سؤال يتكرر دائمًا نتيجة للأحداث الدامية التي تعيشها غزة. أولًا ندين إسرائيل التي تعتمد سياسة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني منذ 75 عامًا. ولمن نسي المجازر الإسرائيلية، نذكرهم بكوكبة من المجازر التي قامت بها إسرائيل منذ احتلالها فلسطين عام 1948 والتي راح ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين العزل. من أبرز هذه المجازر دير ياسين/ القدس ومجزرة الطنطورة/ حيفا ومذبحة اللد. كل هذه المجازر حصلت في العام 48، الذي يسمى عام النكبة.
“وبحسب مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (مقره بيروت)، فإن عدد المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في الفترة بين 1937 و1948، زادت عن 75 مجزرة، راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف شهيد فلسطيني، فضلا عن إصابة الآلاف”. هذا وكانت العصابات اليهودية المسلحة ترتكب المجازر ضد الفلسطينيين قبل الإعلان عن الدولة العبرية في عام 1948. ولم تقف المجازر ضد الفلسطينيين طيلة العقود الثمانية الماضية.
ثانيًا، ندين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الإستعماري الذي يدعم إسرائيل ويعطيها الضوء الأخضر لارتكاب المجازر ضد أطفال ونساء غزة من أجل أهداف غير معلنة للسيطرة على المنطقة وإعادة تشكيل الوطن العربي أو ما يعرف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ونحن تعايشنا مع الجنود والقواعد الأمريكية المتواجدة في المنطقة لحماية دولة الاحتلال وكنا شهودًا على الحروب في العراق وسوريا لزعزعة الأمن في المنطقة وسرقة خيرات العالم العربي. وعلينا أن نتذكر أن الأوروبيين البيض أبادوا السكان الأصليين للأمريكيتين وفرضوا عاداتهم ودينهم عليهم. ويقول موقع الجزيرة أن “الهنود الحمر، شعوب وقبائل استقرت في أميركا لآلاف السنين، قبل أن يسحقهم مستوطنون ومهاجرون أوروبيون اغتصبوا أرضهم وأقاموا عليها ما يسمى حاليا الولايات المتحدة الأميركية، وغيّروا في الوقت ذاته التركيبة السكانية والهوية الثقافية لأميركا الجنوبية”.
ثالثًا، ندين العنصرية والعنجهية الغربية التي تمثلت بنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا والذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء من عام 1948 وحتى إلغاء النظام بين الأعوام 1990 و 1993 وأعقب ذلك انتخابات ديمقراطية عام 1994. وكان هدف نظام الأبارتايد هو خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية. وحتى مع المكاسب التي حققها السود بقيادة نيلسون مانديلا، فإن جنوب إفريقيا لم تنل استقلالها الكامل، فهي ما زالت من دول الكومنولث التابعة لبريطانيا. ويقول تقرير لليونسكو “ومنذ ذلك الحين، تغيرت الأمور بشكل هائل. هذا لا يعني أنه لم تعد هناك ممارسات عنصرية خطيرة. لكن الفرق يكمن في أن مواطني جنوب أفريقيا، سودا وبيضا، أصبحوا يستنكرون بشدّة مثل هذه الممارسات. بالإضافة إلى ذلك، تم وضع إطار قانوني لضبط العنصرية.” ونستطيع القول إنه لم تتحقق المساواة الإجتماعية التامة بين العرقين الأبيض والأسود في جنوب إفريقيا لغاية الآن. وغالبًا ما يتم المقارنة بين نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا والنظام العنصري القائم على مبدأ إنشاء دولة لليهود في إسرائيل.
رابعًا، ندين التغني بالديمقراطية الغربية ومعاييرها المزدوجة، وغالب هذه الديمقراطيات لها تاريخ استعماري وصراع مستمر على مدى عقود ما بين الدول المتقدمة والدول النامية. منظومة الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي كانت قائمة على عوامل فرضتها ظروف وسياقات عديدة منها الحروب العالمية الأولى والثانية. هناك بعض أوجه التشابه فيما بين السياسات الاستعمارية الثلاث، من خلال اتباعها مبدأ إغراء الزعامات السياسية والقبلية، ودعمها لهم بالأموال أو منح المناصب وبعض الامتيازات. ونذكر هنا اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا التي قسمت الوطن العربي بناء على أهواء الدولتين الأوروبيتين.
