أكد رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق د. سلام فياض، مساء اليوم، أن مشاركته بمؤتمر "إسرائيل في الـ75" في الولايات المتحدة حرصاً على عدم غياب وجهة النظر الفلسطينية، وللتأكيد على أن ميلاد "إسرائيل" هو النكبة الفلسطينية، وأن "إسرائيل" لم تكن ديمقراطية يوماً بل هي دولة احتلال اضطهادي.
وقال فياض في منشور عبر صفحته على فيس بوك: "يتضمن هذا الشريط ملخصاً لأبرز المداخلات التي أدليتُ بها في سياق مشاركتي في المؤتمر الذي نظمه يوم الخميس الفائت( ٢٧ /٤ ) معهد بيكر في جامعة رايس في الولايات المتحدة تحت عنوان " إسرائيل في الخامسة والسبعين". ربما تسرع البعض في اعتبار المؤتمر احتفالاً بعيد ميلاد اسرائيل الخامس والسبعين. لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق. ولو كان، فلم أكن بطبيعة الحال لأشارك، أو لو تبين أن المؤتمر كان سيأخذ أي منحى احتفالي لقطعت مشاركتي، والتي تمت عبر تقنية الزووم.
وأضاف: "لقد اخترت المشاركة من منطلق الحرص على ألا تغيب وجهة نظر فلسطينية في مؤتمر تقييمي لمسار اسرائيل عبر السنوات الخمس والسبعين الماضية، والتي كانت حتماً ستكون غائبة باستثناء إشارات غير ذات شأن من قبل بعض المشاركين لضرورة إحياء ما يسمى جزافاً بعملية السلام، أو ما شاكل ذلك . هذا كان اجتهادي، وهذا كان منطلق ما قدرني الله عليه من مداخلات أتت جميعها في معرض الإجابة على أسئلة وجهها لي مدير المعهد المذكور في الجزء الثاني من أعمال المؤتمر، والتي اغتنمت في سياقها الفرصة للتعقيب على بعض ما أتى عليه متحدثون في الجزء الاول منه. وبالإمكان الوصول إلى جميع هذه المداخلات عبر الرابط أدناه لكل أعمال المؤتمر.
وفيما يلي ترجمة لأبرز ما ورد في مداخلاتي من نقاط:
١. سنوية اسرائيل الخامسة والسبعون هي الذكرى السنوية الخامسة والسبعون للنكبة، والتي ستظل جرحاً نازفاً إلى أن ينال شعبنا حقوقه كافة.
٢. ما تردد في العديد من المداخلات اليوم بشأن القلق على مصير الديموقراطية في إسرائيل ليس في محله. فمن وجهة نظرنا، لم تكن إسرائيل يوماً ديموقراطية. وإن كانت، فليس سوى لفئة مختارة من مواطنيها. وهذا الأمر تفاقم بطبيعة الحال في أعقاب احتلال إسرائيل لباقي أرض فلسطين في عام ١٩٦٧.
٣. وكذلك شأن التباكي اليوم على مصير استقلالية القضاء في إسرائيل. فالمحكمة العليا الإسرائيلية لم تحكم يوماً سوى لصالح الحكومات المتعاقبة في إسرائيل في شأن كافة القضايا المتصلة بعدم قانونية الإحتلال وممارساته العنصرية. وكمثال صارخ على ذلك، ذكَّرت برد تلك المحكمة في عام ٢٠٢١ كافة الإلتماسات التي قُدمت إليها على خلفية اقرار قانون القومية العنصري في عام ٢٠١٨ . كما ذكَّرت أن هذا الرد تم بأغلبية عشر أصوات مقابل اعتراض واحد فقط، وكان ذلك، وما هو لافت، صوت جورج قرّى، القاضي الفلسطيني الوحيد في هيئة المحكمة.
٤. لم يكن الإحتلال الإسرائيلي يوماً إلا اضطهادياً، ولن يكون إلا كذلك. وأيضاً غير شرعي حتى زواله. أتت ملاحظتي هذه رداً على إشارة من قبل وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر في كلمته الافتتاحية إلى أن الإحتلال الإسرائيلي كان كذلك، أي اضطهادياً، في بعض الأحيان.
٥. طال الحديث عن حل الدولتين. وكان مفهوم هذا الحل من الأساس هلامياً. ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يعني دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧، من الواضح أن ذلك لم يكن وارداً على الإطلاق في أي تصور إسرائيلي لمفهوم حل الدولتين، وحتى منذ البدايات. وللتدليل على ذلك، ذكَّرت بخطاب رئيس الوزراء الإسرئيلي اسحق رابين أمام الكنيست في عام ١٩٩٥، والذي قال فيه نصاً أن المقصود بالدولة الفلسطينية ليس إلا شبه دولة. كما ذكَّرت بأن ما تضمنه خطابه لجهة مساحة هذا الكيان الفلسطيني المسخ وانعدام سيادته يحاكي تماماً، ولدرجة التطابق التام، ما ورد نصاً في خطة الرئيس ترامب في عام ٢٠٢٠.
٦. لذلك لم يعد من المجدي حتى مجرد الحديث عن حل الدولتين وفق ما ساد من تداول في هذا الشأن. الموضوع انتهى، وكان في أحسن الظروف في غرفة العناية المكثفة، إن لم يكن قد مات فعلاً عشية تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة. ثم أتى كل ما قامت به إدارة ترامب ليجهز تماماً على كل ما يمكن أن يكون قد تبقى من امكانية قيام دولة فلسطينية بمواصفات مقبولة فلسطينياً.
