لم يكن سهلا الوصول لنائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس ومسؤول ملف الضفة الغربية الشيخ صالح العاروري لاجراء مقابلة تلفزيونية معه لشاشة “الميادين”، خاصة ان اللقاء به جاءت مباشرة بعد تفويض الكابينت الإسرائيلي كلا من نتنياهو ويواف غالانت لا تخاذ إجراءات ضد المقاومة في الضفة وقد وضع الاثنان وأجهزة استخباراتهم ووسائلهم اعلامهم الشيخ العاروري كهدف للاغتيال، وبدأ التحريض ضده باعتباره المسؤول الأول عن تصاعد العمليات ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية.
نجح العاروري واخوته في الحركة في جعل المقاومة الفلسطينية في الضفة تنهض من جديد بعد حقبة من السبات او التدجين بالوصف الإسرائيلي. ليس هذا فحسب بل نجحوا في الحفاظ على وتيرة زخم العمليات ونوعيتها وانتشارها، ونقلها من شمال الضفة الى جنوبها. رغم الإجراءات الأمنية والخطط العسكرية الإسرائيلية المعتمدة على احدث الأنظمة في هذا المجال وفق تفوق تكنولوجي وعسكري واستخباري قل نظيره في المنطقة برمتها.
أجريت سابقا وخلال السنوات عدة حوارات تلفزيونية مع الشيخ “صالح العاروري” لصالح قناة “الميادين”، أهمها عندما كان يقود جهود المصالحة مع حركة فتح، وقد صنع خرقا واضحا في جدار الخلافات بين الحركتين بالتعاون وبناء الثقة مع القطب الفتحاوي الجنرال “جبريل الرجوب”. وقد تمكنا في “الميادين” من جمع الرجلين في ساعة تلفزيونية واحدة مثلت نموذجا فريدا في تقديم الرؤى المشتركة وإدارة الخلافات بمسؤولية وطنية ارتقت الى مستوى تطلعات الشعب الفلسطيني وما كان ينتظره الجهور من النخبة الفلسطينية في تعاملها ومعالجتها للاختلافات وسبل تجاوزها، قدم العاروري والرجوب في تلك الحصة التلفزيونية القصيرة صورة جديدة عبر الميادين ابتعدت عن التشنج والانا الفصائلي واحتكار الحقيقة والاتهامات وتسجيل النقاط. تلك لغة طبعت مشهد شاشات الاعلام العربي لفترة من الزمن. كان فيها التراشق الإعلامي والصراع بين فتح وحماس في الاعلام جزء من معركة الانقسام الفلسطيني المخيب لآمال شعب يرزح تحت الاحتلال. ويسجل لقناة “الميادين” انها ومبكرا وفي ذروة الخلافات نبذت من خطها التحريري بل جرمت ان يتقاتل الاخوة على الهواء مباشرة وان تكون الشاشة منبرا للتراشق الإعلامي الفلسطيني. نظرا لخصوصية ومركزية القضية الفلسطينية وكل قوى المقاومة الفلسطينية.
في الحوار الأخير مع الشيخ صالح العاروري في “الميادين” والذي عرض الثلاثاء الماضي كان واضحا في ان توجه العاروري معه حماس نحو نبذ القطيعة مع فتح، وحتى السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس هو نهج ثابت لحماس وليس مجرد هدنة. وقد كان ذكيا جدا في اشارته الى ان حكومة غزة جزء من الحكومة المركزية في رام الله بل ذهب للكشف عن ان مقرات الحكومة في غزة تضع صورة الرئيس أبو مازن في دوائرها ومكاتبها.
لن اتحدث هنا عما شاهده الجمهور ورصده الاعلام الإسرائيلي بتفاصيله في المقابلة مع العاروري، وقد كانت مواقف نارية تنسجم مع تحديات وسخونة يشهدها الوضع الفلسطيني، حيث يقترب الصراع من لحظة مصيرية غاية في الأهمية والخطورة. انما ما سأحاول عرضه هنا هو كواليس ذاك الحوار وما وراء كاميرات التلفزيون.
انطباعي العام من اللحظة التي التقيت بها الشيخ صالح، ان الرجل في غاية الارتياح للنتائج التي وصلت اليها المقاومة الفلسطينية سواء في غزة او الضفة. وقد كشف قبل ان نتوجه للجلوس امام كاميرات التصوير انه تابع كل ما قيل عنه والتهديدات والتحريض في قنوات التلفزة الإسرائيلية وقد كان يشاهدها مباشرة ولم تنقل اليه كملخص ما بعد العرض. وما بعد اللقاء كان لنا حديث بدأه الشيخ صالح بان كل ما ذكره في اللقاء كان الحقيقة القائمة على الأرض، ولم يكن مجرد حرب نفسيه او رسائل للعدو كرد على نوياه تنفيذ عملية لاغتياله. تحدث الشيخ عن دور جنود الخفاء في الاجنحة العسكرية. وحرص على القول انه جزء من حركة كبيرة وفيها مجاهدون ومن قدموا التضحية ودوره ليس الا دورا مكملا لتلك الجهود.
