نشرت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” مقالاً لدويل ماكمانوس، الذي عمل، ولأربعين سنة، مراسلاً لها في واشنطن والشرق الأوسط، وأماكن أخرى، قال فيه إن “هدف إسرائيل هو تغيير النظام في غزة، أين سمعنا بهذا من قبل؟”.
قال ماكمانوس إنه منذ سيطرة “حماس” على قطاع غزة، شنت إسرائيل عمليات عسكرية متقطعة من أجل إحكام الغطاء على الحركة الفلسطينية المتشددة. فعندما أطلقت “حماس” الصواريخ على المدن الإسرائيلية، ردّت إسرائيل بقصف القطاع جواً، أو أرسلت قواتها البرية، ثم تفاوضت على وقف إطلاق النار. ولم يكن الهدف الإطاحة بـ “حماس”، لأنه مكلف.
كان الهدف هو التحكّم بها. وأطلق العسكريون الإسرائيليون على العمليات العسكرية المتقطعة بأنها مثل “قص العشب”. لكن عملية قص الأعشاب توقفت في الأسبوع الماضي. فالهجوم المباغت، يوم السبت الماضي، على المدن الإسرائيلية أدى برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لكي يتبنى خطة طموحة، وهي تغيبر النظام. وقال: “سندمّر حماس”. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري: “سنسحق حماس” وقدرتها على العمل بسيادة، و”لا نستطيع العيش مع هذا الحكم”.
ولكي تطيح بـ “حماس” من القطاع يبدو أن إسرائيل تجهز لغزو بري ساحق، وفرضت الحصار، وشنت غارات جوية عقابية، وحثت المدنيين الفلسطينيين على إخلاء المناطق الشمالية، ثلث القطاع. لكن العملية العسكرية هذه ستكون صعبة ومكلفة، فقد كانت “حماس” تعرف أن عمليتها العسكرية ستدفع لرد انتقامي. وقضت الحركة سنين وهي تبني تحصينات دفاعية وأنفاقاً، وتحضّر مصائد، وتدرّبت على قتال الشوارع. وقدّرَ عسكريون إسرائيليون أن تفكيك حركة “حماس” وقدراتها العسكرية قد يحتاج ما بين شهرين إلى ستة أشهر من القتال. وربما أدت الحملة لخسائر كبيرة في الأرواح، فإلى جانب المقاتلين سيكون هناك آلاف من المدنيين.
وقد قتلت الغارات الجوية قبل الهجوم أكثر من ألفي فلسطيني في غزة. وحذرت الأمم المتحدة من الهجوم البري، وأنه سيؤدي إلى تداعيات إنسانية مدمرة. وحتى لو نجحت إسرائيل بالإطاحة بحركة “حماس”، فإنها ستواجه نفس المعضلة التي اعترف بها الأمريكيون بعد غزوهم للعراق عام 2003: من سيدير غزة؟ ومن سيحرس الشوارع، ويتأكد من عدم عودة “حماس” مرة ثانية في المنطقة الفقيرة التي خسر فيها الناس عائلاتهم وبيوتهم؟ لا يوجد جواب واضح.
ومشكلة غزة أن لا أحد يريدها باستثناء “حماس”، ولا تريد إسرائيل احتلالها، وقد انسحبت منها عام 2005، ومصر التي تتاخم القطاع في الجنوب لا تريده. وحتى السلطة الوطنية الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية المحتلة وتعارض “حماس”، قد لا ترغب بالسيطرة عليها، على الأقل في الوقت الحالي، وعلى متن الدبابات الإسرائيلية.
في استطلاع أجراه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في تموز/يوليو، وجد أن 70% من سكان غزة يفضّلون العيش في ظل السلطة، وليس “حماس”. وليس من الواضح أن السلطة مؤهلة للوظيفة، ففي الضفة الغربية، يُنظَر إليها كفاسدة، ولم يسمح زعيمها البالغ من العمر 87 عاماً بعقد انتخابات منذ 17 عاماً.
ويتهم المعارضون لنتنياهو بأن الأخير قام، وعن قصد، بإضعاف السلطة، وسَمح بتوسّع المستوطنات، وحافظ على مصلحة مؤقتة مع “حماس” في غزة. واقترح إسرائيليون أن مرحلة ما بعد “حماس” ستبدأ بقوات حفظ سلام مؤقتة، تقدّمها مصر والدول العربية. ولكن القوة هذه بحاجة لطلب إسرائيلي من هذه الدول، إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية المساعدة في الترتيبات. وربما طلبت بعض الدول العربية ثمناً للمهمة من خلال تقديم إسرائيل تنازلات، كوقف الاستيطان، وغير ذلك من التنازلات للفلسطينيين، مقابل المهمة الصعبة.
كل هذا يعيد إلى البداية، فالمواجهة الإسرائيلية- الفلسطينية تتدهور منذ 15 عاماً. فقد فشلت إستراتيجية “قص العشب” الإسرائيلية ليس لأن “حماس” مكرسة لتدمير إسرائيل، بل لأنها حصلت على عدد كبير من المقاتلين الذين لم يروا أيّ مستقبل.
وفي لقاء وزير الخارجية أنطوني بلينكن مع نتنياهو، الأسبوع الماضي، أكد على دعم أمريكا غير المشروط لإسرائيل، لكنه ذكر بأهمية البحث عن رؤية بديلة عن العنف والخوف والعدمية والإرهاب الذي تمثله “حماس”. ولم يرد نتنياهو، حيث ركز على التحضير للعملية العسكرية، فالوقت ليس الحديث عن السلام، ولكنه لن يدوم طويلاً، إن كان الرد الدائم هو قص العشب.