تفكر مجموعة البريكس بأعضائها الخمسة الحاليين، وأعضائها التسعة عشر المحتملين الذين ينوون الانضمام إليها؛ في إصدار عملة واحدة للتعامل التجاري والمالي في ما بينها. وبديهي أن تقبل دول أخرى التعامل بالعملة المنتظرة مع دول المجموعة.
والغاية المعلنة من العملة الواحدة الجديدة التحرر من سطوة الدولار الأميركي الذي تستعمله أميركا سلاحا في عقوباتها الكثيرة التي تسرع إليها فور حدوث أي خلاف مع أي دولة تخالفها الرأي والموقف، وفي هذا الخلاف هي الخصم والقاضي والشرطة والشهود والمحلفون والمحامون، وكثرة عقوباتها سلوك شائن جائر لم يعرف له تاريخ السياسة والصراعات الدولية صنوا. ويبدر إلى البال سؤال في جو الحراك للتخلص من سطوة دولار أميركا تمهيدا للتخلص من سطوتها السياسية والعسكرية العدوانية، السؤال هو: هل من سبيل إلى عملة عربية واحدة؟ لماذا لا يكون الجواب بالإيجاب مادامت 24 دولة متباينة الهوية القومية والموقع الجغرافي تفكر في إصدار عملة واحدة لا تلغي عملتها الوطنية الحالية؟! الدول العربية متجانسة قوميا ومتقاربة جغرافيا أكثر من دول البريكس في صورتها الحالية وفي صورتها المنتظرة المفتوحة للتوسع بانضمام دول جديدة إليها.
ويمكن للدول العربية أن تقتدي في مشروع العملة العربية الواحدة بالاتحاد الأوروبي في توافقه على اليورو الذي بدأ في تداوله رسميا في 1يناير 2002 وإن امتنعت 8 من دول الاتحاد عن هذا التبادل الرسمي، هي الدنمارك وبلغاريا والتشيك وكرواتيا والمجر وبولندا ورومانيا والسويد، وبعد التوافق عليه صارت العملات الوطنية تدفع في أماكن محدودة مثل البنوك . ويرى خبراء المال والاقتصاد أن العملة الواحدة لدول عديدة تسهل التبادل التجاري في ما بينها، وتمنع التلاعب بالأسعار الذي يحدث دائما عندما ترتفع قيمة الدولار، وحجة رفعها أن كثيرا من البضائع يستورد بالدولار، وتحدث هذه الظاهرة خاصة متى ارتفع سعر النفط والغاز لدخولهما في كل أنواع الإنتاج والخدمات . وتحمي العملة الواحدة الدول التي تستخدمها من مخاطر التضخم الذي يفترس أحيانا الدولة التي تستعمل عملة وطنية واحدة، وتسهل العملة الواحدة انتقال مواطني الدول التي تستخدمها، فيذهبون للسياحة أو للتعليم أو للعلاج أو للزيارات العائلية أو الشخصية، وفي الحالة العربية للحج والعمرة أيضا .
وفيها، عربيا، تعميق للشعور بالوحدة القومية . ولا يفوتنا أنها وسيلة للتخلص ولو نسبيا من سطوة الدولار في العالم العربي. ولا تمنع العملة الواحدة بقاء العملة الوطنية، وتستطيع أن تتعايش معها، وانعدام المنع واستطاعة التعايش يسهلان تنفيذ مشروع العملة العربية الواحدة الذي قد تعترض عليه بعض الدول العربية لدواعٍ سياسية ومالية واقتصادية . سياسيا، قد تراه مسا بذاتيتها الوطنية الخاصة، وماليا، قد تراه جالبا لضعف عملتها الوطنية، واقتصاديا، قد تراه مصدرا لمنافسة غير متكافئة لإنتاجها المحلي في عدد من أصنافه .
وفي هذا المسار، لم تتفق دول مجلس التعاون الخليجي بعد 41 عاما من تاسيسه على توحيد عملتها رغم كل ما كتب وقيل عن أهمية هذا التوحيد، وما يؤهل له من تجانس هذه الدول سياسيا، وتوحدها جغرافيا، وتماثلها بشريا . وإخفاق الآخرين ليس قدوة ولا عذرا للإحجام عن مشروع لا ريب في نفعه الواسع عربيا، وكل هدف جليل يبدأ فكرة تصير حلما، وبالجد والمثابرة ونقاء النية تجاه الآخرين يصير الحلم واقعا مرئيا عميم النفع لمن فكروا وحلموا وجدوا وثابروا ونقوا نيةً، واتصالا بهذا قد يكون جواب سؤال العنوان : نعم، هناك سبيل لعملة عربية واحدة .
كاتب فلسطيني