وعندما سألته عن سبب تحميل قادة الاحتلال لغرة مسؤولية اعمال المقاومة في الضفة أشار العاروري الا ان غزة فاعلة في دعم وتصعيد المقاومة في الضفة، معتبرا ان الساحة واحدة. وان إسرائيل تعرف دور المقاومة في غزة في تفعيل المقاومة في الضفة.
يؤكد العاروري في كواليس الحوار ان سيطرة المستوطنين على المسجد الأقصى تعني الحرب حتما، وان حركة حماس لن تردد ولن تفكر في فتح المعركة الشاملة في اللحظة التي يعلن فيها الاحتلال السيطرة على المسجد الأقصى المبارك، وهذا كما يؤكد الشيخ الصالح ينطبق على حزب الله، الذي سيكون معنا صفا واحدا في المعركة. لدى الشيخ صالح تصورات كاملة لمجريات تلك الحرب، وحساباتها الدقيقة. وربما ليس من الحكمة التحدث بها هنا.
تحدث العاروري عن لقائه مع وفد الحركة بالرئيس أبو مازن ولثلاث ساعات في تركية، واعتبر ان هذا اللقاء كان ضروري لوضع أبو مازن في صورة وحقيقة ما تفكر به حركة حماس، وتبديد أي هواجس لدى أبو مازن من نشاط الحركة في الضفة، وقال ان اللقاء مع الرئيس عباس كان صريحا جدا وتحدثنا معه بكل الملفات. ويشير العاروري الى دور تركية في احتضان حركة حماس ومنع إسرائيل بشكل صارم من استهداف قادة الحركة على الأرض التركية. لكنه بذات الوقت هذا لا ينفي نشاط المخابرات الإسرائيلية في تركية لجمع المعلومات عن قادة حركة حماس في تركية حسب الشيخ الصالح.
كما تحدث عن العلاقة مع الحلفاء ايران وحزب الله، يؤمن العاروري ان هذا الحلف هو لصالح الامة كلها، وان ايران قدمت للشعب الفلسطيني الكثير ليس فقط على المستوى العسكري، بل هي في صلب المساعدة والعون في قضايا إنسانية ملحة لدعم صمود الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة. في هذا الجانب أي الشق الإنساني من الواضح ان حركة حماس توليه اهتماما خاصة عائلات الشهداء والجرحى والأسرى.
وربما من اهم ما سمعته من الشيخ صالح حول نظرة حركة حماس للساحة الفلسطينية، يقول الرجل اننا في مرحلة تحرر وطني ولسنا في مرحلة تحديد هوية الدولة المحررة، لذلك نحرص على التواصل والعلاقة مع كل الشخصيات الفلسطينية التي تؤمن بخط المقاومة مهما كانت توجهاتها الايدولوجية.
كانت احدى التحفظات الشخصية لي على أداء حركة حماس هو تقوقعها ضمن الدائرة الإسلامية امام شعب فيه من كل المشارب الفكرية والاتجاهات السياسية. وكنت مؤمن دوما ان أي حركة تحرر او حزب يخوض صراعا مع الاحتلال، يحتاج الى اجنحة في فضاءات الإعلام والفن والثقافة لا تكون منحصرة او مقتصرة على الايدولوجيا التي يتبناها. خاض العاروري في هذا الجانب وشرحه بشكل مفصل. وقد سعدت ان هذا الاتجاه من التفكير واضح لدى احد اهم قادة الحركة.
تحدث الشيخ صالح عن حركة فتح تماما مثلما تحدث عنها امام الكاميرات، يؤكد الرجل على احترامه لتاريخ فتح والمناضلين فيها، ويؤمن ان الشراكة والتواصل مع فتح يجب ان يكون نهجا ثابتا وان لا يعطى الاحتلال أي فرصة لاحداث قطيعة او حالة عداء بين تيارات الشعب الفلسطيني.
الحوار مع الشيخ صالح كان فرصة ضرورية بالنسبة لي كصحفي للاقتراب اكثر من صورة المشهد الفلسطيني الراهن. ونعتقد ان الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تغتال القادة دون حساب قد ولى وصالح العاروري الشخص والنموذج لا يجب ان يكون عرضة للتصفية، بل يجب على الامة كلها ان تحمي هذا النموذج، وان تكون كل بيوت العرب والمسلمين مفتوحة للعاروري واخوته في المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
كاتب واعلامي فلسطيني