تواصل النيابة العامة، لليوم الثاني على التوالي أعمال مؤتمرها السنوي الحادي عشر بعنوان: "التعاون الدولي ودوره في تعزيز سيادة القانون"، برعاية رئيس دولة فلسطين محمود عباس.
واشتمل المؤتمر الذي تستمر أعماله ليوم غد السبت، بدعم من الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي، في يوم الثاني على ثلاث جلسات، ناقشت الأولى نظم العدالة الجنائية وتحديات التعاون الدولي، في حين ناقشت الثانية تحقيقات الجرائم الالكترونية، أما الجلسة الثالثة فكانت بعنوان "فعالية تبادل المعلومات".
وفي مستهل الجلسة الأولى، قال رئيس وكالة "اليوروجست" لاديسلاف همران في مداخلته بعنوان "التعاون القضائي في القرن الحادي والعشرين"، إن الجريمة المنظمة أصبحت عالمية وأكثر تعقيدا، خاصة في ظل استخدام التكنولوجيا الجديدة والرموز المشفرة، والوصول للأموال الكثيرة التي يستطيعون من خلالها شراء خدمات المحامين والمحاسبين.
وأشار إلى وجود اتفاقيات ثنائية وإقليمية جرى تبنيها على مستوى الأمم المتحدة، لكنها بحاجة لتطوير وتحسين، وإعادة النظر في العمل والتعاون القضائي بشكل عام، وضرورة العمل المشترك والتجاوب السريع لمثل هذه الجرائم.
ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبي تبنى عدة إجراءات لتحسين القضاء وجعله أسرع، وهناك تواصل مباشر بين السلطات القضائية، وتم الاستعاضة عن العملية الطويلة في تسليم المجرمين بعدة أيام، وهناك فرق تحقيق مشتركة تقوم بجمع المعلومات واستخدامها كأدلة في هذه الجرائم، كما أن هناك قضاة سياسيين في الاتحاد قرروا تأسيس مركز للتعاون في الأمور الجنائية.
وشدد همران على الحاجة للعمل مع مؤسسات خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، والحوار بين الدول والقضاة وأعضاء النيابة، لافتا إلى أن منظمة اليوروجست قامت بدعم 11 ألف تحقيق وقضية تأتي من دول مختلفة، من أجل تعزيز التعاون المشترك بين كافة الدول.
من جانبه، قدم اليساندور سيموني من جامعة فرنسا، في مداخلته بعنوان "النماذج والاتجاهات المتبعة في نظم الادعاء العام الأوروبية"، لمحة عن الدراسات الحديثة في مجالات القانون الدولي، الذي لا يعطي تفاصيل كثيرة حول النيابة، متطرقا إلى وضع النيابة الفرنسية، وتحديات الاستقلالية في عملها، وأهمية ذلك في انعكاساته على الأداء في العمل، مستعرضا دور مجلس أوروبا الذي يعتبر مجلسا استشاريا، في إطار القوانين.
وقدم رئيس الغرفة الجنائية الثالثة في محكمة النقض التركية محسن شينتورك، ورقة بحثية بعنوان "محاربة التنظيمات الإرهابية في القانون الدولي"، تطرق خلالها إلى الجهات العالمية التي تحارب الإرهاب، وهي: الأمم المتحدة التي تنشر أسماء المنظمات الإرهابية، إضافة لأكثر من 100 قضية حول منظمات أخرى، والاتحاد الأوربي الذي عمل بعد هجمات 2001 على زيادة التعاون، وتبنى في عام 2003 استراتيجية أمنية لمحاربة الإرهاب.
ومن بين الجهات أيضا حلف الناتو، ومنظمة التعاون الإسلامي التي تقوم بالعديد من النشاطات لمحاربة الإرهاب وخلق السلام في الجغرافيا الإسلامية، والتنسيق بين الدول الأعضاء حول تاريخ الإرهاب، وإجراءات المكافحة، وقضايا تسليم المجرمين، معتبرا أن هناك اتفاقيات تعهدت بها الدول الأعضاء بمكافحة الإرهاب والتمويه، وغسيل الأموال، كاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة، واتفاقية المجلس الأوروبي المتعلقة بغسيل الأموال والتحقيق فيه، وقراري مجلس الأمن 1333، و1373.
