في عام 2001، لم يكن اللقاء بالزعيم الليبي معمر القذافي سهلاً، لا من حيث حساسية الموضوع ولا أسلوب وطريقة طرحه، ولكن كان علينا أن نغامر ونُصرَّ على زيارة عرينه والتعرف عليه في قصره وجهاً لوجه.
بعد ثلاث سنوات من اللقاءات التي بدأنها في أواخر عام 1998، والتي كنا نجريها سرَّاً أنا وصديقي الأستاذ عبد الرحمن (أبو أحمد)؛ أحد أعمدة العمل الإسلامي في أمريكا، في العديد من العواصم الغربية بين قيادات من الجماعة الإسلامية الليبية في أمريكا وأوروبا ووزراء وشخصيات اعتبارية تابعة لنظام القذافي، جاءت اللحظة التي كان علينا أن نختبر فيها صدقيِّة النظام بالمثول أمام الزعيم ومخاطبته مباشرة في قصره بالعزيزية.
وفعلاً؛ كان الزعيم زعيماً، وكان اللقاء الذي تحقق فيه كلّ ما طلبناه، فالقذافي لم يكن بالصورة الفظَّة والمنفِّرة التي رسمها الإعلام الغربي له.. استقبلني في قصره مع صديقي من واشنطن الأستاذ عبد الرحمن (أبو أحمد)، وجلسنا نتبادل معه الحديث قرابة الساعة، كانت كافية لأن نتعارف ونقول له من نحن، ثم نعرض عليه ما توصلنا له في ملف المصالحة، وما الذي نأمل إنجازه قبل مغادرة طرابلس، ثم أخذنا الحديث باتجاه مشروع الرؤية لدى الإسلاميين، وإمكانيات أن يتحقق ذلك إذا ما توفرت القدرات المالية، وأبدى العقيد عن جاهزية ليبيا لاحتضان كل ما يتطلبه هذا المشروع من كلفة وميزانيات مالية ولوجستية. ووعدناه أن نناقش هذا الموضوع مع إخواننا في مستويات قيادية أعلى ثم نعود إليه بالجواب بعد شهرين؛ أيّ مع احتفالات الفاتح من سبتمبر 2001.
إن كلَّ ما طلبناه في ذلك اللقاء كان مُجاباً، وشعرت أنني أمام رجل يعتز بانتمائه الإسلامي؛ بل ويجد في نفسه مؤهلات الزعامة والرؤية لقيادة الأمة أفضل من غيره من الزعماء والقادة.. في الحقيقة، كانت الانطباعات التي خرجنا بها أنه لو وجد البطانة الخيَّرة حوله ربما لكان مسار التاريخ في ليبيا قد مضى باتجاهات بعيدة عن بعض ما شاهدنا من مظالم وشكاوى حملها الناس إلينا.
قبل أن نغادر القصر، طلبنا من العقيد القذافي تسهيل مهمتنا باللقاء بعدد من قيادات الجماعة الإسلامية داخل سجن (بو سليم)، لوضعهمفي صورة ما تمَّ الاتفاق عليه مع الجهات الرسمية، وما توصلنا له من تفاهمات لإطلاق سراحهم عبر جهود الوساطة التي نتحرك بها. وقد تحقق ذلك.
كيف بدأت حكاية هذا اللقاء مع العقيد القذافي، وطول المسافة التي قطعناها منذ الاجتماع الأول في واشنطن أواخر عام 1998، مع رئيس الوزراء الليبي السابق أبو زيد عمر دوردة، والذي كان لقاؤنا به في ذلك الوقت فاتحة لوساطة أخذتنا إلى نيويورك وجنيف ولندن وطرابلس.. وفي عام 2001، كان هناك في العزيزية وضع النقاط على كلِّ الحروف مع الزعيم الليبي (رحمه الله).
