الغارديان: استمرار ألمانيا في قمع الأصوات الفلسطينية باسم “الذنب التاريخي” سيجعلها غير مهمة

الجمعة 20 أكتوبر 2023 06:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
الغارديان: استمرار ألمانيا في قمع الأصوات الفلسطينية باسم “الذنب التاريخي” سيجعلها غير مهمة



لندن/سما/

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للصحافي والمؤلف الألماني هانو هونستين، قال فيه إن على ألمانيا مواجهة قضاياها بشأن إسرائيل والماضي، ولكنّ إسكات كاتبة فلسطينية لا يساعد في هذا الأمر.

وتذكر الكاتب أنه كان مع صديقة له بحانة في تل أبيب عام 2012، حيث كانت إسرائيل تقصف غزة، وتحدثا لسياح ألمان، قال أحدهم: “كل الفلسطينيين هم إرهابيون”، وقال لصديقته اليهودية الإسرائيلية الذي لم تكن تدعم العملية: “عدم دعم الجيش الإسرائيلي هو خيانة لتراثك”، والسائح والكاتب هما من عائلتين متورطتين في الجرائم التاريخية. ومن هنا، فإلقاء المحاضرات الأخلاقية على إسرائيل ربما لن يكون كافيا لدفعها بعيدا عن التاريخ المرعب والصعب مشاهدته.

وفي المجتمع الألماني، تبدو هذه الآراء طبيعية، فدعم إسرائيل يُنظر إليه كشرط في الهوية الجمعية الألمانية. ومع أن موضوع الحساسية تجاه إسرائيل مفهوم في ضوء التاريخ القاسي، إلا أن الموضوع أصبح أكثر إشكالية في السنين الماضية. وعادة ما يتم شجب الكتاب والفنانين الفلسطينيين، ورعاة الفن من عالم الجنوب واليسار الإسرائيلي، ويتم رفضهم وإلغاؤهم بسبب مواقف تعتبر غير مستساغة تجاه إسرائيل.

ففي الأسبوع الماضي، ألغت الرئيسة المشاركة للحزب الاشتراكي الديمقراطي ساسكيت إيسكن، لقاء مع السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز لموقفه من الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس، وخسر ساندرز الكثير من أفراد عائلته في الهولوكوست.

وتعتبر حالة الروائية عدنية شبلي، الأخيرة والمثال الأكثر حدة لهذه الأمور الغريبة. وتحكي رواية شبلي “تفصيل ثانوي” عن اغتصاب جنود إسرائيليين عام 1949 لفتاة بدوية وقتلها. وهي منشورة من دار فيتزكارالدو عام 2020، وحصلت الرواية على جائزة ليتبروم الأدبية عن أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لعام 2023. ولكن المنظمين لحفل تقديم الجائزة المقرر في 20 تشرين الأول/ أكتوبر، قرروا تأجيله بسبب الحرب في غزة.

ويقول الكاتب إنه قرأ الرواية بترجمتيها الإنكليزية والألمانية، وهي رواية محكمة عما يطلق عليه الفلسطينيون والمؤرخون “النكبة” والجرائم التي ارتكبها الإسرائيليون في فلسطين التاريخية أثناء إنشاء دولة إسرائيل. ويراوح سرد الرواية بين ضابط إسرائيلي مسؤول عن العمل، ثم رواية فلسطينية من رام الله لا تنام الليل، حيث تتحرك الرواية بين السردين. وفي الجزء الثاني تحاول شبلي تصوير تجربتها وما عانته من صعوبة في البحث عن الرواية التاريخية، ومنظور الضحية في إسرائيل المعاصرة.

ويقودها بحثها للقيام برحلة فيها مخاطرة إلى مكان الجريمة في الجنوب، أبعد مما يُسمح لفلسطينية بهوية الوصول إليه. ويعلق الكاتب، أن هناك وبلا شك، رابطة بين إلغاء مناسبة شبلي والحساسيات الألمانية.

ففي هذا الصيف، ترك أورليتش نولر، لجنة تحكيم احتجاجا على الرواية. وبحسب نولر، فالرواية “تخدم السرديات المعادية لإسرائيلية ومعاداة السامية”. وقبل أيام من إعلان اللجنة عن اختيار الرواية، كتب الصحافي كارستين أوتي في صحيفة اليسار “تاز” أن النبرة في الراوية “تغطي على المشكلة الرئيسية: ففي هذه الرواية القصيرة، كل الإسرائيليين هم مرادفون للاغتصاب وقتلة”. واشتكى أوتي أكثرمن ذلك، عندما قال إن رواية شبلي تتجاهل العنف المرتكب ضد المدنيين الإسرائيليين، وفق رأيه، ولهذا تقوم الرواية على “أساس أيديولوجي غير إنساني”. وبعد هجوم حماس على إسرائيل، فتقديم الجائزة لشبلي يعد “أمرا لا يحتمل”.

