نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلتها في إسرائيل شيرا روبن، قالت فيه إن الأسلحة الجديدة والأساليب التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، تزيد من تورط الولايات المتحدة في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
وقالت: “استخدمت إسرائيل مروحيات أمريكية الصنع لقصف مدينة فلسطينية، وعاث مستوطنون خرابا في قرية فلسطينية يعيش بها مواطنون أمريكيون.. وتجد إدارة بايدن نفسها وسط نزاع في تصاعد مستمر”.
وأشارت إلى أن الطرفين يدخلان أسلحة وأساليب قوية، تعيد الذهن إلى الانتفاضة الثانية قبل أكثر من 20 عاما، عندما أعادت إسرائيل احتلال الضفة الغربية.
وأعرب البيت الأبيض، الغارق وسط علاقات دبلوماسية باردة مع حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل عن قلقه من انتشار العنف في الضفة الغربية، حيث تواجه إسرائيل مقاتلين فلسطينيين فاعلين، ودخلت قواتها معهم معركة شوارع هذا الأسبوع.
وفي يوم الإثنين، تحولت مداهمة إسرائيلية قبل الفجر في جنين إلى معركة استمرت ثماني ساعات، نشرت فيها القوات الإسرائيلية مروحيات “أباتشي” لإخراج الجنود الذين كانوا تحت إطلاق النار بعدما انفجرت عبوات ناسفة زرعت في الطريق وجعلتهم عالقين في المدينة.
ثم تصاعدت الدوامة في اليوم التالي عندما قام مسلحان تابعان لحركة حماس بقتل أربعة مستوطنين انتقاما في الضفة الغربية. وفي يوم الأربعاء، هاجم 400 مستوطن مسلح بلدة ترمسعيا في الضفة الغربية، والتي يشكل فيها الفلسطينيون- الأمريكيون نسبة 85% من سكانها، أي حملة الجنسية المزدوجة، بحسب رئيس بلديتها.
وأحرق المستوطنون عددا من البيوت والسيارات والحقول، وأطلقوا النار على المدنيين. وفي وقت متأخر من ذلك اليوم، أعلنت إسرائيل أنها استخدمت مسيّرات لأول مرة منذ 2006، لقتل ثلاثة ناشطين فلسطينيين. كما قطع المستوطنون من مستوطنة يتسهار المتطرفة، خطوط الكهرباء على بلدة عوريف التي جاء منها منفذا الهجوم على مستوطنة عيلي.
وقال القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك ألون بنكاس: “في المستقبل القريب ستفتح أبواب الجحيم”، مضيفا أن التصعيد الإسرائيلي- الفلسطيني هو “آخر ما تريد إدارة بايدن التعامل معه”. وكانت آخر مرة تعاملت فيها الولايات المتحدة بجدية مع المنطقة في 2014، عندما قاد وزير الخارجية جون كيري مفاوضات فاشلة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفي مؤتمر نظمه منبر سابان في 2016، قال كيري إنه وجد مواقف الساسة الإسرائيليين المتطرفين مدعاة للقلق، وقال إنهم قاموا وعن قصد بتخريب المبادرة التي قادها.
وفي ضوء العنف المتزايد في الضفة الغربية وبقوة وتقدم من الجانبين، وتورط مواطنين أمريكيين على الطرفين، فقد تُجبر الولايات المتحدة على تدخل محدود مرة أخرى.
هاجم 400 مستوطن مسلح بلدة ترمسعيا في الضفة الغربية، والتي يشكل فيها الفلسطينيون- الأمريكيون نسبة 85% من سكانها
ويبدو أن الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل تسعى لضم الضفة الغربية التي يعيش فيها ثلاثة ملايين فلسطيني، في تحد للعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية القائمة منذ عقود على حل الدولتين. وردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتل، عندما سئل عن وجود أسلحة أمريكية قتلت مسلحين ومدنيين، بالقول: “نواصل العمل مباشرة مع شركائنا الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية لدفع خطوات خفض التوتر”.
