تسمي إسرائيل حملة الإبادة الجماعية التي أطلقتها على الفلسطينيين "السيوف الحديدية"، يحبون في غرف وزارة الحرب الإسرائيلية إطلاق أسماء على حفلات القتل، أسماء قادمة من مخيلة القتل والثقافة التوراتية التي تتملك أولئك الجنرالات، جنرالات لم ينتصروا في أي حرب خاضوها منذ خسارتهم في حرب أكتوبر قبل نصف قرن أمام الجيشين المصري والسوري، الحرب التي انتهت بلجان تحقيق وكتاب بعنوان "التقصير" وقضت على مسيرة "غولدا مئير" السياسية وحاشيتها، ودفعت في انقلاب حقيقي "مناحيم بيغن" من الهامش إلى الحكم، منهية بذلك حكما طويلا لحزب العمل، بتدرجات اسمه، بدأ مع إعلان "الدولة".
"السيوف الحديدية" سيضاف إلى أسماء سابقة لنفس المجزرة المتواصلة، مثل "حارس الأسوار"، "الرصاص المصبوب"، "عمود السحاب"، "الجرف الصامد"، الفجر الصادق"...، ولكنه يظهر كخاتمة لمرحلة طويت ومدخل لمرحلة جديدة لم تتضح بعد.
إطلاق أسماء على العمليات العسكرية هي فكرة ألمانية بدأت في الحرب العالمية الأولى، ستنتشر بعد ذلك خلال الحربين الكونيتين، وستتبناها جيوش الحلفاء، والمقصود من إطلاق تلك الأسماء منح العمليات العسكرية قوة التأثير على الخصم من جهة، وشحن معنويات الجنود من جهة ثانية.
"السيوف الحديدية" يبدو أسما متعجلا بلا دلالات بحيث يمكن الحصول عليه بسهولة في موضوع إنشاء ساذج، أو من كتاب مدرسي أو مسلسل صور متحركة، أو قصة مغامرات للفتيان، ولكنهم كانوا في وزارة الحرب في إسرائيل، في ضحى السابع من أكتوبر، بحاجة إلى شيء حاد، شيء يصلح للتعبير عن فعل دموي وبدائي، انتقامي ومتوحش، أداة ممسوكة باليد تصلح للذبح، بالضبط "الذبح" وتدفق الدم.
ورغم ذلك لم ينج الاسم من السخرية، عندما وصف "حاييم ليفنسون" الكاتب في "هآرتس" عملية "السيوف الحديدية": "هذه العملية هي في واقع الأمر عملية سقوط السراويل".
منذ اللحظة الأولى التي أطلق فيها اسم "السيوف الحديدية" أصبح جزءا من الهزيمة، لقد ولد مهزوما ومجردا من القيم، وبدا إطلاقه اقرب إلى دفع قاتل متسلسل إلى حضانة أطفال.
ضباط مهزومون، فقدوا "بطولتهم" في تلك الصبيحة، وتحطمت أحلامهم الشخصية ومآثرهم وثقتهم، يعرفون جيدا أنه لن يكون ممكنا بعد السابع من أكتوبر احتسابهم كأبطال، وسيكون من الصعب اعتبارهم بشرا أسوياء أمام أجساد وأشلاء الفلسطينيين في غزة، وأن لا أحد سيصدق نياشينهم الغارقة في العار ودماء الأطفال.
شريحة كاملة من الفاشيين يحدقون من هزيمتهم بالمشانق التي تعلقها لهم لجان التحقيق وهتافات الناس وملايين المتظاهرين في شوارع ومدن الكوكب، ولكنهم سيحاولون في الوقت القصير المتبقي لهم الانتقام ومحاولة إنقاذ فكرتهم عن أنفسهم وعن دولتهم وعن العدو وفكرة العالم عنهم، الأفكار التي بددتها الهزيمة في السابع من أكتوبر ويبددها الانتقام، الآن.
ليس هناك أكثر خطورة من ضباط وسياسيين يائسين ومنفلتين ومدججين بالسلاح، تقودهم غرائز الانتقام والكراهية.