٧. بيد أن فشل مشروع ما يسمى بحل الدولتين لا يضفي بحد ذاته أو بشكل تلقائي حتمية على حل الدولة الواحدة، والتي يتم التداول بشأنها أيضاً دون ما يكفي من تحديد، الأمر الذي يعني بالضرورة ما نحن فيه فعلياً من واقع الدولة الواحدة، وهو ليس حلاً، وبالتأكيد ليس وضعاً قابلاً للاستمرار.
٨. في ضوء هذا التشخيص، ما تحدثت عنه مساعدة وزير الخارجية باربارا ليف من ضرورة التركيز على تحقيق الإستقرار أمر في تقديري لا يمكن أن ينجح بمعزل عن مفهوم محدد لإطار عمل مقبول. وهذا يتجاوز بكثير ما يكثر الحديث بشأنه لجهة ضرورة وجود أفق سياسيي. فهذا أيضاً كلام ينقصه الكثير من التحديد. ولا يكفي أيضاً حتى ما ذهب إليه السفير جرجيان لجهة ماهية المُخرج النهائي لعملية سياسية ما، على أهمية ذلك. فمرجعيات العملية السياسية تآكلت ولم يبق منها شيء.
٩. لكل ذلك، الحديث عن استئناف عملية السلام والعودة إلى طاولة المفاوضات لا معنى له. إذا كان هناك من عبرة يمكن استخلاصها من التجربة، فإنها تكمن في أن أي عملية سلام لا تبدأ بالاستناد إلى الإقرار الرسمي من قبل اسرائيل بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني كما عرفتها الشرعية الدولية هي عملية محكومة بالفشل. ولكي أكون في منتهى الوضوح، نحن شعب، ولا أقول ذلك رداً على ما قاله عضو في الحكومة الإسرائيلية الحالية مؤخراً، و إنما على خلفية سياسة قائمة منذ ما قبل البدايات تُنكر وجودنا كشعب. واننا كشعب يجب الإقرار بحقنا في تقرير المصير. لا مساومة على ذلك. كما يجب أن يكون واضحاً على أننا نصر على الإقرار بحقنا في العودة. في الوقت الذي يتم فيه الإقرار بحقنا في العودة وحقنا في تقرير المصير، بما يشمل الحق في دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة في عام ١٩٦٧، بما يشمل القدس، عندها فقط تتهيأ الظروف المواتية لنجاح الجهد السياسي.
.١. كثر الحديث عما ألحقته إدارة الرئيس ترامب من أذى لجهة إدامة الإحتلال الإسرائيلي وشرعنته . وكله صحيح. ولكن أود التذكير أن الإدارة الأمريكية الحالية كانت قد تبنت شعار العودة إلى الأصول في إدارة العلاقات الخارجية. أتساءل: ما الذي فعلته هذه الإدارة لإلغاء حتى ولو إجراء واحد من الإجراءات والمواقف التي تبنتها سابقتها؟ الجواب: لا شئ. حتى مجرد القرارين الصادرين عن وزير الخارجية السابق بومبيو، أولهما في تشرين ثاني ٢٠١٩ بشأن عدم اعتبار المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي، وثانيهما في تشرين الثاني ٢٠٢٠ (بعد الانتخابات) بشأن وسم البضائع المنتجة في المستوطنات كمنتجات اسرائيلية المنشأ، لم يتم الغاؤهما من قبل وزير الخارجية الحالي. ألا يعني القرار الثاني تحديداً مباركة أمريكا لضم اسرائيل للأرض الفلسطينية المحتلة؟ ثم لماذا التردد في وصف الأرض الفلسطينية المحتلة بأنها محتلة وأن الاحتلال اسمه احتلال؟ وبالمناسبة تمت الإشارة من قبل البعض إلى غزة وكأنها خارج الحسبة عند الحديث عن الإحتلال. لكي نكون واضحين، غزة شأنها شأن القدس الشرقية جزء لايتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧.
١١.أولويتنا القصوى الآن يجب أن تكون توحيد الصف الفلسطيني. هذا يتطلب تبني منظمة التحرير الفلسطينية لبرنامج سياسي يسمح بتعدد الرؤى والاجتهادات، وتوسيع قاعدة التمثيل فيها لتشمل كافة مكونات النظام السياسي الفلسطيني . وقد سبق أن بحثت هذا الأمر مع العديد من الأطراف محلياً، وأيضاً دولياً كي لا تستمر معارضة بعض مكونات من المجتمع الدولي لمثل هذا التوجه تحت عنوان ما يُسمى بشروط الرباعية الدولية .
نحن حريصون على الابقاء على الجسور التي بنتها منظمة التحرير مع المجتمع الدولي . ولكن مصلحتنا في الوحدة تفوق أي اعتبار آخر، وعلينا المضي قدماً لتحقيق ذلك بصرف النظر عن موقف المجتمع الدولي منه. وفي هذا المجال أتساءل: متى وضع المجتمع الدولي أي شروط على أيٍ من حكومات إسرائيل المتعاقبة تقابل من حيث المضمون الالتزامات المتوقعة دولياً من الجانب الفلسطيني؟