دانة زيدان: أمريكا من المساعدات ألوان والعرب يرسلون الأكفان...

الأربعاء 15 نوفمبر 2023 04:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
دانة زيدان: أمريكا من المساعدات ألوان والعرب يرسلون الأكفان...



كتبت دانة زيدان:

لم تتوان أمريكا عن إرسال سفنها الحربية لمساندة “اسرائيل” منذ اللحظة الأولى لمواجهتها مع حماس، ولم تتوقف عن إمدادها بالمساعدات من الخبراء العسكريين، والأسلحة، والدعم المالي واللوجستي بكل أشكاله على مرأى ومسمع من العالم. بل أن مسؤول البنتاغون قال بكل صفاقة بأنه لا توجد شروط على الأسلحة التي تقدمها أمريكا لإسرائيل. وكرر وزير الدفاع الأميركي لويد التزام بلاده بدعم إسرائيل، قائلاً أن “أمريكا ستضمن حصول إسرائيل على ما تحتاجه للدفاع عن نفسها” أما بايدن وفي اليوم الأول من عملية “طوفان الأقصى” صرح بأن الولايات المتحدة على استعداد تام لتوفير “جميع سبل الدعم المناسبة” لإسرائيل.

في نفس هذا الزمن تتوسل الدول العربية إلى الاحتلال لإدخال العدس، والأرز ومسكنات الآلام. وحين تسمح “اسرائيل” بذلك تنصاع حكومات بأكملها -وجيوش نسيت كيف تُقاتل- لشروطها المذلة بتفتيش الشاحنات التي تحمل فتاتاً لا يسمن ولا يغني من جوع. ألا يشعر حكامنا بالعار وهم يخرجون دبابتهم، وعتادهم العسكري لقمع شعوبهم، بينما تختفي تلك الدبابات حين تُقصف غزة؟ ألا يشعرون بالخزي وهم يرون العالم الغربي يرسل ترساناته العسكرية لدعم الاحتلال بينما يرسلون هم أكياساً من الطحين وأكفاناً؟ نتسائل لماذا يرصد العرب ميزانيات ضخمة للتسلح بينما لا تُطلق رصاصة واحدة للدفاع عن كرامتهم وانسانيتهم وأوطانهم؟
ترفض صنعاء الحبيبة أن تكون في نفس الخانة مع اولئك “لا سمح الله” ويعود اليمن ليذكر العالم بأنه أصل العرب رغم كل عواتي الزمن ومؤامرات الأعداء. يكفي أن تنظر للخريطة وترى المسافة ما بين صنعاء وأم الرشاش لتدرك عظمة ما فعله اليمن بالوقوف قولاً وفعلاً إلى جنب فلسطين.
رغم البعد الجغرافي إلا أن اليمني يعرف جيداً هذا الوجع الفلسطيني، يعرف معنى أن يُقصف الأطفال كما في سوق ضحيان شمال اليمن، ومعنى أن يتحول طابور الخبز في غزة لمجزرة كما تحول سوق السمك في اليمن سابقاً. يعرف أطفال اليمن وجع أن تكون الناجي الوحيد من عائلتك بأسرها كما بثينة في مجزرة عطان صنعاء، وماذا يعني تسوية الشجاعية والرمان والفرقان بالأرض كما سُوّت الحديدة، وصعدة، وحجة من قبل بفعل فاعل معروف للجميع وكيف يمر الأمر دون حساب!

ad

عاش اليمني النوائب التي يعيشها أهل غزة. لهذا لا يمكن أن يقف اليمني موقف المتفرج بينما يُذبح الفلسطيني على شاشات التلفاز من قبل “إسرائيل” التي تتلقى دعماً مالياً وعسكرياً هائلاً، بينما يعجز العرب مجتمعين عن تزويد الشعب في غزة بأدنى معززات الصمود. بل أن عجزه وصل حد السماح لاسرائيل بالتحكم بمعبر رفح وفرض شروط على أكبر بلد عربي وأقوى جيش في أفريقيا.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يبدي فيها أمريكي أو صهيوني علانية رغبته بمسحنا عن بكرة أبينا بقنبلة نووية كما قال وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، وقبله السياسي الأمريكي صامويل روبرت جونسون الذي قال صراحة:”باستطاعتي أن أقود طيارة محملة برأسين نوويين فأطلقهما دفعة واحدة وهكذا نرتاح من سورية نهائياً”.
هكذا يصرح ساستهم دون مواربة أو أدنى إكتراث للرأي العالمي، ولا التغطية الصحافية ولا مجلس الأمن. هذا العدو يعلم تماماً بأن اللغة التي يفهمها العالم هي لغة القوة لا غير، وقد برهن لنا ذلك العالم بأسره بوسائل إعلامه، ومنظماته الدولية ومجلس أمنه وهو يقف موقف المتفرج أمام قصف المستشفيات، واستهداف الصحافيين، واغتيال الأطفال في غزة.
قضى المفاوض الفلسطيني قروناً من العمل السياسي السلمي، والتسول على أعتاب الأمم المتحدة، واستجداء التعاطف الدولي، واستخدام المصطلحات التي ترضي العم سام، وتنفيذ النصائح العربية، والتنسيق الأمني المعيب، ولم يفلح كل هذا بإيقاف أو حتى إبطاء التوسع الإستيطاني، ولا إعادة شبر واحد من الأرض، ولا لاجىء فلسطيني لبيته، ولا حتى بتحرير معتقل إداري.
“سنخاطب العدو باللغة التي يفهم” قال المُلثم متبعاً وصية فدائيي ميونخ. فاولئك الأبطال الصناديد يرفضون أن يتحول الفلسطيني إلى هندي أحمر جديد كنتيجة حتمية للسلمية الإستسلامية التي تتبعها السلطة الفلسطينية.
اولئك الأبطال فهموا الدروس البسيطة أولاً: أن تحرير الأرض لا يكون سوى بالكفاح المسلح مسنوداً بكل أنواع المقاومة الأخرى فكلها مشروعة وواجبة. ثانياً: أن الرأي العالمي لا يساوي شيئاً وقد تجلت هذه النظرية في الأيام الماضية. فهل يفهم باقي العالم تلك الدروس من الشعوب الفلسطينية واليمنية وباقي أحرار العالم؟
“اسرائيل” التي حاولت من قبل تطويع القرار السياسي اليمني أملاً بتحقيق مطامعها بالسيطرة على البحر الأحمر باءت هي ووكلائها بالفشل أمام الشعب اليمني الجسور كما ستبوء بالفشل أمام المقاتلين الأشاوس في غزة غداً. وإنما النصر صبر ساعة.
كاتبة فلسطينية
Dana.zeedan@gmail.com