نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريرا أعدته نحال توسي وألكسندر ورد ولارا سيليغمان، قالوا فيه إن إدارة بايدن تواجه ضغوطا من الديمقراطيين التقدميين والمسؤولين العرب وحتى بعض الدبلوماسيين الأمريكيين للمساعدة على إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. لكن البيت الأبيض لا يريد بالضرورة وقف القتال، على الأقل ليس الآن. وحتى لو فعل ذلك، فمن المحتمل ألا تستمع إسرائيل إليه.
وفي محادثات مع ثمانية دبلوماسيين ومحللين ومسؤولين في الإدارة، بالإضافة إلى مراجعة ما قاله أو لم يقله الزعماء الأمريكيون والإسرائيليون والعرب، علنا فإن الصورة تتضح حول رفض جو بايدن وإدارته الدعوة لوقف إطلاق النار.
ومع ارتفاع عدد الجثث، يمكن أن تتغير الحسابات بشكل كبير. في الوقت الحالي، إليكم مراجعة واقعية للقرارات التي يتم اتخاذها من واشنطن إلى عمّان:
جاء في التقرير أنه عندما يعرض المسؤولون الأمريكيون أهدافهم في هذا الصراع الجديد، فإنهم يذكرون أربعة تفاصيل محددة: توضيح أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بقوة، ومنع القتال من الانتشار خارج قطاع غزة، وإطلاق سراح أكثر من 200 شخص احتجزتهم حماس، والمساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية. ولكن وقف الحرب بين إسرائيل وحماس ليس ضمن القائمة.
ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن الولايات المتحدة تتفق مع هدف إسرائيل المتمثل في تدمير حماس، حتى لو لم يكن من الواضح تماما كيف سيبدو ذلك في النهاية.
وعندما سئل الرئيس بايدن الشهر الماضي من قبل شبكة “سي بي إس نيوز” عما إذا كان يعتقد أنه “يجب القضاء على حماس بالكامل”، قال: “نعم، أعتقد ذلك”.
وفي الوقت الحالي، تضغط الإدارة الأمريكية على إسرائيل للسماح بوقف القتال لأغراض إنسانية وتوخي الحذر في استهدافها. لكنها لن تدعم وقفا طويل الأمد لإطلاق النار.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي للصحافيين يوم الإثنين: “ما زلنا لا نعتقد أن وقف إطلاق النار العام مناسب في هذا الوقت”. وأضاف: “عندما نتحدث عن وقف عام لإطلاق النار، فإن ما يعنيه ذلك هو وقف كامل للقتال في جميع أنحاء غزة، وهو ما نعتقد أنه في هذه المرحلة يفيد حماس”.
وقال اللواء المتقاعد في الجيش الإسرائيلي، ياكوف أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي من عام 2011 إلى عام 2013، إن حكومة بلاده لا تشعر حاليا بأي ضغط حقيقي من الولايات المتحدة لإنهاء الحرب. وقال إن الضغط الوحيد “هو أن نقلل من عدد المدنيين الذين ينبغي قتلهم، والضغط الثاني هو السماح بتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة”.
وما لا يقال علنا، أن تدمير، أو على الأقل إضعاف حماس، هو في مصلحة الولايات المتحدة على مستويات متعددة.
فحماس هي وكيل لإيران، الخصم الرئيسي للولايات المتحدة، لذا فإن تفكيكها سيضعف طهران. كما ينظر لحماس كقوة مزعزعة للاستقرار في منطقة لا تزال ذات أهمية حاسمة للمصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة. وأضاف أحد المسؤولين الأمريكيين، طلب عدم الكشف عن هويته، أن حماس لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود، مما يجعلها عائقا رئيسيا أمام حل الدولتين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الانفصال العلني عن الإسرائيليين قد يضر بعلاقات الولايات المتحدة مع شريك له أهمية حاسمة على الجبهات بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية. وربما تتجاهل إسرائيل الولايات المتحدة على أي حال، إلا أن واشنطن تمتلك أدوات مهمة يمكنها استخدامها للضغط على إسرائيل بما يتجاوز مجرد الكلمات التي يمارسها المسؤولون الآن.
ويمكن أن تهدد واشنطن بقطع المساعدات العسكرية لإسرائيل أو التوقف عن الدفاع عنها في الأمم المتحدة، أو التخلي عن الجهود طويلة المدى لمساعدة إسرائيل على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية. بل إن بعض الديمقراطيين في الكونغرس يدرسون سن تشريع للحد من تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل. إلا أن إدارة بايدن رفضت بشدة مثل هذه التحركات.
