أكدت صحيفة “هآرتس” العبرية اليوم الأحد، ما قاله قيادي فلسطيني في رام الله حول اندفاع السعودية نحو التطبيع مع إسرائيل دون التمسك بمبادرتها للسلام، والتي تحوّلت إلى مبادرة عربية بعد القمة العربية في بيروت عام 2002.
بخلاف ما جاء في صحف سعودية أمس السبت حول التزام الرياض بالمبادرة العريبة، وبأنها متأنية وليست مستعجلة من أمرها، تنقل “هآرتس” اليوم عن ثلاثة مصادر في الشرق الأوسط مطلعة على المداولات السرية، قولها إن السعودية مصمّمة على نيل تحالف عسكري مع الولايات المتحدة مقابل تطبيع مع إسرائيل، حتى لو لم تقدّم هذه الأخيرة “تنازلات” للفلسطينيين.
وتشير “هآرتس” أيضا لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن التي قال فيها إن شروط الفلسطينيين في “الاتفاق” مع السعودية وإسرائيل جوهرية جدا، وأنها ستدفع بخطوات نحو تسوية الدولتين. موضحا أنه بالنسبة لإدارة جو بايدن، يجب أن يشمل الاتفاق تقدما نحو هذه التسوية.
وتابع بلينكن: “التطبيع بين السعودية وإسرائيل قادر على خلق واقع أفضل في الشرق الأوسط، ولكن ليس على حساب الموضوع الفلسطيني أو بدلا منه”.
كذلك قال جون كيربي، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، إن كل الأطراف المتداخلة في المداولات بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، ستضطر للاتفاق على تنازلات وتسويات من أجل التوصّل لاتفاق.
لكن في المقابل، تنقل “هآرتس” عن المصادر الشرق أوسطية الثلاثة المطلعة على الاتصالات السرّية، قولها إن المطالب الفلسطينية لن تحقق طموحات الفلسطينيين بالدولة المستقلة والسيادة الواسعة، وسيضطرون للاكتفاء بـ”تسهيل القيود الإسرائيلية”.
تعزيز الكينونة الفلسطينية
هذا ما أكده مصدر فلسطيني مطلع في رام الله لـ”القدس العربي” أمس السبت، موضحا أن الجانب الفلسطيني توافق مع السفير السعودي نايف السديري خلال لقاءاته مع القيادة الفلسطينية قبل أيام، على أن الفرصة الراهنة غير متاحة لاتفاق يقيم دولة فلسطينية، وأن الممكن هو تلبية طلبات تعزّز الكينونة السياسية الفلسطينية، وتُبقي فكرة “الدولتين” على قيد الحياة، وتلبية مطالب عينية تخفّف على الفلسطينيين وزر الاحتلال.
ونقل المصدر عن السفير السعودي قوله للقيادة الفلسطينية، إن السعودية في الظروف الحالية لا تستطيع أن تأتي بدولة فلسطينية، وأنه اقترح عليها تقديم سلة طلبات فلسطينية “واقعية” تحيي اتفاق أوسلو لحملها إلى الولايات المتحدة ومتابعتها من أجل تحقيقها.
ويوضح المصدر أن السلطة الفلسطينية متفهّمة للموقف السعودي، وقررت استخلاص العبر من تجربة تطبيع الإمارات والبحرين، والانتقال من الرفض الجارف، إلى المشاركة في الاتفاق المحتمل مع السعودية من أجل تحسين أحوالها، وتوسيع وتعزيز سيادتها ومناعتها.
وطبقا للمصدر، قدّم الجانب الفلسطيني 14 مطلبا تدعو لتطبيق اتفاق بنود أوسلو المعلّقة وأهمها: بناء مطار فلسطيني، سيادة فلسطينية كاملة على المنطقة “أ”، تطبيق “النبضة الثالثة” من الانسحابات الإسرائيلية في المنطقة “ج” والبالغة 13% من مساحتها، فتح اتفاق باريس الاقتصادي والإفراج عن العائدات المالية المستحقة للفلسطينيين والبالغة اليوم نحو 800 مليون دولار، تطبيق اتفاق المعابر الحدودية مع الأردن بتثبيت رجال أمن فلسطينيين فيها، وقف الإجراءات الإسرائيلية الأحادية كالاستيطان وغيره.
وقال المصدر الفلسطيني إن السلطة تراهن على أن تلبية هذه المطالب من شأنها تعزيز الكيان السياسي الفلسطيني، والاحتفاظ بحل الدولتين، وإحياء اتفاق أوسلو، وإفشال مخطط أوساط إسرائيلية حكومية تعمل من أجل انهيار السلطة الفلسطينية. وقال أيضا إن الجانب الفلسطيني قبل بالموقف السعودي الداعي لإرجاء المبادرة العربية للسلام في هذه المرحلة، لعدم وجود شريك لها في الجانب الإسرائيلي.
يذكر أن هناك تسريبات متواصلة تفيد بتحفظ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من الشق الأمني في المفاوضات، بما يشمل مطالب الرياض بالحصول على دعم أمريكي لتطوير برنامج نووي مدني على الأراضي السعودية، علاوة على تحفظ بعض الوزراء المتشددين تجاه أي “تنازلات” للفلسطينيين.
ولكن حتى الآن يلتزم المسؤولون في قيادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الصمت، ويتحاشون التعليق على التقدم نحو الاتفاق مع السعودية، لحساسية الموضوع، رغم عدم وجود أي تغيير في موقفها المعارض بشكل منهجي لمشروع نووي خاص يشمل تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية خوفا من عدم الاستقرار فيها، ومن احتمال تبدل نظام الحكم وظهور حكام جدد معادين لإسرائيل.
ويشكك المسؤولون الأمنيون في إسرائيل، بقدرة الولايات المتحدة على ضمان بقاء تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية في نطاقه المدني، وألّا يعرض إسرائيل للخطر. ويؤكدون ضرورة عدم اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن، إلا بعد إجراء دراسات مستفيضة معمقة حيال هذه المسألة.