خبر : ما أحوج البشرية إلى تعاليم محمد(ص)/ بقلم: للشيخ عبد العزيز عودة

الإثنين 14 ديسمبر 2009 03:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما أحوج البشرية إلى تعاليم محمد(ص)/ بقلم: للشيخ عبد العزيز عودة



يقول تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }. فالنبي قدوتنا وأسوتنا، وما ضل المسلمون إلا عندما بحثوا عن القدوة والأسوة في غير منهجه، وفي غير ما جاء به صلوات الله وسلامه عليه.  هو قدوتنا في طهارة القلب من الآثام، وفي طهارة العقل من الخرافات، فيوم مات ولده إبراهيم كسفت الشمس، فظن الناس أن هذا الحدث الكوني له علاقة بموت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن النبي رفض هذه الخواطر من الناس وصعد المنبر وقال أيها الناس: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فصلوا، وهذا حرص شديد من النبي الأعظم على أن يبقى العقل مستقيماً، وألا يضرب في أودية الظنون والأوهام والخرافات، وأن يلزم كل إنسان حده، فلا يرجم بالغيب.  وعندما استشهد الصحابي الجليل عثمان بن مظعون وكان من صالحي الصحابة، ودفنه النبي (صلى الله عليه وسلم) جاءت امرأة كانت تحسن الظن بعثمان فقالت: ابشر يا عثمان بالجنة فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  إليها قائلا، من المتأله على الله؟ ما يدريك لعله تحدث فيما لا يعنيه، فقالت والله لا أزكي أحدا بعده أبدا..  وفي معركة بدر عندما نزل بالمسلمين منزلاً تقدم إليه رجل من عامة الصحابة ويدعى الحباب ابن المنذر، من عامة المقاتلين معه فقال له يا رسول الله أهذا منزل أنزلك الله، فلا نتقدم عنه ولا نتأخر، أم انه الرأي والحرب والمكيدة؟.. لاحظ هنا انه كان باستطاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) عندئذ أن يمنع ان يعترض عليه أحد، كان باستطاعته أن ينهر هذا السائل عن السؤال لسببين: أن السؤال جاء في ارض المعركة، والتشاور والحوار في أرض المعركة يورث حالة من الاضطراب، والتشاور والحوار في أرض المعركة أمر يرفضه كل القادة العسكريين في كل جيوش العالم. والسبب الثاني أن معركة بدر كانت أول مواجهة عسكرية مع الكافرين، فكان يمكن للنبي (صلى الله عليه وسلم) أن ينهر الرجل وأن يمنعه من السؤال، باعتبار أن هذه المعركة أول معركة مع الكافرين، وللحفاظ على هيبة القيادة، وعلى هيبة الجيش وهيبة القرار... ورغم هذه التحفظات المقبولة عقلاً والمقبولة عرفاً، إلا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أجاب الرجل بصدق وقال: لا... بل هو الرأي والحرب والمكيدة.. (يعني قل رأيك ايها المواطن الصالح ولو خالف ما اخترته أنا النبي، إن حرية الرأي والتعبير مكفولة في الإسلام) فقال الحباب يا رسول الله هذا ليس بمنزل، انهض بنا إلى منزل أخر.  الزعامات الزائفة تحاول أن تنسب ربما أشياء غيبية لاجتهاداتها لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي جاء بالصدق وصدق به لا يقول إلا الحقيقة، هو قدوتنا في طهارة القلوب والنفوس من الآثام، وفي طهارة العقول من الخرافات، وفي ضبط السلوك على الصراط المستقيم وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ , {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ }. ومن يجعل النبي قدوته فعليه أن يجاهد نفسه على طريق النبي، فلا يكذب ولا يحقد ولا يفتن، ومن يتخذ النبي قدوته لا يكون كذاباً ولا فتاناً ولا يكون حاقداً. هناك عظماء عرفهم التاريخ، عظماء في الفلسفة، وعظماء في العلوم وفي السياسة وعظماء في الشئون العسكرية، لكن عندما تلقي نظرة على هؤلاء العظماء تجد أن كلا منهم قد  برزت عبقريته أو مواهبه في ناحية من النواحي، فالناس يمجدونه ويذكرونه يوم ميلاده أو يوم وفاته ثم يمضون، لكن نبينا (صلى الله عليه وسلم) أحاط بالعظمة وأحاطت به العظمة في كل دروب حياته، وفي كل مستويات سره وجهره.  وإياك -يا أخي- أن تغتر بمن يحذرون من الغلو في تعظيم النبي (صلى الله عليه وسلم) إن كل تعظيم، وإن كل توقير وتقدير هو أقل مما تستحقه قامة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) طالما لم تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة من نسبة الصفات الإلهية لبعض أنبيائهم، وكيف لا وقد مدحه القرآن{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }, أي مستوى سامق من الكمال المعنوي والروحي والمادي الخلقي يخاطبه القرآن: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)، (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) هل تستطيع لو عشت الدهر كله أن تضع يدك على هذا المعنى؟ما معنى فانك بأعيننا؟ انك تحس بهذا المعنى إحساساً، لكن عقلك وعقول الناس جميعا لم تحط بهذا المعنى { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } { وكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} دلوني على عظيم من العظماء يذكر كل يوم؟ نحن الذين نذكر عظيمنا وحبيبنا وزعيمنا وقدوتنا، كل يوم يذكر اسمه (صلى الله عليه وسلم) في كل أذان وفي كل إقامة صلاة وفي كل صلاة.  