شــرعــيــتـــــان..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 22 أغسطس 2023 03:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
شــرعــيــتـــــان..مهند عبد الحميد



يملك الشعب الفلسطيني الحق الطبيعي والمشروع في التحرر والاستقلال، في الوقت الذي تعرض ويتعرض فيه هذا الحق للإنكار والتشكيك والتلاعب الإسرائيلي، باستخدام أيديولوجيا دينية تغطي على الجوهر الاستعماري للمشروع الصهيوني. وتستبدل القانون الدولي بوعد إلهي.
ويصطدم الحق الفلسطيني في الوقت نفسه بعملية منهجية استعمارية هدفها تقويض مقومات ذلك الحق على الأرض، وشطبه من الأجندة الإقليمية والدولية، وقطع الطريق على الحل السياسي العادل.
إن إعادة تعريف الحق الفلسطيني المشروع وتبيان ركائزه وعناصر قوته وحاجة الشعب الفلسطيني المتعاظمة لترجمته وتطبيقه تطرح أهمية وضعه في مركز الاهتمام الفلسطيني، والتقاط  كل تطور عالمي إيجابي داعم لهذا الحق، وتجاوز كل سلب وفي مقدمة ذلك الهذيان الإسرائيلي المدعّم بغطرسة القوة حيث يسعى قادة إسرائيل إلى صناعة وقائع قادرة على شطب الحق الفلسطيني المشروع في وطن حر.  
لحسن الحظ، لم يتمكن المشروع الاستعماري الصهيوني من شطب الشعب الفلسطيني بالإبادة والطرد الكاملين من وطنه التاريخي، عبر عملية التطهير العرقي التي ارتكبت في أعوام 47 و48، 49 وكان التهجير في حرب العام 67 جزئياً. فقد بقي جزء أساسي من الشعب الفلسطيني في أرض وطنه (مناطق 48 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة)، وشيئاً فشيئاً أصبح وجود الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية متقارباً في العدد من الوجود الإسرائيلي.  
هذا الواقع ما عاد من الممكن تجاهله أو إنكاره أو التخلص منه كاملاً بعملية تطهير عرقي جديدة في القرن الـ 21.
فرغم وجود برامج وتوجهات وخطط معلنة وصامتة للترانسفير والتطهير العرقي الداخلي إلا أن عملاً بمستوى طرد وإبادة وتشريد ملايين الفلسطينيين هو عمل شاذ ويتنافر مع أخلاقيات البشرية. ولأن تداعيات أعمال تطهير جديدة ستعيد طرح شرعية دولة ترتكب جريمة بهذا المستوى الوحشي على بساط البحث، كما أن تعايش شعوب المنطقة مع دولة ترتكب التطهير العرقي سيكون متعذراً، وسيكون محط تساؤل أخلاقي لدى شعوب العالم.
لذا يمكن القول إن زمن إبادة شعب كامل وشطبه قد أصبح معقداً وشائكاً ومستبعداً إلى حد كبير.
البعض يقول إن ما جرى في سورية والعراق والبوسنة يقدم الدليل على استمرار خطر استئناف التطهير العرقي في فلسطين، لا سيما وأن الأيديولوجيا الدينية اليهودية تحث على فعل ذلك، وتوجد أحزاب ومنظمات سياسية عنصرية إسرائيلية تدعو صراحة إلى "الترانسفير" الطرد.
إن استئناف وتنفيذ اقتلاع وطرد ملايين الفلسطينيين أصبح يندرج في خانة الاستثناء كونه يفتقد إلى كل المبررات التي ساقها قادة المشروع الصهيوني بعد الهولوكوست، ويفتقد تحديداً إلى حاضنة دولية وإقليمية.
عنصر القوة الآخر يتمثل في أن الشعب الفلسطيني يمتلك حقاً مشروعاً معترفاً به من قبل الأمم المتحدة ومؤسساتها، هو الحق في تقرير مصيره وإقامة دولته على جزء من وطنه التاريخي، بل إن أكثرية مطلقة من دول العالم هي 137 دولة اعترفت وتعترف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة وكعضو في عشرات المؤسسات والعهود والاتفاقات الدولية.