وبالنسبة للكاتب، فإن القراءة هذه ليست تبسيطية فقط، بل هي هزيمة ذاتية سياسية ومعاداة واضحة للأجانب. أولا وقبل كل شيء، فهي تقوم على سوء فهم أساسي لدور الأدب، والذي لا يهدف أبدا لتقديم رواية متوازنة للتاريخ أو عرض على طريقة ويكيبيديا والوظيفة المدرسية، فمن خلال استكشاف الذاتية وبعيدا عن حدود العرق والذاكرة وحتى الموضوعية، فإن إمكانيات الأدب العظيمة هي إلقاء ضوء على القصص المجهولة وفتح طرق جديدة للتفكير بالعالم.

ويبدو أن نقاد شبلي الألمان، يعيشون تحت فرشة دافئة من الخيال التاريخي. فهم متمسكون برؤية النشوء الإسرائيلية الطاهرة، وهي رؤية تم نقدها بشكل كامل من المؤرخين الفلسطينيين والإسرائيليين والذين يمكن الرجوع لأبحاثهم. ويبدو أن لديهم اعتقاد ضمني بأن إنشاء إسرائيل هو نفي لجرائم أجدادهم.

ويقول الكاتب: “كألماني، فإنني أستطيع الارتباط بهذا الوهم، ومع ذلك، فهذا لا يمحو العنف التاريخي أو يجعل من السرديات الأدبية أقل شرعية”. وأكثر من هذا، فإن نقاد شبلي لم يهتموا بأن نقدهم القوي يتردد صداه مع تفكير اليمين المتطرف والقومية الإثنية التي تحكم إسرائيل اليوم، والتي يحاول أفرادها إما التقليل من النكبة أو نفيها.

ويؤكد الكاتب: “في الحقيقة، فإنني أشك بفهمهم للتضاريس التي يتحركون فيها، وهي التضاريس التي يُنظر فيها للأصوات الفلسطينية بأنها مزعجة وليست إثراء للخطاب. وفي غياب التعاطف من جانبهم، فإن هؤلاء النقاد يدافعون عن مبدأ غير معياري والذي يمنع التسامح مع منظور آخر”. وبحسب بيان الجمعية المنظمة، فإن القرار اتُخذ بالتشاور مع الكاتبة، ولكن الأخيرة وضّحت أن القرار تم بدون موافقتها.

وفي بيانها، قالت عدنية شبلي إنها لم تكن لتستخدم المناسبة للتأمل في الوضع الحالي، وهو ما يجعل قرار اللجنة مثيرا للغضب.

وبسبب بطء ألمانيا في تقديم منبر للأصوات الإسرائيلية والفلسطينية، ظلت النقاشات في ألمانيا حول الموضوع مختزلة.

ويقول الكاتب: “كألماني، فإننا لا نستطيع التخلي عن الخطاب التعددي”. وفي رسالة وقّع عليها 350 كاتبا منهم حائزون على جائزة نوبل، وبّخوا فيها معرض فرانكفورت للكتاب، بسبب إسكات الأصوات الفلسطينية، وقالوا: “هذه مسؤوليتهم لفتح مساحة للكتّاب الفلسطينيين لكي يشاركوا أفكارهم ومشاعرهم وتأملاتهم”.

وتخبرنا حالة عدنية شبلي شيئا واحدا، هو أن الجهل الاستعراضي وتجنب موضوع إسرائيل- فلسطين لن يساعدنا على تجاهل السؤال الأصعب حول تواريخ عائلاتنا للأبد، ولن يمنع معاداة السامية اليوم.

كان هذا صحيحا قبل “جرائم حماس الشنيعة” في 7 أكتوبر، وهو صحيح قبل أن تتولى الحكومة الحالية المتطرفة في إسرائيل، وفق رأي الكاتب.

ويقول إنه “لو استمرت ألمانيا في رفض إشراك الأصوات الفلسطينية والإسرائيلية بالمجتمع، فإنها تسير نحو الهامشية الثقافية وفقدان الأهمية”.