في واشنطن كان اللقاء الأول، والذي جمعنا مع بعض الأصدقاء من الإسلاميين على سهرة عشاء مع رئيس الوزراء الليبي الأسبق "أبو زيد عمر دردة"، والذي كان يشغل – آنذاك - منصب الممثل الدائم للبعثة الليبية في الأمم المتحدة، فكان هذا اللقاء بمثابة أول قناة حوار لتناول موضوع المعارضة الليبية في الخارج، وإيجاد آفاق حلول للخلاف بينها وبين نظام القذافي.. تواصلت بعد هذه الجلسة اللقاءات في نيويورك قرابة نصف العام، ثم انتقلنا إلى جنيف، حيث شارك للمرة الأولى أطراف من المعارضة الإسلامية جاءت من كندا وألمانيا، كما شاركنا اللقاء أيضاً السفير الليبي في سويسرا. قطعنا شوطاً لا بأس به من المفاوضات في جنيف، ثم كان الاتفاق أن ننتقل للحوار في بريطانيا، لاستدعاء قيادات على مستوى أرفع،ويمكنها اتخاذ قرارات إذا استدعت الضرورة ذلك.
في لقاء لندن كان حجم المشاركة من جهة المعارضة الإسلامية على مستوى الصف الأول، وقد حضر إلى جانب أبو زيد دوردة السفير الليبي في بريطانيا محمد الزوي؛ وهو أحد رجالات الثورة الليبية ومن الدائرة المقربة للعقيد القذافي. كان هذا اللقاء هو الأهم؛ لأن من سينقل فحوى تلك اللقاءات للزعيم الليبي هو السفير الزوي، وهو من سيأتي بالجواب حول مستقبل الخطوة القادمة، وهي نقل الحوار إلى داخل ليبيا.
في يوليو 2001، جاءت اللحظة التي انتظرناها طويلاً لنشد الرحال إلى ليبيا، وذلك للمشاركة في المؤتمر السنوي لمنظمة الدعوة الإسلامية العالمية، التي يرأسها د. محمد أحمد الشريف؛ وهو من رجالات الرعيل الأول من الإخوان في ليبيا، والذي استقبلنا بحفاوة بالغة، حيث كان مطلعاً على مبادرتنا في موضوع الوساطة، وقد بارك ما نقوم به من جهود في هذا المجال. كان لنا أيضاً لقاء مع عدد من الوزراء المهتمين بملف المصالحة من بينهم وزير التربية والتعليم، ووزير الإعلام -آنذاك– عبد الرحمن شلغم، والعقيد التهامي خالد؛ رئيس قسم مكافحة الزندقة، حيث تحدثنا عما هو مطلوب عند عودتنا إلى أمريكا من أجل إنجاح هذه الجهود.
كان اللقاء بالقذافي بعد عدة أيام من انتهاء المؤتمر، حيث كان يتوجب علينا أن نلتقي رئيس قسم التشريفات "نوري المسماري"، لترتيب موعد وطريقة اللقاء. كنت أقيم أنا وصديقي (أبو أحمد) طوال فترة مكوثنا في ليبيا بفندق المهاري على شاطئ البحر، وكان هناك طاقم من دائرة المراسيم يتولى مهمة الترفيه والسياحة، وإشغالنا طوال فترة الإقامة بزيارة الكثير من المناطق الأثرية التي تعود لعهد الفينيقيين والرومان في صبراتة ولبدة الكبرى وغيرها من الأماكن التاريخية. لم تكن المدة التي قضيناها في ليبيا والتي قاربت الأسبوعين فيها شيء من الملل، فلقد كانت هناك الكثير من التسهيلات لتحركاتنا للقيام بزيارة العديد من المؤسسات، والتعرف على نظام الحكم ورجالاته هناك.