خامساً، ندين اتفاقات السلام بين الدول العربية والدولة العبرية كما ندين التطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي بدأ باتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في عام 1977.
وتلا هذه الإتفاقية معاهدة وادي عربي بين الأردن وإسرائيل في عام 1994 والتي سبقتها اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993. ثم عقدت إسرائيل اتفاقيات سلام مع عدد من الدول العربية، منها اتفاقية “ابراهيم” مع الإمارات العربية عام 2020. هذا، عدا عن اتفاقيات السلام بين إسرائيل وكل من البحرين والمغرب التي وقعت في نفس العام (2020). كل هذه المعاهدات أبرمت وسط رفض واحتجاج عربي وشعبي. وإسرائيل لم تستجب لبنودها ومن أهمها حل الدولتين وإقامة دولة مستقلة للشعب الفلسطيني. وغالبًا ما توصف عمليات التطبيع بأنها اتفاقيات سلام باردة بين الدول العربية وإسرائيل.
سادسًا، إسرائيل تنتهك القوانين الدولية ولا تلتزم باتفاقيات السلام وخصوصاً حل الدولتين. الذي اقترحته وأخلت به إسرائيل حيث قامت ببناء المستوطنات اليهودية في أراضي 1967 التي كانت خالية من المستوطنات آنذاك ويوجد حاليًا نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726 ألفا و427 مستوطنا. واعتمدت جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية، وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع هجرة المستوطنين المسلحين إليها على حساب مصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم بيوت الفلسطينيين.
بالنسبة للشق الثاني من السؤال وهو لماذا لا ندين حماس، فالجواب هو بديهي وذلك لأن حماس منذ تأسيسها في عام 1987 أبان الإنتفاضة الأولى (والتي استمرّت من عام 1987 إلى عام 1994) على يد الملهم الروحي للحركة أحمد ياسين، ولغاية الآن هي مقاومة وحركة تحرر وطني وسياسي يعلم القاصي والداني أهدافها العلنية وشعارها هو تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وهو ذات الشعار الذي تخلت عنه منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت تعتمد الكفاح المسلح وسيلة لتحرير فلسطين كاملة، لصالح حل الدولتين الذي تم اعتماده في قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967، أي بعد سيطرة إسرائيل على باقي أراضي فلسطين التاريخية.
حماس لا نتدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول وتختص فقط بالشأن الفلسطيني ولها قاعدة شعبية واسعة في أركان الوطن العربي والدول الإسلامية. وفيما تنتمي حماس فكريًا لحزب الإخوان المسلمين، إلا أنها تنظيم فلسطيني إسلامي وسطي معتدل، مستقل بذاته، وليست تابعة لأي تنظيم هنا أو هناك. عقائديًا وبما أن الكيان الإسرائيلي يتبع العقيدة اليهودية، فلا بد من مواجهته بعقيدة إسلامية مناهضة، فغالبية الفلسطينيين يتبعون الديانة الإسلامية وكذلك الغالبية في الوطن العربي رغم أن حماس تعتبر أنها ليست على خلاف مع اليهود لأنهم مخالفون لها في العقيدة، ولكنها على خلاف معهم لأنهم يحتلون فلسطين.
ولا ننسى طبعًا أن حركة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها على يد حسن البنا في مصر في عام 1928 تعتبر نفسها حركة اصلاحية شاملة حيث تؤثر اليوم على مجموعة متنوعة من الحركات الإسلامية ومن المنظمات الخيرية والدعوية إلى الأحزاب السياسية، وليس جميعها تستخدم نفس الإسم.
كتائب عز الدين القسام تعد الجناح العسكري لحركة حماس وهي أقرب إلى الجيش المنظم بما تمتلكه من قدرة قتالية عالية وخبرات علمية في مجال تطوير الأسلحة وتصنيعها. وقامت الكتائب بالعديد من العمليات العسكرية وأثارت عملياتها الفدائية جدلاً دولياً انعكس على الداخل الفلسطيني. هذا وينظر إلى حماس وفروعها بطريقة مختلفة جدا فيما بين حكومات مختلف البلدان. وقد أدرجت حماس (أو فروعها الخيرية والجناح العسكري) في القوائم الإرهابية للعديد من البلدان الغربية (وإن لم تكن جميعها). ومن ناحية أخرى، تعتقد بلدان آسيوية كثيرة أن حماس هي الحكومة الشرعية لقطاع غزة.
كاتبة اردنية