يديعوت أحرونوت - بقلم د. ميخائيل ميلتشن التصعيد الحالي في “المناطق” [الضفة الغربية] يثير صدى واسعاً في إسرائيل. ومع ذلك، النقاش في المسألة يجري من زاوية ضيقة، أمنية في أساسها. وهو يتركز على التهديدات الناشئة (مثل العبوات وتجارب الصواريخ في شمال السامرة)، وعلى أساليب العمل التي تتخذها إسرائيل، وبالطبع على الرد القاطع وفي مركزه الدعوة لحملات على هذا النطاق أو ذاك، بما في ذلك “السور الواقي 2”.
يكاد النقاش الإسرائيلي لا يلمس التحديات الاستراتيجية الواقفة من خلف التهديدات الجارية، وعلى رأسها ضعف السلطة إلى جانب تعاظم قوة حماس التي تعمل بقوة استراتيجية مرتبة وتفحص كيف ومتى تثبت سيطرتها على “المناطق”. فأفول السلطة قد يخلق فراغاً سلطوياً يضع إسرائيل أمام خيارين سيئين: حكم حماس أو انجذاب ذاتي معناه أخذ المسؤولية عن 2.85 مليون فلسطيني في الضفة. إن عدم الاعتراف والاهتمام الإسرائيليين بالموضوع الفلسطيني ينبعان من خليط من التركيز على الأزمة الداخلية، والاعتياد على التوتر الدائم، وهروب معظم السياسيين من الاهتمام بالمسألة التي تفترض أقوالاً واضحة، وهروب عام لدى الجمهور. عندما تطل تهديدات أمنية ينصب معظم النقاش على حلول عسكرية، وعند الهدوء يمضي بالسلام الاقتصادي “التوأم التكتيكي” للرد العسكري المعد هو أيضاً للسماح برد عديم النظرة بعيدة المدى لو كان ينفذ لتم برعاية “البادرات الطيبة المدنية التي تدمج بين إسرائيل والضفة وتعزيز حكم حماس في غزة”.
لقد اختارت إسرائيل ألا تجري نقاشاً وجودياً على مستقبل العلاقات بينها وبين الفلسطينيين، وبدلاً من هذا تتخذ انتظاراً عديم التخطيط أو المبادرات. وفي الوسط يتغير الواقع في ضوء توسيع الاستيطان في الضفة وتعميق صهر البنى التحتية والقضائية والإدارية بين المنطقتين. كل ذلك دون أن يجرى تحليل إلى أين تريد إسرائيل أن تصل: حفظ الوضع القائم، وهو سيناريو تتضاءل احتمالاته إلى جانب وجود السلطة؛ أم حفظ خيار الانفصال (الذي هو أيضاً آخذ في الذوبان)؛ أم دولة واحدة، وهي فكرة يخيل أنها تصبح الواقع حتى دون إرادة أو وعي من أغلبية الجمهور، وربما يكون مفضلاً من أجزاء في الحكومة تكفر بوجود شعب فلسطيني.
التصعيد في شمال “السامرة” يجب أن يشكل إشارة إيقاظ للجمهور لنقاش ثاقب حول المستقبل. وهذا ليس فقط بسبب تعاظم الإرهاب الذي يثير القلق من تكرار مشاهد الانتفاضة الثانية، بل بسبب الصور الجديدة لتعاظم الاحتكاكات العنيفة بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين، والتي ستصبح عادة يومية إذا ما تشكلت دولة واحدة.
بعد ثلاثة أشهر، ستحل الذكرى الثلاثين لاتفاق أوسلو الذي تشوش في سياق الطريق وأصبح واقعاً معقداً ومتوتراً. هذه فرصة طيبة، سواء للقيادة أم للجمهور بإجراء تمرين خيالي جماعي موجه حول المستقبل الذي لا يرتبط بالمعركة القضائية أو النووي الإيراني. كيف سيكون الواقع الإسرائيلي الفلسطيني بدون السلطة أو حين تكون هذه قائمة ولا تؤدي مهامها؟ كيف ستكون الحياة بدون فاصل مادي بين الجماعتين السكانيتين وهي تحتمل تعايشاً بين مجتمعين يعادي أحدهما الآخر ويحملان أحلاماً وأهدافاً وروايات متضاربة، وإذا كان لا – فما البدائل؟ هذا حوار وجودي يجب أن يتم انطلاقاً من الإحساس بأن الزمن ضيق، إلى جانب إدراك بأن “القرار بعدم القرار” – كما وصل يغئال ألون هو سياسة إسرائيل في الموضوع الفلسطيني منذ 1967، ولا يستمر إلى الأبد وسينتهي بأفضل الأحوال بأزمة، وربما بمصيبة وطنية.