اتصل بنا رئيس قسم التشريفات في الصباح، وطلب منَّا أن نتجهز؛ لأن سيارة الرئاسة ستأتي لاصطحابنا إلى قصر العزيزية للقاء العقيد القذافي. دخلنا إلى قاعة انتظار صغيرة في القصر لبعض الوقت، ثم انتقلنا للغرفة المجاورة الفسيحة، والتي تغطي جدرانها مكتبة كبيرة، حيث كان العقيد جالساً على مكتبه ومعه الأستاذ بشير صالح؛ مدير مكتبه، والرجل الذي قاد المفاوضات أبو زيد دردة. كانت بداية الجلسة بالتعارف، ثم كان الحوار وما تمخض عنه قرارات، حيث وعدنا القذافي بإطلاق سراح جميع سجناء الرأي خلال احتفالات الفاتح من سبتمبر القادم، وطي صفحة الخلافات وفتح الباب لعلاقات جديدة تقوم على التفاهم والحوار والعمل المشترك.
جاءت الأحداث المأساوية في 11 سبتمبر، والتي استهداف فيها برجي التجارة الدوليين في نيويورك ومقر البنتاغون بالعاصمة الأمريكية لتخلط الأوراق، وتنسف الاتفاق إلى حين.
في الحقيقة، بدأ النظام الليبي المصالحة مع الإسلاميين قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 بسنتين، وكانت هناك توجهات داخل أروقة السلطة تتحدث عن ضرورة إيجاد آلية لفتح حوار مع المعارضة، التي كانت تشكل حالة قلق للنظام بسبب توظيفها لوسائل الإعلام الغربية للتشهير بالنظام، وإحراجه في دوائر ومؤسسات حقوق الإنسان والحريات في العالم، وذلك بسبب كثرة الانتهاكات في ليبيا، وقد ارتأى بعض المخلصين داخل النظام أنه لابدَّ من وضع حدٍّ لهذه القطيعة؛ باعتبار أن الكثير من الطلبة الليبيين المتابعين للدراسة في الخارج قد فضلوا عدم العودة إلى بلدهم بسبب ما كان يثار حول قضية التجاوزات والتعديات على حقوق المواطنين، وخاصة في أوساط المثقفين، والتي تمارسها الأجهزة الأمنية المسماة باللجان الثورية.
عندما جاء العقيد معمر القذافي إلى السلطة في الفاتح سبتمبر 1969، كان يعتقد بأن الثورة قد أعطت الليبيين كافة الحقوق، وكفلت لهم كامل الحريات السياسية، ووضعت نظاماً ديمقراطياً يسمح للجميع بتوجيه انتقاداتهم للمؤتمرات الشعبية، باعتبار أنها منابر مفتوحة ولا حاجة هناك لأحزاب سياسية أو تنظيمات سرية، فاللجان الشعبية في نظر العقيد معمر القذافي هي الحزب الأوسع للجميع، وبإمكان كل مواطن أن يعبر عن مطالبه من خلالها، وبالتالي فمن تحزب خان.
الإشكالية كما هي العادة في العالم العربي هي تغول هذه المؤسسات، وتحول النظام في إطار عملها إلى نظام أشبه بالديكتاتوري، وهذا الذي دفع البعض للتفكير بالعمل في تنظيمات سرية بعضها ظهر وواجه النظام، مثل جبهة الإنقاذ بقيادة "محمد المقريف"، وهو إسلامي ودبلوماسي سابق، كان له حضور تنظيمي داخل وخارج ليبيا، وكذلك الجماعة الإسلامية المقاتلة، والتي حاولت اغتيال القذافي في أكثر من مناسبة، إضافة إلى نشأة عدة حركات إسلامية ووطنية بين الطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وكما هو معلوم في البلاد العربية أن أجهزة الأمن هي التي تحكم بشكل أو بآخر، لذلك فقد أوحت أجهزة الأمن الليبية إلى العقيد معمر القذافي -الذي ينظر إلى نفسه كثائر إسلامي- أن هذه التنظيمات تشكل خطراً على حكمه وعلى ثورته، فحصلت اعتقالات تحت ذريعة القوانين التي تُجرِّم الحزبية، وقد استمرت هذه الأجهزة في ملاحقة ومطاردة القوى الإسلامية إلى أواخر التسعينيات، حيث تكاثر سجناء الرأي في المعتقلات، وبدأت تقارير المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان توجه انتقادات لاذعة لنظام القذافي. ومن هنا، بدأت بعض القوى الوطنية المخلصة في ليبيا في التحرك، وأخذ الزمام في التعامل مع ملفات القوى الإسلامية بدلاً من الأجهزة الأمنية، واستطاعت إقناع العقيد القذافي بالانفتاح على هذه التيارات.