بدوره، قال المدعي العام لجمهورية بولندا داريوش بارسكي في مداخلته بعنوان"ردود الفعل الوطنية والدولية على التحديات الحالية في مكافحة الجريمة الالكترونية"، إن بولندا شهدت العام الماضي زيادة في عدد الجرائم عبر مجموعات تدير مواقع الكترونية، وأشخاص يقومون بالسيطرة على أجهزة الحاسوب وسرقة الأموال من الحسابات البنكية، وعمليات تخفي وانتحال شخصيات لأعضاء نيابة أو رجال شرطة، لافتا إلى وجود 150 عضو نيابة مختصين، والعديد من الإرشادات وقوانين متعلقة بتكنولوجيا المعلومات تساعد في جمع الأدلة بشكل ممكن وسريع، ومعلومات عن الضحايا.
أما عميد كلية الحقوق في جامعة الخليل أحمد السويطي، فقد أشاد بالجهود المبذولة من قبل النيابة العامة في ظل الإمكانيات والصعوبات التي تواجهها، خاصة في نطاق التعاون الدولي الذي هو محور هذا المؤتمر، وذلك أن النيابة العامة ومن خلال إدراكها أهمية التعاون الدولي في تحقيق العدالة الجنائية، عملت على توقيع العديد من مذكرات التفاهم التي تخدم أهدافها الاستراتيجية على الرغم من وجود الصعوبات.
ولفت السويطي إلى أهمية الحاجة لإجراء تعديلات على اتفاقية الرياض، وتطوير نصوصها بما يخدم التعاون الدولي، إضافة للحاجة للأبحاث المشتركة مع الجامعات والمعاهد، ومراكز الأبحاث، لتطوير مفاهيم التعاون الدولي، من أجل تطوير القواعد الموضوعية والإجرائية للوصول إلى العدالة الناجزة.
وفي الجلسة الثانية، قال الأمين العام للشبكة القضائية الأوروبية هيو دوكري في مداخلته بعنوان "الشبكة الأوروبية للتعاون القضائي"، إن الشبكة أنشئت بقرار من الدول الأعضاء، وتتكون الهيكلية من شخص واحد من كل دولة، مسؤوليتهم محتوى الصفحات الإلكترونية، ونقاط الاتصال مع من يعملون في مكاتبهم ويقدمون المساعدة اللازمة، ويصيغون ويقيمون ويقدمون الطلبات وأفضل ممارسات التدريب.
وقال: لدينا أكثر من 300 نقطة اتصال في العالم، وهناك الكثير من القضايا التي نبحثها، كما نعمل مع منظمة اليوروجست".
وأضاف: "نحن نبني الثقة بين الأعضاء، ونعقد اجتماعات كل عام في الدولة المضيفة وفي لاهاي، وندعو كل الدول لإرسال ممثلين عنها، وكذلك نمول 8 اجتماعات إقليمية سنويا، وهي اجتماعات للتحدث عن الصعوبات والممارسات الفضلى، الأمر الذي يبني الثقة والاستدامة بين الدول".
وقال: "لدينا الكثير من الأدوات الالكترونية، ونمتلك 15 أداة تعاون قضائي، وموقع خاص لحماية مصادرنا، ولدينا أيضًا أكثر من مليوني زيارة لمواقعنا من 100 دولة مختلفة".
