباب، إذا ما حدث التهجير، هي، إلى متى سيظل الغزاويون لاجئين في سيناء؟ إلى أي مدى زمني سيبقون هناك؟ هل سيظلون فلسطينيين أم سيتم تجنسيهم وتحويلهم بالقسر والإكراه إلى مصريين؟ وإذا رفضوا هذا التجنيس ماذا سنفعل بهم؟ ثم ماذا سيكون مصير القطاع، وهو أرض باتت خالية من سكانها الأصليين؟ بطبيعة الحال ستستولي عليه الدولة العبرية وتجعل منه جزءا من أرضها، وسيصبح خاضعا لسلطتها، وحينئذٍ ماذا سيفعل الغزاويون الموجودون في سيناء؟
إنهم سينظمون صفوفهم، وسينشئون مقاومة مسلحة، معززة بالخبرة وبالإرادة المكتسبتين لديهم، وسيشرعون في النضال من أجل استرداد أرضهم غزة، والعودة إليها، وخلال المقاومة قد تلحق بهم الطائرات الإسرائيلية لقصفهم في الديار المصرية، فماذا سيفعل الجيش المصري حينها، وهو يرى الفلسطينيين الموجودين، في حماه، يُقصفون ويُقتلون؟ هل سيبقى مكتوف اليدين ويتفرج في المجازر التي يقترفها الجيش الصهيوني فيهم؟ هل الرأي العام المصري سيقبل من أي حاكم من حكامه تصرُّف المتفرج في جرائم تقترف في حق أشقاء لاجئين في الأرض المصرية؟؟؟
إذا اشتد القصف على الفلسطينيين اللاجئين في سيناء قرب غزة وسعى الجيش الصهيوني لدفعهم للابتعاد عن حدود القطاع والتوجه إلى الداخل المصري، فماذا سيكون على الحكومة المصرية فعله وقتها، وكيف ستمنعهم من ذلك؟ ستكون أمام واحدٍ من خيارين، إما الدخول في مواجهة عسكرية مع الجيش الصهيوني للحيلولة دون تنفيذ مخططه، أو استعمال القوة ضد الغزاويين لمنعهم من اجتياح مصر، وسيصير الغزاويون بين مطرقة الكيان الصهيوني وسنديان الدولة المصرية. ستصبح القاهرة في ورطة مع إسرائيل، ومع الغزاويين، ورطة ليس لها نظير.
أما إذا حدث التهجير من الضفة الغربية صوب الأردن، عملا بالتصريح الشهير لرئيس وزراء الكيان الصهيوني مناحيم بيغين والذي قال فيه، إن الأردن هي أرض الفلسطينيين، والعائلة الوحيدة غير الفلسطينية في الأردن، هي العائلة الملكية الحاكمة، فإننا سنكون إزاء وصفة متكاملة الأركان لحرب أهلية طاحنة بين الأردنيين والفلسطينيين…
تصدي الأردن ومصر للتهجير، يقتضي منهما دعم المقاومة لتحقيق النصر في هذه الجولة من القتال مع الكيان الصهيوني، ففي انتصار المقاومة، إحباطٌ للمؤامرة التي تحاك ضد مصر والأردن وفلسطين، ومنعٌ لتفجير المنطقة برمتها بواسطة صاعق التهجير..
كاتب وصحافي مغربي