في 1998 حدثت اعتقالات واسعة في ليبيا على إثر محاولة لاغتيال العقيد معمر القذافي، حيث قامت بها بعض العناصر العائدة من أفغانستان، وخلال تلك الاعتقالات التي شنتها أجهزة الأمن الليبية تمَّ اكتشاف الجماعة الإسلامية؛ الاسم الحركي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، حيث تم اعتقال 153 شخصاً، أغلبهم شخصيات تكنوقراطية من أساتذة جامعيين وطلبة ومهندسين، لذلك أطلقت المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان على هذه القضية اسم " قضية الدكاترة " أو " المهنيين". لكن التحقيقات الأمنية كشفت أن هؤلاء ليس لهم أي نيَّات للقيام بعمل مسلح داخل ليبيا، واقتصرت أنشطتهم في معظمها على الدعوة والعمل الخيري.
بعد سنة من هذه الحادثة، تصادف أن حضرت إلى العاصمة الأمريكية واشنطن إحدى الشخصيات الليبية المرموقة، والتي تتمتع باحترام كبير داخل ليبيا، وهو السيد " أبو زيد دردة"؛ وكان رئيساً سابقاً للوزراء، ثم عين مندوباً دائماً لليبيا في الأمم المتحدة، وفي زيارته تلك للعاصمة واشنطن للمشاركة في ندوة حول ليبيا التقيناه هناك، ودعوناه للعشاء معنا.
خلال سهرة العشاء، كان هناك عدد من شباب الحركة الإسلامية الليبية، ودار بيننا حديث حول ليبيا والظلم الذي لحق بالشباب الإسلامي هناك، وحاولنا أن ندحض اتهامات النظام لهم بالتآمر، وذلك بما سبق وأن عرفناه عن هؤلاء الشباب، حيث كان الكثير منهم طلاباً معنا في الجامعات الأمريكية، وكان لهم الفضل الكبير في دعوة الأمريكيين إلى الإسلام، وفي تنشيط حركة بناء المساجد والمراكز الإسلامية.. كما كان معلوماً لدينا بأن هذه المجموعة من الليبيين من شباب الإخوان المسلمين ليست لها تطلعات للتغيير عن طريق استخدام القوة، إلا أن ممارسة بعض العناصر الإسلامية العائدة من أفغانستان جعلت النظام يضع الجميع في سلة واحدة، وبدون تفريق بين مشروع كل منهما، وقد تفهم أبو زيد هذه القضية، ووعد بمواصلة الحوار حول هذا الملف. وجمعتنا بعد ذك عدة لقاءات بمكتبه في نيويورك، وبحضور شخصيات سياسية أخرى، لبدء حوار مع المعارضة الإسلامية على أن نكون نحن وسطاء هذا الحوار.
فعلاً؛ تمت عدة لقاءات بعد ذلك في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي جنيف بسويسرا، وبالعاصمة البريطانية لندن، حيث أخذ الطرفان في التعرُّف كل منهما إلى الآخر، وبناء أرضية للتفاهم والمصارحة، ثم وضع الأسس التي يمكن من خلالها تحقيق المصالحة.
لقد تطلب استكمال هذا الملف السفر إلى ليبيا ومقابلة العقيد معمر القذافي، وزيارة قيادات الحركة الإسلامية الليبية في السجون، وتمَّ ذلك في شهر يوليو من عام2001، وقد أبدى العقيد القذافي تفهماً كبيراً، وكانت كلماته مشجعة، ووعد بالإفراج عن هؤلاء الشباب، خاصة بعد التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية، وما توصلت إليه من عدم وجود أي أسلحة أو أي مظاهر عنف لدى هذه الحركة أو أي تطلعات لاستعمال العنف.
