أطلق الحوثيون والسعودية سراح عشرات الأسرى السبت في ثاني أيام عملية واسعة لتبادل سجناء في إطار النزاع اليمني، تأتي في خضم جهود دبلوماسية واسعة عزّزت الآمال في إنهاء الحرب في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
وانطلقت من مطار أبها طائرة تحمل 120 أسيرا من الحوثيين وحطت في صنعاء، قبل أن تقلع طائرة من العاصمة اليمنية باتجاه الرياض، حسبما أفادت مستشارة الإعلام لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر جيسيكا موسان ومراسلو وكالة فرانس برس.
ونقلت الرحلة الثانية 20 شخصا بينهم 16 سعوديا وثلاثة سودانيين كانوا يقاتلون في صفوف التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ 2015 دعما للحكومة في مواجهة الحوثيين القريبين من إيران.
ومن المقرّر أن تنقل رحلة ثالثة السبت 117 من الحوثيين من أبها إلى صنعاء. كذلك، تسيّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر السبت ثلاث رحلات أخرى بين المخا (غرب اليمن) الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية وصنعاء لنقل 100 سجين من الحوثيين.
بدأ النزاع اليمني في 2014 عندما سيطر الحوثيون المدعومون من إيران على مناطق عدة في البلاد بينها العاصمة صنعاء. وفي العام التالي، تدخّلت السعودية على رأس التحالف العسكري ما فاقم النزاع الذي خلّف مئات الآلاف من القتلى وتسبّب بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وكان الحوثيون والحكومة توصّلوا خلال مفاوضات عقدت في برن الشهر الماضي إلى اتّفاق على تبادل أكثر من 880 أسيراً. وبموجب الاتفاق، يُفرج الحوثيون عن 181 أسيرًا، بينهم سعوديون وسودانيون، في مقابل 706 معتقلين لدى القوات الحكومية.
في أول أيام التبادل الجمعة، نُقل 318 سجينًا في أربع رحلات جوية بين عدن في الجنوب وهي مقر الحكومة، والعاصمة، بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ومن بين هؤلاء وزير الدفاع السابق اللواء الركن محمود الصبيحي واللواء الركن ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، الذي توجه في وقت لاحق إلى الرياض حيث يقيم شقيقه.
وقبل إقلاع رحلة السبت، نقل السجناء في ثلاث حافلات على الأقل إلى مدرج مطار أبها الذي تعرّض في السابق لهجمات من قبل الحوثيين بطائرات مسيّرة، ووضعت كراس متحركة بالقرب من الحافلات قبل بدء نقل السجناء إلى الطائرة، بحسب مصور وكالة فرانس برس.
في صنعاء، استُقبل الأسرى فوق السجاد الأحمر. وقبل ذلك، وقف عشرات العناصر الذين ارتدوا سترات فوسفورية على جانبي صف طويل قرب عناصر مسلحة ليمر بينهم الأسرى السعوديون والسودانيون في طريقهم إلى الطائرة.
وقال عبد الله هاشم الذي أمضى سبع سنوات ونصف السنة في سجن سعودي “انا فرح جدا بهذا الاستقبال. اخيرا أتذوق طعم الحرية بعد السجن”، فيما قالت والدته وهي تحتضنه “أتمنى ان يعود كل الأسرى لأهاليهم”.
وعدد السجناء السعوديين في اليمن والأسرى الحوثيين غير معروف.
ويقول محللون إنه بعد ثماني سنوات، أدرك السعوديون أن إسقاط الحوثيين لن يتحقق وباتوا يتطلعون إلى إنهاء انخراطهم العسكري.
وأصبح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي كان يبلغ من العمر 29 عامًا عندما كان وزيراً للدفاع وأطلق التحالف العسكري، الحاكم الفعلي للمملكة في 2017، وهو منذ ذلك الحين حريص على حماية أجندة الإصلاح الداخلية “رؤية السعودية 2030”.
وتلقت استراتيجية الخروج السعودية الشهر الماضي دعما جراء الاتفاق بوساطة صينية على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ما قد يعني إعادة تشكيل المشهد السياسي للشرق الاوسط نظرا لانخراط الدولتين في نزاعات المنطقة وبينها اليمن.
كذلك، تضغط السعودية من أجل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد أكثر من عقد من تعليق عضويتها على خلفية قمع النظام للحركات الاحتجاجية. وقد استضافت الجمعة وزراء ودبلوماسيين من دول الخليج وثلاثة بلدان عربية في جدة لإجراء محادثات حول سوريا، ثم أصدرت بيانًا سلط الضوء على “أهمية وجود دور قيادي عربي” لإنهاء الازمة.
في اليمن، زار وفد سعودي صنعاء الأحد الماضي لإجراء محادثات تمحورت على إحياء الهدنة وإرساء الأسس لوقف إطلاق نار أكثر استدامة. وغادر الوفد برئاسة السفير محمد الجابر مساء الخميس باتفاق على إجراء مزيد من المحادثات، وفقا لمصادر الحوثيين والحكومة اليمنية.
وقال مسؤول حوثي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إنه كان هناك “اتفاق مبدئي على هدنة” قد يجري الإعلان عنها لاحقا، فيما وصف كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبد السلام المحادثات بأنها “جادة وإيجابية”.
ويُعتقد بأن الرياض طلبت ضمانات أمنية من الإيرانيين، بما في ذلك وقف هجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة والصواريخ على الأراضي السعودية.
ومع ذلك، حتى لو تمكّنت المملكة من التفاوض على مخرج من الحرب، فقد يندلع القتال مرة أخرى بين الفصائل اليمنية المختلفة داخل اليمن.
وقالت مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس سانام وكيل لوكالة فرانس برس “تكافح السعودية لتقليص مشاركتها العسكرية في اليمن (…) وتسعى إلى سلام دائم طويل الأمد يسمح لها بالتركيز على أولوياتها الاقتصادية”.
وأضافت “لكن على الرغم من هدفها هذا، فإنها ستكون الوسيط والمستثمر والضامن للصراع في اليمن لفترة طويلة”.