وحتى في الأوقات العادية، لم تستمع الحكومة الإسرائيلية دائما إلى واشنطن. على سبيل المثال، حث المسؤولون الأمريكيون إسرائيل لسنوات دون جدوى على وقف بناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية التي يطالب بها الفلسطينيون. وعندما كان بايدن نائبا للرئيس، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بناء مستوطنات جديدة أثناء زيارته لإسرائيل.
وهناك المسؤولون العرب، فالعديد من الحكومات العربية تكره حماس سرا لأسباب ليس أقلها جذورها الإسلامية وعلاقاتها بإيران. لذلك لن يمانعوا في رؤية الحركة وقد تم إضعافها. وقال مسؤول إسرائيلي كبير للصحافيين في واشنطن الشهر الماضي: “كان هناك فرق كبير بين ردود الفعل العامة والخاصة للدول العربية”. وتعتبر معظم الدول العربية حماس “عدوة وتريد ردعها”.
وعلى الرغم من بغضهم لحماس، فإن العديد من الزعماء العرب يحثون الولايات المتحدة سرا وعلنا على الضغط على إسرائيل لحملها على قبول وقف إطلاق النار. ويرجع ذلك جزئيا إلى قلقهم من أن ينقلب غضب المواطنين العرب من صور القتلى والجرحى الفلسطينيين ضدهم. وقال دبلوماسي عربي مقيم في واشنطن: “من خلال إرسال الكثير من المعدات والكثير من الأموال إلى إسرائيل، تشجعهم [الولايات المتحدة] على الضغط والتصعيد بدلا من البحث عن حل”.
ولا يبدو أن إسرائيل تستجيب لتحذيرات أشخاص مثل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من أجل “وقف هذا الجنون”. ويصر المسؤولون على أنهم يفعلون ما يجب عليهم فعله لتحييد المدنيين، لكن مستوى المعاناة الفلسطينية يصعب على إسرائيل تفسيره بشكل متزايد.
وعلى الرغم من أن إيران لا تشارك بشكل مباشر في الحرب، إلا أنها مهتمة بشدة بالصراع. وتدعم إيران حماس بالتمويل والأسلحة والتدريب، وتسعى منذ فترة طويلة إلى طرد القوات الأمريكية من الشرق الأوسط.
وقد استغلت طهران هذه اللحظة لإثارة المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. وقد هاجم وكلاؤها القوات الأمريكية في العراق وسوريا بطائرات مسيرة وصواريخ 38 مرة على الأقل منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر، حتى مع قيام البنتاغون بإرسال كمية متزايدة من القوة النارية إلى المنطقة.
لكن مسؤولين أمريكيين يقولون سرا إنهم يعتقدون أن إيران تحاول ببساطة زيادة الضغط على واشنطن، وليس إثارة حرب إقليمية أوسع. وأفضل دليل على هذا الحساب هو طبيعة الهجمات وحجمها، لا سيما مقارنة بردّ إيران على اغتيال قاسم سليماني، في عام 2020.
فمن ناحية، اعتمدت الجماعات الوكيلة لإيران بشكل شبه حصري على طائرات مسيرة وصواريخ هجومية رخيصة الثمن أحادية الاتجاه لشن الهجمات غير الناجحة في معظمها. ووصف المتحدث باسم البنتاغون العميد باتريك رايدر مثل هذه التحركات بأنها “مضايقة”. وعلى الرغم من أن رايدر قال إن الولايات المتحدة ستحمّل إيران مسؤولية الضربات، إلا أن طهران لم تعلن مسؤوليتها عنها.
على النقيض من ذلك، في كانون الثاني/ يناير2020، أطلق الحرس الثوري الإيراني أكثر من 12 صاروخا باليستيا على قواعد أمريكية متعددة في العراق، مما أدى إلى إصابة أكثر من 100 جندي أمريكي بإصابات دماغية. وقالت إيران إن ذلك انتقام لمقتل سليماني.
ولم تستغل طهران الأزمة الحالية كفرصة لتصعيد مضايقاتها للسفن التجارية في الخليج العربي، وهو السلوك الذي أثار إدانة الولايات المتحدة في السابق. إن الرد الأمريكي المحدود، أو عدمه، على الهجمات الأخيرة له دلالة أيضا. وأمر بايدن بشن غارة جوية في 26 تشرين الأول/ أكتوبرعلى منشأتين في سوريا تستخدمهما الجماعات المرتبطة بإيران، لكن الهجمات لم تقتل أي مسلحين.