أعلنت الولايات المتحدة قبل عدة أيام أنها أرسلت ثلاثة آلاف جندي أميركي للبحر الأحمر على متن السفينتين الحربيتين يو إس إس باتان، ويو إس إس كارتر، وقالت إن الهدف من ذلك هو مرافقة السفن التجارية لمنع إيران من الاستيلاء عليها.
وكانت الولايات المتحدة قد أرسلت الغواصة النووية «فلوريدا» والقادرة على حمل ما يصل إلى ١٥٤ صاروخ توما هوك للانضمام للأسطول الخامس الأميركي في البحرين في نيسان الماضي.
الحشد العسكري في البحر الأحمر وبحر عمان والخليج العربي يوحي بأن الولايات المتحدة في طور التصعيد مع إيران، على الرغم من اتفاقها الأخير معها والذي تضمن الإفراج عن معتقلين أميركيين مقابل الإفراج عن معتقلين إيرانيين مضافاً له الإفراج عن أموال تملكها إيران لكنها محتجزة في كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الاقتصادية عليها.
تقول الولايات المتحدة إن إيران احتجزت أكثر من عشرين ناقلة تجارية خلال العامين الماضيين وهو رقم قد يكون صحيحاً حيث احتجزت إيران ناقلة نفط في الشهر الماضي قالت إنها كانت تقوم بأعمال التهريب. في نفس الشهر أعلنت أميركا أنها أحبطت محاولتين إيرانيتين للاستيلاء على سفينتين في خليج عُمان. وفي شهر أيار الماضي، استولت إيران على ناقلتي نفط إحداهما ترفع علم بنما والأخرى ترفع علم جزر مارشال.
احتجاز السفن التجارية هو سياسة إيرانية مرتبطة بالعقوبات الاقتصادية عليها والصدام بينها وبين الولايات حول هذه المسألة قديم، لكن ذلك لم يدفع الولايات المتحدة في السابق لإرسال الآلاف من الجنود والغواصات للمنطقة.
على العكس من ذلك شهدت الأعوام السابقة، على الرغم من التصعيد الإيراني في عهد الرئيس ترامب وبعده، تخفيضاً للوجود العسكري في المنطقة حيث سُحبت أنظمة دفاع استراتيجية منها، أُرسِل بعضها إلى حيث التركيز الأميركي الاستراتيجي في المحيطين الهندي والهادي على الصين.
ما الذي تغير إذا حتى تعيد الولايات المتحدة تركيزها على المنطقة وهل هي فعلياً جادة في الصدام مع إيران؟
الذي تغير هو الخوف الأميركي من النفوذين الصيني والروسي في المنطقة.
الصين وقعت على شراكة استراتيجية مع السعودية في شهر كانون الأول الماضي، وبعد ذلك بأشهر قليلة تمكنت الصين من تخفيف حدة التوتر بين إيران والسعودية، وأعلنت الدولتان عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما وتفعيل اتفاقات أمنية كانت قد وُقعَت العام ٢٠٠١.
يضاف لذلك أن التنسيق السعودي الروسي فيما يتعلق بتخفيض إنتاج النفط للحفاظ على أسعار مربحة لكليهما أزعج الولايات المتحدة بسبب رغبتها أولاً في حصار روسيا، وثانياً لأنها كانت تأمل أن تقوم السعودية بتعويض ما خسره السوق العالمي من النفط الروسي بزيادة إنتاجها هي منه.
في التفكير الأميركي الاستراتيجي، دول المنطقة يمكن أن تدير ظهرها للولايات المتحدة بمرور الوقت، وهو ما سيضعف من إستراتيجيتها في مواجهة الصين وروسيا، والطريق الأفضل بالتالي هو إظهار استعدادها للتصعيد مع إيران وتوتير الأجواء في منطقة الخليج والبحر الأحمر وخليج عُمان حتى «تشعر» دول المنطقة بأهمية حاجتها للولايات المتحدة، وتضطر بالتالي للإبطاء من علاقاتها المتزايدة مع الصين وروسيا.
هذه الاستراتيجية لا تعني بالضرورة أن الولايات المتحدة ذاهبة باتجاه التصعيد مع إيران أو الحرب معها لأن الأسباب التي دفعت سابقاً الولايات المتحدة لتخفيف وجودها في المنطقة ما زالت قائمة.
أهم هذه الأسباب هو عدم رغبة الولايات المتحدة في خوض حروب جديدة في منطقة الشرق الأوسط تساهم فقط في تقوية خصومها على حسابها، ذلك أن الحرب مع إيران قد تتحول إلى حرب في عدة جبهات ترهق أميركا.
يضاف لذلك أن الصين وروسيا ستستغلان هذه الحرب فيما لو حدثت لإطالة أمدها، بالقدر الذي يستطيعان بهدف إضعاف الولايات المتحدة وإشغالها بعيداً عنهما.
بالتأكيد تريد أميركا ومن أجل مواجهتها القادمة مع الصين أن تكون لديها الكلمة العليا في المنطقة وهذا يتطلب علاقات أقوى مع دول المنطقة، لكنّ هنالك فرقاً بين التلويح باستخدام القوة ضد إيران وبين استخدامها فعلاً.
الولايات المتحدة لن تضحي بإستراتيجيتها الأكبر القائمة على التحضير لمواجهة الصين وإضعافها، من أجل مواجهة مع إيران، قد تستنزفها هي ولا تساهم في تعزيز استراتيجيتها تجاه الصين.
لهذا لا يبدو لي أن الولايات المتحدة جادة في مواجهة إيران، وأن ما تقوم به ليس أكثر من إرسال إيحاءات تريد منها أن تفهم دول المنطقة بأن أميركا جادة في مواجهة إيران، بينما الحقيقة هي أن شيئاً في استراتيجية ابتعادها عن المنطقة لصالح مواجهتها للصين في محيطها القريب (تايوان، اليابان، استراليا) لم يتغير.