يرى وزير المالية في حكومة الاحتلال، المستوطن باتسلئيل سموتريتش بقتل المدنيين الفلسطينيين، حتى لو كانوا أطفالاً، أمراً مشروعاً، وذلك ضمن نظرية “حسم الصراع” التي تتضمن التهجير والانتقام.
هذا ما يؤكده تحقيق نشره الموقع الصحافي الاستقصائي الإسرائيلي المستقل “شومريم” حول رئيس حزب “الصهيونية الدينية” الوزير بتسلئيل سموتريتش، تولى ترجمته الباحث هشام نفاع من مركز “مدار”.
وجاء في التحقيق أنه بعد أسابيع قليلة على إقرار الحكومة قانون إلغاء حجّة المعقولية، رغم المعارضة الشعبية غير المسبوقة التي يمر بها الإسرائيليون على نطاق واسع، أطلق الوزير بتسلئيل سموتريتش حملة “حوار الإخوة”. وبحسب قوله، فإن حزبه “يشرع في عملية لتقريب القلوب”، عبر حلقات الحوار في المجتمع الإسرائيلي، لأنه “حان الوقت لرأب الصدع”.
سموتريتش سياسي يحسب خطواته بعناية، والتحليل الشامل لعقيدته الأيديولوجية يقدم رؤية انقلابية واضحة تتضمن الكثير من الشريعة الدينية، والقليل جداً من الحوار، ففي مواجهة العلمانية، يقدم “موقفاً يسعى إلى التغيير”. فهو قال عن المدارس الحكومية: “الأطفال سطحيون ومرتبكون ومغسولو الدماغ، تقدميون ويفتقرون إلى الهوية الوطنية والشخصية والجندرية”.
وعن جهاز القضاء يقول: “نريد إعادة قانون التوراة إلى مكانه”.
“من لا يريد، إما أن يرحل أو سنراه في المهداف”
عندما يتعلق الأمر بالصراع مع الفلسطينيين، يردّد سموتريتش عبارات أشبه باللّازمة التي تكرر نفسها على طول الطريق، أولها هو أن الافتراض بأن الإرهاب ينبع من اليأس هو افتراض خاطئ. في مقال لمجلة “هشيلوح”، العام 2017، بعد عامين من دخوله الساحة السياسية، قدّمَ سموتريتش ما أسماه “خطة الحسم”، وكتبَ أن “الإرهاب ينبع من الأمل في إضعافنا”، وبالتالي “أي حل يجب أن يقوم على بتر الطموح لتحقيق الأمل القومي العربي بين الأردن والبحر.. هذا الأمر سيستغرق وقتاً، لأننا عزّزنا بحماقتنا الوهم لدى العرب بأنهم سيتمكّنون من إقامة دولة لهم هنا”.
أما عبارات اللّازمة الأخرى التي يستخدمها سموتريتش فهي عادةً: “لا يوجد شيء اسمه “دولتان لشعبين” و”أرض إسرائيل” لنا وما هو لنا لا يمكن سرقته”، ولازمة أخرى تعكس بوضوح سعيه إلى دولة واحدة أو تنفيذ ترانسفير. ففي العام 2015، قال، في خطاب ألقاه أمام الهيئة العامة للكنيست: “توجد هنا دولة واحدة فقط، دولة يهودية، ولن تقوم إلى جانبها أبداً دولة فلسطينية. من يريد العيش معنا أهلاً وسهلاً، أما من لا يريد فإما أن يرحل، أو سنراه في المهداف” (مهداف البنادق). وبعد مرور عام، كتب على “تويتر” قائلاً: “كل ما تبقى الآن هو الانتقال من الأقوال إلى الأفعال: إطفاء الأضواء في السلطة الفلسطينية، وفرض السيادة، والقيام بكل ما ستفعله أية دولة مستقلة تحترم نفسها”.
ويوضح التحقيق أنه إذا عدنا إلى رؤية سموتريتش السياسية الأمنية بالنسبة للفلسطينيين، كما عبّر عنها في مقال لـ”هشيلوح”، فمن السهل أن نحدد في بنودها فكرة “حسم الصراع بدلاً من الاستمرار في إدارته”؛ “من يريد ويستطيع التخلي عن تحقيق طموحاته الوطنية، يمكنه البقاء هنا والعيش كفرد في الدولة اليهودية. ستكون هذه حياة تشمل معظم الحقوق الديموقراطية”. وهو يؤكد أن نيته هي إعطاء حق التصويت للمجالس البلدية، ولكن ليس للكنيست (“المشاركة في القرارات المدنية، خلافاً للقرارات القومية”) ويوضح أن “هذا سيحافظ على الأغلبية اليهودية في صنع القرار في إسرائيل”، وأنه “على المدى الطويل سيتسنى تحسين العنصر الديموقراطي في الخطة من خلال تسوية مع الأردن يمكن في إطارها لعرب الضفة الغربية التصويت للبرلمان الأردني أما المواطنة الكاملة سيُنظر فيها بموازاة الولاء المطلق والخدمة العسكرية”.
