بين بغداد وبابل..غسان زقطان

الإثنين 08 مايو 2023 12:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين بغداد وبابل..غسان زقطان



موطني
في القاعة الملحقة بمعرض الكتاب في مدينة بابل عزف النشيد الوطني العراقي، كنت أقف بعيداً عن المقاعد، محاطاً برواد المعرض من المناطق القريبة من المدينة الأثرية، الحلة على وجه الخصوص، عائلات وأطفال وفتيان، بينما يتدفق "موطني" النشيد الذي ألفه الفلسطيني إبراهيم طوقان ولحنه اللبنانيان الأخوان فليفل وعبر "النكبة" مع الفلسطينيين، فكرت أن الأمر يمس القلب بقوة، العراق وفلسطين ولبنان، تخيلت الناس الذين بلا عدد الذين وقفوا في حضرة هذا النشيد العابر للزمن والأمكنة منذ ثورة الـ 36 الكبرى في فلسطين وحتى الآن وهنا في مدينة بابل ليس بعيداً عن قاعة العرش، حيث يردده عراقيون من بابل والحلة وبغداد.
ما الذي يمنع من اعتماد هذا النشيد الذي يحمل تاريخ فلسطين ورموزها، الأمر أعمق من فكرة النشيد نفسها ويحمل قوة التواصل بين الأجيال، وهذا ما نحتاجه الآن.
صندوق الذكريات
في بغداد فتحنا صندوق الذكريات. حضر الغائبون وكانوا يضحكون في صالة المنصور ويقفون في ممر الحافلة وهي تهتز في الطريق إلى بابل. محمود درويش وأمجد ناصر وعناية جابر وسركون بولس وسعدي يوسف والجواهري ومظفر النواب ونازك الملائكة...إلى آخر هذه السلسلة الذهبية التي تتدفق من ذاكرتنا الشخصية ومن ذاكرة المشهد الثقافي وتتجمع بلا ألقاب وتصنيفات.
بدا الأمر وكأننا وصلنا هنا لنتذكرهم. كان مهرجان بابل ذريعتنا نحن الذين وصلنا إلى بغداد محمولين على بهجة الصداقة؛ حسن نجمي وعائشة البصري وأحمد الشهاوي وزاهر الغافري وأيمن غزالي ونصيف الناصري...... وأنا، هنا في مهمة واحدة أن نتفقد غيابهم، نحن رواتهم، تلك ضريبة الأحياء.
المهرجان هو كل هذا.. اللقاءات والجدل والتذكر.
دجلة
في بغداد بعد ثلاثين سنة. في نفس الفندق. فكرت وأنا أصعد إلى الغرفة أنني كنت في سنّ الفتى العشريني الذي أصر على مساعدتي في حمل حقيبتي الخفيفة، عندما نزلت هنا في المرة الأولى وأنه لم يكن قد ولد بعد، عندما فتحت الباب على الشرفة لمعت مياه دجلة القريب وعبر أشخاص على الجسر.
طلال حيدر
اليوم، في بابل التقيت الشاعر طلال حيدر للمرة الأولى وأصغيت لصوته وهو يصعد ويخلخل الهواء وينقش اسمه على ذهبها، قصيدته في وداع مظفر الذي يطل في لوحة معلقة على مدرج بابل الكبير، بدا أنها تبلل اللوحة والوجه القوي للشاعر الغائب الحاضر.
...ثم يصبح الإصغاء غنيمة.
سنلتقي في صالة الفندق وسيأخذنا الحديث بعيداً وسهلاً إلى فلسطين.