من جانبه، قال المدعي العام في إيطاليا ريناتو فينوشي غيرسي في مداخلة بعنوان "رقمنة العدالة: التأثير في التحقيق الجنائي في الاتحاد الأوروبي"، إن "رقمنة العدالة هي تحد كبير وفرصة مهمة في ذات الوقت، حيث اتضح لدينا خلال جائحة كورونا أن هناك حاجة لتسريع هذه الرقمنة في نظامنا القضائي لتحسينه وتطويره، وهو خيار مهم في التعاون العابر للقارات، ما يحسن الكفاءة للخدمات المقدمة في أوقات حدوث الصراعات".
ولفت غيرسي إلى أن تقريرا صدر عن وزارة العدل الإيطالية أشار إلى أن "الرقمنة يمكن أن تكون موجودة من خلال تحميل الوثائق بدلا من تخزينها عبر مزود خارجي، ما يمكننا من الحفاظ على الوثائق في النظام القضائي، وهذا يعني أن يكون هناك منابر خاصة لذلك، وهذا الإجراء مهم جدًا لأنه يضمن منع نشر أي وثيقة أو تسريبات بشكل غير قانوني"ز
من جانبه، قال قاضي محكمة بداية، ومساعد أمين عام مجلس القضاء الأعلى عاهد طوقان، في كلمته بعنوان "الخصوصية وحماية البيانات"، إن الخصوصية وحماية البيانات يتعلقان بالحفاظ على سرية وأمان المعلومات الشخصية والبيانات الحساسة للأفراد والمؤسسات، ودورهما الرئيسي هو ضمان أن تظل المعلومات الخاصة بالأفراد والمؤسسات آمنة ومحمية من الوصول غير المصرح به والاستخدام غير القانوني.
ولفت إلى أن غالبية قوانين حماية البيانات تستند إلى مجموعة من المبادئ الأساسية، كالتأكد من معالجة البيانات الشخصية دون سواها، والحصول على البيانات ومعالجتها بصورة قانونية، والحصول على موافقة صريحة من المستخدمين على استخدام بياناتهم، والنزاهة والسرية والدقة، وتقييد التخزين وعدم الاحتفاظ بالبيانات الشخصية.
من ناحيته، قال المدعي العام الروسي ألكسندر مولشانوف في مداخلته بعنوان "التجريم والتعاون الدولي على ضوء مشروع اتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية"، إن التكنولوجيا الحديثة تستخدم اليوم لارتكاب الجرائم المختلفة، خاصة بين الصغار في السن، ومحاولة زعزعة الاستقرار السياسي في بعض الدول، وهذه الجرائم يتم توجيه الشكاوى بشأنها للمحكمة الجنائية الدولية، لافتا إلى أن هذه الزيادة في الأنشطة الإجرامية تستلزم التعاون واتخاذ الإجراءات لتحسين كفاءة إجراءات إنفاذ القانون.
وقال: "نعمل في روسيا على تأمين أمن المعلومات، وزيادة كفاءة التعاون الدولي لمواجهة هذه الجرائم، وإنشاء الأطر القانونية لذلك، كتسهيل تطوير الاجتماعات والتعاون بين الهيئات الحكومية، وزيادة كفاءة تبادل المعلومات بين أصحاب إنفاذ القانون فيما يتعلق بالجرائم الالكترونية"، موضحًا أن مكتب النائب العام في روسيا يواصل تحسين القوانين الجنائية، وفرض العقوبات على مرتكبي الجرائم، وهناك تعاون متبادل في القضايا الجنائية.
من جانبه، قال عميد كلية الحقوق في جامعة بيرزيت محمود دودين، إن هناك تحديات عدة تواجه الرقمنة، مثل كيفية المواءمة بين احترام حقوق الإنسان ومكافحة الجريمة الالكترونية، وتحدي الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء، حيث إن الذكاء في تطور مستمر، وفي طريقه لأن يصبح عالمًا رقميًا، لكن هذا لا يخضع لحدود جغرافية، ما يصعب دور الدولة في السيطرة على الأمر.
وشدد على ضرورة دراسة تفعيل آليات جديدة في التعاون الدولي، بما يتصل بمكافحة الجريمة العابرة للحدود، وغيرها من القضايا.
يتبع...