عن تراجع القضية الفلسطينية عربياً..محمد ياغي

الجمعة 29 سبتمبر 2023 01:57 م / بتوقيت القدس +2GMT



لقد بدأت القضية الفلسطينية بالتراجع عربياً منذ أن قرر الرئيس السادات عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، والخروج من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي قبل أكثر من أربعة عقود.
جبهة الصمود والتصدي التي تشكلت بعد هذا الحدث، ما لبثت أن انهارت بعد أن قرر العراق بقيادة صدام حسين أن أولوياته هي مُحاربة إيران لدرء خطر الثورة الإسلامية القادم منها.
الانتفاضة الفلسطينية الأولى حافظت على الإجماع العربي بشأن القضية الفلسطينية، لكن موقف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الملتبس من مسألة احتلال الكويت والاحتلال بحد ذاته الذي قامت به دولة عربية لدولة عربية أخرى، أضعف إلى حد بعيد التضامن العربي الرسمي مع القضية الفلسطينية.
لكن كل ذلك لم يفتح الطريق أمام التطبيع الرسمي مع إسرائيل رغم قيام منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيع اتفاقيات أوسلو.
الدولة الوحيدة التي رأت أن «أصحاب القضية» قد «طبعوا علاقاتهم» بإسرائيل وأن لها بالتالي نفس الحق في القيام بذلك هي الأردن لحسابات خاصة بها شبيهة بالحسابات المصرية وهي استعادة أراضيها المحتلة والحصول على دعم مالي أميركي.
هذه الأحداث بالتأكيد مهدت الطريق لانضمام دول أخرى لمسار التطبيع مع إسرائيل، لكن الدول العربية، خصوصاً تلك البعيدة عن الصراع، لم ترَ أن لها مصلحة في التطبيع مع إسرائيل خصوصاً أن الرأي العام العربي بشكل عام ضد التطبيع.
الذي تغير حقيقة وفتح مسار التطبيع بشكل واسع هو الصراعات الأهلية التي حدثت في العالم العربي بعد الاحتجاجات الشعبية العام ٢٠١١ والتي أعقبتها ضغوط أميركية في عهد الرئيس ترامب على العديد من الدول العربية والإسلامية للقيام بالتطبيع مع إسرائيل مصحوبة بمغريات اقتصادية وسياسية.
الانهيار الذي حصل في العديد من الدول العربية لم يُبقِ منها غير دول محدودة جداً تقف على قدميها: الدولة، بمعنى النظام السياسي هنا، في سورية واليمن وليبيا والسودان والعراق دُمرت فعلياً ولم يعد لها وزن في القرار العربي أو الدولي وهي بالكثير لاعب من بين لاعبين كُثر في دولها.
بالمثل، لبنان ومصر في غرفة العناية الاقتصادية المُركزة، أما تونس فتعاني من صراع داخلي وأزمة اقتصادية تطحنها، والجزائر لم تتمكن بعد عقدين من الزمن من الحرب الأهلية فيها من العودة للعب دور محوري في العالم العربي.
الدول العربية الناجية من الحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية الخانقة التي تقتلها أصبحت أكثر عُرضة للضغوط الأميركية والغربية دون أن يكون لها عُمق قومي رسمي تستند إليه لمقاومة هذه الضغوط، وعندما تكون الضغوط مصحوبة برزم من المُغريات، يُصبح التطبيع ممكناً، لأن الدولة في نهاية المطاف، وظيفتها حماية نفسها ومصالحها.
يبقى أن نقول هنا، إن الضغوط الأميركية على ما تبقى مما يمكن أن يقال عنه «الدول العربية» بدأت لأسباب داخليه أميركية ولا علاقة لها بمصالح أميركا الاستراتيجية.
الرئيس ترامب بدأ هذه الضغوط لإثبات أن ولاءه لإسرائيل أكثر من ولاء منافسيه الديمقراطيين حتى يكسب تأييد المسيحيين المتدينين الداعمين لإسرائيل في الانتخابات، أما الرئيس بايدن، فقد اكتشف متأخراً أنه بحاجة إلى «نصر سياسي» يساعده في انتخابات العام ٢٠٢٤.
لكن السؤال الفعلي في مسألة التطبيع هو: ماذا يُقدم أو يُؤخر للقضية الفلسطينية إن أقامت أو لم تُقِم جميع الدول العربية علاقات سياسية مع إسرائيل؟
القضية الفلسطينية فقدت الدعم العربي الفعلي لها منذ العام ١٩٩٠ عندما احتل العراق الكويت. ما أعقب ذلك العام لم يتعد مطالبة النظام العربي الرسمي للمجتمع الدولي بحماية الشعب الفلسطيني وبتطبيق حل الدولتين.
كل من يراجع خطابات الزعماء العرب في الأمم المتحدة من العام ١٩٩٠ إلى العام ٢٠٢٣ يُدرك أن هذا هو الحد الأقصى الذي يمكن الحصول عليه من النظام العربي الرسمي عندما كان يتمتع بالقليل من العافية، وهو لن يحصل على أكثر من ذلك بعدما أصابه الوهن والمرض.  
وهذه المطالبات تتم من الدول التي لم تُقِم علاقات مع إسرائيل ومن تلك الدول التي قامت بعقد اتفاقيات تطبيع معها.
بهذا المعنى لا فرق بين من طبع أو لم يُطبع مع إسرائيل من العرب من جهة ما يُقَدم للشعب الفلسطيني من تضامن سياسي.
وبهذا المعنى أيضاً، يجب أن يكون هنالك إجماع فلسطيني على أن قضيتهم لا حل لها إلا من خلالهم أنفسهم.
لا يُمكن لأحد أن يفرض عليهم التنازل عن حقهم في إقامة دولتهم على الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ العام ١٩٦٧ بما فيها القدس العربية. ولا يُمكن لأحد أن يمنعهم من مقاومة الاحتلال. ولا يمكن لأحد أن يفرض عليهم شيئاً لا يريدونه.
هذا هو جوهر الموضوع، وهذا ما يجب أن يُدركه الشعب الفلسطيني وقياداته، وما يجب التركيز عليه.
من السهل أن نخدع أنفسنا بالقول إننا «خُذلنا» لتبرير أي تنازلات نقدمها، لكن إذا كنا صادقين مع أنفسنا فإننا نعلم يقينا أن حل الصراع في نهاية المطاف مرتبط بنا وبحجم التضحيات التي سندفعها في هذا الطريق.