فصل عنصري
وحسب التحقيق يرفض سموتريتش، في مقاله المذكور، الادعاء القائل إن التسوية التي يقترحها تحوّل إسرائيل إلى دولة فصل عنصري، أبارتهايد، ويزعم: “هناك، على الأكثر، عنصر مفقود في سلة الحريات، أو إذا شئنا: نقص في الوضوح الديموقراطي. نظام الحرية لا يبدأ وينتهي بالحق في الترشيح والانتخاب”، كما يشرح. و”يتساذج” لاحقاً زاعماً أن الدولة أصلاً “تنقل التركيز على الديموقراطية من المعنى البسيط لـ “حكم الأغلبية”، الذي يُشتق منه حق الترشيح والانتخاب ويشكل وسيلة لممارسته، إلى نظام القيم والحقوق. لسبب ما، في السياق الفلسطيني بالذات، فجأة يريدون التمسك بآلية الترشيح والانتخاب التقنية”.
فكرة التهجير والترانسفير
أما فكرة الترانسفير الطوعي فيسميها سموتريتش بـ”تشجيع الهجرة”، موضحاً أن “من لا يريد، أو لا يستطيع أن يطرح طموحاته الوطنية جانباً، سينال منا مساعدة للهجرة إلى إحدى الدول العربية، أو إلى أية وجهة أخرى في العالم”. ليست هذه هجرة على متن قوارب متهالكة، بل إنها ظاهرة حديثة للهجرة على متن طائرة نحو مستقبل منظم. “ريلوكيشن” إلى الدول التي توفر فرصة لمستقبل أفضل، واستيعاب في بيئة تشمل على الأغلب مجتمع مهاجرين من خلفية مشابهة. و”يمكن للدولة، بل ويجدر بها، أن تكون سخيّة نحو العرب الذين يفضلون العيش في دول أخرى، وأن تقدّم لهم منحة تشكّل من ناحيتها منحة فراق”.
وماذا بشأن الفلسطينيين الذين لن يقبلوا الاختيار ما بين الفصل العنصري- الأبارتهايد وبين الترانسفير الطوعي؟ لا يمكن في هذا الصدد لسموتريتش إلا أن يكون أكثر وضوحاً: “أولئك الذين يتعنّتون بشأن استخدام العنف… ستتم معالجتهم والتعاطي معهم بحزم من قبل قوات الأمن بقوة أكبر مما نقوم به اليوم، وفي ظل ظروف مريحة أكثر بالنسبة لنا… حين توفّر توجيه سياسي حاسم لا لبس فيه، عرف الجيش الإسرائيلي كيف يلحق الهزيمة بالإرهابيين خلال وقت قصير. قتل من يجب قتلهم، وجمع الأسلحة حتى الرصاصة الأخيرة، وإعادة الأمن إلى مواطني إسرائيل”.
ويستذكر التحقيق أنه في مقابلة أدلى بها لمجلة “ليبرال” في العام 2018، أشار سموتريتش أيضاً إلى قطاع غزة، الذي انسحبت منه قوات الجيش الإسرائيلي في إطار خطة فك الارتباط، صيف 2005، وأدرجه في خطة الحسم المُشار إليها أعلاه: “غزة هي جزء من “أرض إسرائيل”وحتى لو كانت ذات يوم فلسطين، فلم تكن من الناحية الأيديولوجية، يجب المكوث هناك من الناحية العملية. لقد كانت حالهم أفضل في ظل الاحتلال”. في منشور على صفحته في فيسبوك، في الفترة نفسها، اقترح “احتلالاً كاملاً للقطاع… تقليص عدد السكان من خلال توزيع وإعادة تأهيل اللاجئين في الدول العربية أو في أوروبا.. وإعادة إنشاء استيطان إسرائيلي مجيد، يمكنه إلى جانب سوق العمل داخل إسرائيل، أن يسمح لأولئك الذين يختارون العيش تحت الحكم الإسرائيلي، بكسب الرزق والعيش بكرامة”.
أخلاقيات الحرب: “يجب محو حوارة”
إن فهم مبادئ “خطة الحسم” يجعل من التصريحات الأخيرة لهذا السياسي، وخصوصاً تلك المتعلقة بقرية حوّارة، أكثر وضوحاً. بعد مقتل المستوطنين الأخوين هيلل ويغئال يانيف في عمليّة، قال سموتريتش في مؤتمر جريدة “ذي ماركر” الاقتصادية: “أعتقد أنه يجب محو قرية حوارة، وأعتقد أن إسرائيل يجب أن تفعل ذلك، وليس، لا سمح الله، أفراد عاديون”. كانت تفوّهاته هذه في الواقع تفسيراً لتسجيل إعجابه على موقع تويتر بما كتبه هناك نائب رئيس المجلس الإقليمي شومرون، دافيد بن تسيون، الذي كتب قبل ساعات قليلة من اندلاع البوغروم في القرية: “قرية حوّارة يجب أن تُمحى اليوم… ليس هناك مكان للرحمة”. لقد تم حذف تغريدة بن تسيون منذ ذلك الحين، لكن ما زال يتم تداولها على شبكة الإنترنت”.