هذا القرار جاء امتداداً لقرارات سابقة كقرار 181 العام 1947 الذي أقر بوجود دولة فلسطينية على 43 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية وقرار 194 الذي نص على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وقرار 273 الذي اشترط قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة  بقبولها دون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وتعهدها بتطبيقها وبتطبيق قرار التقسيم رقم 181 وقرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين رقم 194.
التعريف الإسرائيلي للقانون الدولي و"الشرعية الإسرائيلية" يقتصر على العهد الاستعماري البائد كوعد بلفور وصك الانتداب المتناقضين مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي جملة وتفصيلاً.
ورغم التحولات الهائلة ظل العهد الاستعماري البائد وشرعيته حاضراً عبر عملية خلط وتلاعب إسرائيلية تحت شعار معاداة السامية وبفعل الدعم والتماهي الأميركي مع الشرعية  الإسرائيلية المستمدة من وعد بلفور والأيديولوجية الاستعمارية.
في مواجهة الخلط والتعويم الأميركي الإسرائيلي للشرعيات، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 30 كانون الأول 2022 بأكثرية 87 صوتاً على مشروع قرار يدعو إلى إحالة الاحتلال الإسرائيلي المزمن للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس إلى محكمة العدل الدولية للبت في طبيعته.
ومن المرجح أن يصدر عن المحكمة رأي قانوني يفيد بأن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي ويدعو إلى إنهائه.
إن نزع الشرعية وإزالة كل التباس وغموض عن الاحتلال يجعل ادعاء نتنياهو ودولة إسرائيل "بأن الشعب اليهودي ليس محتلاً لأرضه ولعاصمته" فرية كبرى.
فمن المفترض تسمية نهب الموارد والسيطرة على شعب بالاسم الحقيقي له وهو نظام أبارتهايد استعماري.
كما أن إزالة الغموض المفتعل عن الاحتلال يجعل موقف الدول الـ 53 الممتنعة عن التصويت على مشروع القرار والدول الـ 26 الرافضة للقرار في موقع الإفلاس السياسي والقانوني والأخلاقي كونها لا تحترم القانون الدولي وتمضي في تأييدها وتواطئها مع دولة تحتل شعباً وتسيطر عليه بالقوة وترتكب بحقه جرائم حرب.
قرار الجمعية العامة بإعادة تعريف الاحتلال لا ينفصل عن اتهام منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، إسرائيل بممارسة الاضطهاد وسياسات الفصل العنصري في تقريرها الذي قال: "إن السلطات الإسرائيلية ترتكب الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد. تستند هذه النتائج إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة للإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية".  
ولا تنفصل إعادة تعريف الاحتلال عن نتائج تحقيق منظمة العفو الدولية – أمنستي – الذي قال بصريح العبارة، إن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها وكذلك ضد اللاجئين من أجل مصلحة اليهود الاسرائيليين ويرقى هذا النظام إلى مستوى الفصل العنصري الذي يحظره القانون الدولي.
التوقف عند حقيقة الاحتلال وأثره التدميري على الشعب الفلسطيني يترافق مع حراكات 200 مؤسسة ونقابة أميركية وتحالف مجتمع خالٍ من الأبارتهايد الذي يسعى لتثقيف المجتمع الأميركي حول الدمار الذي لحق بحياة الفلسطينيين تحت الاحتلال العسكري والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري.
حراك أميركي وأوروبي وفي مختلف أنحاء العالم ضد جرائم الفصل العنصري والاستعمار الإسرائيلي كان بدوره رداً على الغطاء والحماية التي توفرها الإدارة الأميركية ودول غربية أخرى للاحتلال.
إحياء الذكرى الـ75 للنكبة بقرار من الجمعية العامة ولأول مرة منذ العام 1948 جاء ليعزز الشرعية الفلسطينية ويزعزع الشرعية الإسرائيلية سياسياً ومعنوياً، فالانتقال من حالة إنكار وتجاهل النكبة إلى الاعتراف بالنكبة ينطوي على أن الشرعية الفلسطينية المستمدة من الوجود المادي والحق الطبيعي والقانون الدولي أفقدت الإنكار الإسرائيلي لذلك الوجود مسوغاته العديدة.... وللحديث بقية.