وفي يوم الخميس، عبّر السفير الأمريكي توم نايدز، في لقاء مع شباب إسرائيليين وفلسطنيين عن موقف متشدد، حيث قال إن الولايات المتحدة “لن تقف متفرجة على عنف المستوطنين، وندفع الإسرائيليين لعمل ما يجب عمله ووقف هؤلاء الناس”. ولكن القنصل السابق بنكاس، قال إن الولايات المتحدة قد تضطر للتخلي عن هذه الأفكار المبتذلة لأن اليمين المتطرف في إسرائيل دعا علنا للعقاب الجماعي للمدنيين كجزء من استراتيجية ردع، وحصل على تأثير واسع في السياسات المدنية والعسكرية بالضفة الغربية.
فقد دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يحتفظ بمنصب بارز في وزارة الدفاع، لشنّ عمل عسكري واسع واستخدام الطيران الإسرائيلي و”سحق شبكات الإرهابيين” في شمال الضفة الغربية ومدنها ذات الكثافة السكانية. وعندما سألت إذاعة “كان” عضو الكنيست عن حزب القوة اليهودية، يتسحاق كروزير، إن كان هو وزملاؤه في الحزب دفعوا نحو استخدام المسيرات، أجاب: “نحن مسرورون بأن مطالبنا نفذت”.
ويعيش مئات الفلسطينيين- الأمريكيين في مجموعة من القرى قرب مدينة رام الله، ويطالبون الولايات المتحدة بالعمل على حماية شعبها الذي يواجه الجيش والمستوطنين المسلحين الذين يريدون استفزازهم وطردهم من أرضهم. وقال تامر نصار المقيم في دالاس، والذي قُتل قريبه عمر القطين الذي يحمل البطاقة الخضراء الأمريكية، يوم الأربعاء بترمسعيا: “لماذا تذهب أموال الضرائب التي أدفعها لتمويل حكومة إسرائيل التي تقتل مواطنين أمريكيين”. وأضاف: “كأمريكي، يجب عليّ الدفاع عن بلدي ويجب على بلدي حمايتي أينما ذهبت”، وقال إنه جاء وعائلته إلى ترمسعيا لقضاء الصيف، ولأن أولاده الأربعة صدموا من حرق المستوطنين للبيت ولشعورهم بعدم الأمان، فإنهم يخططون للعودة إلى أمريكا في أقرب وقت.
وقال المحلل العسكري الفلسطيني واصف عريقات: “نريد مزيدا من الضغط الأمريكي الذي يقول لإسرائيل إن عليها التوقف عن بناء المستوطنات، وإلا فإنها ستتوقف عن إرسال الأسلحة”.
وقال إن المداهمات المستمرة لجنين شجعت الجماعات المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي وجماعات محلية صغيرة على تجنيد أفراد وبأعداد غير مسبوقة، وتطوير متفجرات وقنابل مصنعة محليا. كما يتعلمون من دروس الانتفاضة الثانية حول التكتيكات والكمائن قبل الغارات الإسرائيلية والتحرك كأفراد لتجنب الاستهداف. مضيفا: “يعتقد المقاتلون الآن أن الطريقة الوحيدة لمواجهة الإسرائيليين هي قتالهم، وقد شجعهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذين يقولان أن لا فرصة للفلسطينيين للعيش هنا”.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي بارز، إنه وعلى مدى عام ونصف، أصبحت المداهمات وبسبب زيادة التفوق لدى الفلسطينيين “طويلة ومعقدة أكثر”، مما يجعل من عملية عسكرية أمرا مرجحا، والتي قد تأخذ شكل إعادة احتلال جنين كما يقول المحللون.
وقالت ميري إيلسين، الضابطة الاستخباراتية الإسرائيلية السابقة، إنه يجب عدم تقليل الاحتمال، ولو حدث فسيكون طويلا ويؤدي إلى حصيلة عالية من القتلى. وقالت: “احتلال جنين، هذه المنطقة المحصنة وذات التقنية المنخفضة، سيترك هزات في الضفة الغربية وغزة وإسرائيل وحتى في الخارج”، مما ستفتح بابا لحزب الله اللبناني للتدخل و”ستكون معركة بلا نهاية”.