ويستذكر التحقيق إن سموتريتش موديل 2023 هو وزير المالية في إسرائيل، ووزير إضافي في وزارة الأمن، وعضو بارز في حكومة بنيامين نتنياهو السادسة. جوبهت أقواله عن حوارة بإدانة شديدة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، وحتى أن المسؤولين في الحكومة الأمريكية قاطعوا زيارته إلى الولايات المتحدة بعد فترة غير طويلة من ذلك. أما من جانبه، فقد سارع سموتريتش إلى التلفزيون وحاول التقليل من الأضرار، وقال: “إن من يستطيع أن ينسب إليّ نية لمحو القرية فهذا منوط بعقله المهووس. أما القصد من ذلك فهو أن نكون أكثر مبادرة واستباقية وهجوميّة في الحرب ضد الإرهاب لأن الناس هنا يُقتلون. لربما أن الكلام قد قيل خلال ثورة من المشاعر، لقد تعثّرت بلساني”. لكن الحقيقة أن سموتريتش لم يفشل في كلماته بالضبط، إذ سبق له أن استخدم عبارة “محو” في آذار 2019، عندما تم إطلاق صواريخ من قطاع غزة على تل أبيب. وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: “أردت أن أكتب أنه يجب على نتنياهو أن يمحو الليلة 20 مبنى تابعاً لحماس في غزة “. وتابع: “أردت أن أكتب أن هذه هي الطريقة التي يتم بها استعادة الردع. ولكن عندها توقفت لأنه كان يجب القيام بذلك منذ أن تم إطلاق الصواريخ في اتجاه الجنوب. لذا، فليُسَوَّ بالأرض الليلة عشرون مبنى، فقط إذا التزم أنه من اليوم فصاعداً سيكون حُكم سديروت نفسه مثل حُكم تل أبيب”.
تدفيع الثمن
في كل ما يتعلق بالعمليات المسلّحة في المناطق الفلسطينية، وعمليات “تدفيع الثمن” والعمليات الإرهابية اليهودية، يتبنى سموتريتش عادة مفهوماً إضافياً يسمح له بالقفز ما بين التبرير والإدانة- الانتقام. وبهذه الطريقة يمكنه عدم تبرير الأعمال الإرهابية اليهودية من ناحية، ولا وصف المعتدين بالإرهابيين، من ناحية أخرى. فمثلاً، كتب في منشور عشية ذكرى الهولوكوست العام 2016: “صحيح أن الانتقام هو بالفعل قيمة مهمة وأخلاقية، لكن تم إيداعها في أيدي الدولة وفي أيدي القانون. إنها ليست بملكية الفرد”، وذلك على خلفية الهجوم الإرهابي على قرية دوما، والذي جرى فيه إحراق بيت عائلة دوابشة على أهله وساكنيه، وقتل الصبي محمد أبو خضير قبل ذلك بعام. وأضاف: “لو أن دولة إسرائيل لم تقم بحذف كلمة الانتقام من قاموسها، تحت تأثير الأخلاق المسيحية المشوهة، وقامت بذلك بطرق مشروعة ورادعة للعدو، لما كنا سنواجه هذه الحالات الصعبة لأفراد عاديين يأخذون القانون والانتقام ويطبقونه بأيديهم”. يشار إلى أنه حتى قبل ذلك، نُشرت مراسلة داخلية عبر الواتساب كتب فيها سموتريتش: “إن الحادث في دوما، بالرغم من كل خطورته، ليس حادثاً إرهابياً”.
“علينا تصحيح التشوّه”
وطبقاً للتحقيق، فإن شكل سلوك وأداء جيش الاحتلال في المناطق الفلسطينية هو موضوع يشغل سموتريتش جداً، والأمثلة على تفوّهاته في هذا الصدد تكاد لا تنتهي. إذ أعلن من على منبر الكنيست في شباط 2016: “شاركوا وانشروا أخلاقيات الحرب الحقيقية. إن الإرهابي الذي يخرج لقتل يهودي، لكونه يهودياً، مهما كان عمره، لا يعود حياً أبداً. نقطة. هذه أولى أبجديات الأخلاق”.
أما عن اعتقال الفتاة عهد التميمي، التي صفعت جندياً في قرية النبي صالح في آذار 2018، فقد كتب على تويتر: “أنا حزين فعلاً لأنها في الاعتقال. أعتقد أنه كان يجب أن تتلقى رصاصة ما، على الأقل في مفصل ركبتها. كان من شأن ذلك أن يضعها تحت الإقامة الجبرية مدى الحياة”. بعد هذا المنشور أغلق موقع تويتر حساب سموتريتش لمدة 12 ساعة”.
وأخيراً في هذا الشأن، من الصعب تجاهل تعاطي سموتريتش مع قضية إليئور أزاريا، وخصوصاً ذلك الذي جاء بعد رفض استئناف الجندي الذي أدين بقتل فلسطيني جريح في الخليل، قبل سنوات، وحكم عليه بالسجن لمدة 18 شهراً، داعياً للعفو عنه ولمسح هذا العار”.