هل سألت نفسك وأنت تقول في كل صلاة "السلام عليك أيها النبي" بصيغة المخاطب الحي، تخاطبه (صلى الله عليه وسلم) لتؤكد انتمائك إليه، لتؤكد قيادته الروحية لك، وأنك فرد من هذه الأمة التي اهتدت على يديه وعلى نور تعاليمه... السلام عليك أيها النبي، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في كل أذان وفي كل صلاة، وهل تخلو الكرة الأرضية في لحظة من اللحظات من أذان أو صلاة؟ إن الكرة الأرضية لا تخلو في لحظة من اللحظات من أذان أو صلاة يذكر فيهما محمد (صلى الله عليه وسلم) أليس هذا تجسيداً وتصديقاً لقوله تعالى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }. وإن كان نبينا عربي المولد واللسان، إلا إن رسالته كالشمس ينتفع بضوئها ودفئها العالم كله، إن رسالته عالمية، إنه لم يأت لقبيلة دون قبيلة أو لشعب دون شعب، هذا ديننا وهذا نبينا  فلنعرف قدر ديننا، وقدر نبينا ولنعرف قدر رسالته التي أنيطت بأعناقنا {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}. نحن أتباع محمد هداة البشرية، كل ما ضلت رددناها إلى الصراط المستقيم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}, {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}. انظر إلى هذا الخطاب الإلهي الجميل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا} -  لقد جاء نبينا محمد لأهل الكتاب، وجاء للأميين، وجاء للبشر أجمعين { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} إنه كتاب كشاف للحقائق، إنه الهادي إلى الصراط المستقيم { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }.  {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }. الكتاب المبين هو القرآن، فمن هو النور؟  إن النورهو محمد  (صلى الله عليه وسلم) وما هي الغاية الإلهية لابتعاثه؟ {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ}, سبل السلام إي طرق الأمان ومناهج الاستقامة، وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور...ِ من ظلمات الجهل إلى نور العلم، من ظلمات الخرافة إلى نور الحقائق واليقين، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ , وهل تأملنا الغايات الثلاثة في رسالة (النبي صلى الله عليه وسلم) {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ , يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }. الإسلام دعوة عالمية للعالم كله، ونحن نقول في كل حين الحمد لله رب العالمين،  وما أحرى العالم أن يتأمل أطوار حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يدرس شخصيته وسيرته، أن يتدبر قرآنه وسنته، أن يتابع طريقه في بناء الأمة، كيف بني هذه الأمة، أن ينظر وأن يرى كيف استطاع بالإسلام أن يخرج أمة عاشت دهراً في أعماق الصحراء ويحول هذه الأمة إلى أرقي أمة على وجه الأرض خلال نصف قرن...   ان البشرية في حاجة إلى هدي نبينا، وإن القرآن الكريم لم يتخلف عن عصره.. اقرؤوا آيات القرآن، ماذا تجدون؟ آيات القرآن تتجاوب مع حقائق الكون ومع مقررات العلم، هل هناك في واقع الناس وفي حياتهم ما يتناقض مع ما جاء به القرآن من حقائق، إن الكون كتاب الله المنظور، وإن القرآن كتاب الله المقروء، إن آيات القرآن تتجاوب مع حقائق العلم، ومقرراته تعانق آيات الله الكونية التي بثها في هذا الكون  {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ } يدرك ذلك أولوا الألباب، فلنقرأ القرآن، ولنقف عند أدلته وبراهينه، إن أدلة القرآن تتفق وتساير منطق العقل، إنها مستقيمة مع منطق العقل، إن مطالب الإسلام متلاقية مع مطالب الفطرة السليمة، إن ديننا هو دين العقل ودين الفطرة، وهذا هو هدي محمد (صلى الله عليه وسلم) القرآن لم يتخلف عن عصرنا، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) ليس قصة تاريخية ثم انتهت ،إن تعاليمه الحاسمة ما زالت البشرية تحتاج إليها إلى يومنا هذا انظر ماذا يقول القرآن وهو يعلمنا ثقافة الاختلاف مع الآخر فلا عنف ولا تشدد ولا قتال، القرآن يقول للنبي {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} اي استمسك بوحيك واستمسك بدينك وعقيدتك ولا تتبع أهواءهم، ولكن ما هو موقف المسلم من المخالفين {وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }. هذا خطابنا للعالم، هذا خطابنا لمن يخالفنا، لا حجة بيننا وبينكم أي لا خصومة،. وربما حلا لبعضهم أن يقول هذه في سورة الشورى، وهذه آية مكية قبل نزول الجهاد والقتال ،لا يا أخي... هذا مبدأ من مبادئ الإسلام، الاعتراف بهذه الظواهر في الأديان والأفكار، ولذلك لم يختلف منطق القرآن المدني عن منطق القرآن المكي في هذه القضية،  ففي القرآن المدني من سورة البقرة يقول تعالى وهو يوجه النبي، {قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }. أين إعلان الحرب على الآخرين في هذه الآيات الكريمة؟ وهذه في سورة البقرة وهي مدنية!! فما أحوج البشرية اليوم إلى تعاليم محمد(صلى الله عليه وسلم) وما أحوجنا إلى الاستمساك والعمل بهديه