لقد تمَّ الاتفاق مع النظام الليبي –آنذاك- أن تتم محاكمتهم بجريرة تشكيل تنظيم سياسي غير مسموح به طبقاً للقوانين الليبية، التي تمنع تشكيل أحزاب سياسية، وبعد صدور الحكم ضدهم يصدر العقيد القذافي؛ قائد الثورة الليبية، عفواً عاماً مع انطلاقة الاحتفالات بثورة الفاتح من سبتمبر.. وكبادرة لإظهار حسن النية، قام النظام بالإفراج عن 66 شخصاً من هؤلاء الشباب يوم 1 سبتمبر2001.
بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر من نفس الشهر، وبعد الاتهامات التي وجهتها أمريكا إلى الليبيين بالإرهاب بسبب وجود الكثير منهم في أفغانستان، غيَّر النظام استراتيجيته، وقرر الاحتفاظ بما تبقى من هؤلاء الشباب في السجون ليحاجج بهم الولايات المتحدة الأمريكية، على أساس أن ليبيا هي أيضاً ضحية للإرهاب، وأن لديها معتقلين إسلاميين. لذلك، وفي فبراير 2002، صدرت أحكام تعسفية في حق الإخوان المسلمين الليبيين المعتقلين، وصلت إلى حدِّ الإعدام في حق شخصين، والمؤبد لـ 73 شخصاً، وهذه الأحكام شكلت صدمة للجنة الوساطة التي كانت تدير ملف المصالحة، وقد كتبت حينها مقالاً مطولاً مندداً بتلك الأحكام الجائرة بعنوان "هل يُعقل أن ينتهي الحوار بحبل المشنقة؟!"، وإن كان السيد "أبو زيد دردة" قد اتصل وأكد لنا أن هذه الأحكام مؤقتة، وسيتم إعادة النظر فيها.
كان من المنتظر أن تصدر محكمة الشعب حكمها في قضية الجماعة الإسلامية الليبية قبل الفاتح من سبتمبر 2001، ليتم العفو عنهم في هذا التاريخ، لكن هذا لم يتحقق لأسباب متعلقة بالمحكمة نفسها وبرمجتها لمختلف القضايا المطروحة عليها.
بعد أحداث سبتمبر 2001 الإرهابية، أصبحت تحركاتنا صعبة داخل وخارج الساحة الأمريكية، وانقطع التواصل بيننا بخصوص هذا الملف، وإن كانت تصلنا الأخبار عبر الإخوة الليبيين بأن الأمور هي في طريقها للحل النهائي.
بعد عام 2002، بدأت مرحلة جديدة، حيث دخل سيف الإسلام القذافي على خط المصالحة، وعمل على استكمال ما بدأناه من هذا الملف، وواصل الاتصالات بشكل مباشر مع قيادات هذه الجماعة في العاصمة البريطانية لندن، ونجح في التوصل معهم -في النهاية- إلى حلٍّ مرضٍ للطرفين، ووعدهم بقرب الإفراج عن هؤلاء الشباب، وفعلاً؛ تحقق ذلك في عام 2005.
ومن الجدير ذكره، أن تحركات الوساطة التي كنت أقوم بها كانت قيادة الحركة على علم بكل تفاصيلها، وكذلك الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ راشد الغنوشي والشيخ محفوظ نحناح (رحمه الله) والأستاذ على البيانوني.
كان المخطط بحسب اتفاقنا مع القيادة الليبية هو القيام بالجهد نفسه مع النظام في سوريا، حيث كانت علاقة العقيد القذافي قوية بالنظام هناك، لكن –للأسف– ما جرى في سبتمبر 2001 أجهض أحلامنا في تحقيق ذلك.
باختصار: كان القذافي في ذلك الوقت في نظر الكثيرين بمثابة الفرعون، وكان لا بدَّ من طرق بابه وترويضه، وكان علينا أن نتودد إليه بالقول اللين لكي نمنع إعدام هؤلاء الشباب من الإخوان. لم تكن المهمة سهلة، ولكنها كانت تجربة أخرى في حياتي تعلمت منها الكثير.