يدعو مئير بن شبات رئيس معهد الاستراتيجية الصهيونية والأمن القومي وهو مستشار سابق للأمن القومي إسرائيل لوضع خط أحمر مقدما عدة توصيات كي لا يتكرر سيناريو هبة الكرامة في مايو/أيار عام 2021.
وقال بن شبات في مقال نشره موقع القناة العبرية 12 إن سلسلة الأحداث الأمنية التي واجهتها من عدة جبهات في الوقت نفسه، وكانت وراءها عدة جهات، في ظل أزمة داخلية حادة وتوتُّر في العلاقات الخارجية، تُعاظم الشعور بعدم الثقة وعدم الاستقرار، كل ذلك يفرض على الحكومة، قبل كل شيء، ترتيب الأمور وبثّ رسالة، مفادها أنها مسيطرة.
متجاهلا الاحتلال وجرائمه يقول بن شبات أيضا إنه في هذه المرة أيضاً، وكما جرى في معركة “حارس الأسوار” في 2021 فإن التحريض هو الذي يغذي “موجة الإرهاب”، وما يحدث حول حرم المسجد الأقصى، وبصورة خاصة خلال شهر رمضان، زاعما أن ما يزيد في الأجواء الداعمة لـ”الإرهاب” الزخم الناجم عن العمليات الناجحة التي تساهم أيضاً في ذلك، وكذلك الشعور بالشراكة في النضال ضد إسرائيل، وتصوير الطرف الإسرائيلي كضعيف ومتخاصم مع بعضه البعض ومشوش.
من هنا يستنتج أنه يتعين على السياسة الإسرائيلية في هذا الوقت أن توازِن وأن تحسم بين عدة توترات: بين الرغبة في الحفاظ على حرية العبادة في المسجد الأقصى، وضرورة فرض قيود عليها أحياناً، لتقليل احتمالات الانفجار وبين الحاجة إلى القيام بعمليات عسكرية في عمق الضفة الغربية لمنع العمليات. وهكذا بين الرغبة في تقليص الاحتكاك وتقليل عدد الإصابات كي لا تصبّ الزيت على النار والحاجة إلى تدفيع قيادة “حماس” ثمناً كبيراً وردعها، وبين الرغبة في عدم الانجرار إلى معركة مع قطاع غزة في هذا الوقت، وأيضا بين المصلحة في عدم ربط الساحات والأعداء، وبين ضرورة العمل ضد كل الجبهات وضد كل مَن يعمل ضدها.
تقليل الخلافات الداخلية
وهذا برأيه ينطبق أيضاً على لبنان: فإطلاق القذائف على نطاق واسع يمنح إسرائيل الشرعية للإعلان أنها لن تسمح ببناء بنية لـ”حماس” في هذه الساحة، وأن تعمل بصورة يومية ضد ذلك، كجزء من أهداف “المعركة بين الحروب”.
ويقول إنه في جميع الأحوال، يمكن القول إن هذا الواقع المركّب سيرافقنا إلى ما بعد يوم “الاستقلال” على الأقل، ويجب الاستعداد له على شكل عملية وطنية – أمنية – سياسية واجتماعية: مع رؤية واضحة للمستوى السياسي، وخطة منظمة وملائمة تدمج ما بين جميع أذرع الأمن والمنظومة السياسية، وتقديرات متتالية للوضع وجهود دعائية مستمرة، تقلل من عدم اليقين، وتحول المواطنين إلى شركاء في هذه المعركة، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تقليل الخلافات الداخلية أيضاً.
“حماس” خططت ونفّذت، وعليها أن تدفع ثمناً غالياً
ويشير بن شبات إلى أن محمد ضيف قبل نحو ثلاثة أسابيع، وقبل بدء شهر رمضان، كسر صمته من غزة ليطالب بتوحيد القوات من جميع الجبهات ضد إسرائيل: “لتتوحد جميع الأعلام وجميع الجبهات لهدف واحد كبير – تحرير فلسطين وإعادتها إلى حضن الإسلام”. يمكن القول إنه كان يعلم منذ ذلك الوقت بالتجهيزات العملياتية والتنسيق المطلوب، بهدف إطلاق النار من لبنان، وانتظر الفرصة الملائمة. ما جرى في حرم المسجد الأقصى كان المبرر الملائم لذلك.
ويعتقد بن شبات أنه من غير المتوقع أن يتغير الواقع الأمني في مواجهة قطاع غزة بصورة أساسية، حتى بعد هذا التوتر، أولاً، لأن البدائل من الوضع القائم ليست أقل سوءاً منه لدرجة تبرر ثمن تغييره؛ ثانياً، لأنه من وجهة نظر إسرائيل، لا تزال غزة ساحة ثانوية، مقارنةً بإيران، وسيكون من الخطأ تحويل الاهتمام والموارد المطلوبة إليها للقيام بتغيير كهذا.
ويضيف في قراءته: “هذا لا يعني أن على إسرائيل أن تقبل خطوات “حماس”. العكس هو الصحيح، لذلك، على إسرائيل منع “حماس” من الخروج عن الإطار الذي كان موجوداً خلال المناوشات السابقة”.
عودة للاغتيالات
ويتساءل مئير بن شبات ما الذي يمكن القيام به أيضاً؟
عن ذلك يقول: “أولاً، أداة الردع الأقوى ضد الحركة هي الاغتيالات. سيكون من الصواب الإبقاء على هذا الاحتمال كتهديد حقيقي فوق رؤوس قيادات “التنظيمات الإرهابية”. تهديد كهذا سيصعّب عمل هذه القيادات، ويدفعها إلى تركيز الاهتمام والموارد من أجل الحفاظ على أمنها الخاص، ويضعفها أمام الجمهور. الكثيرون من قيادات “حماس” يحملون على أجسادهم ما يذكّرهم بقدرات إسرائيل العملياتية والمتنوعة. يعلمون أيضاً بأن التوقيت في يدها، وهذه المعرفة، بحد ذاتها، تساهم في الردع. ثانياً، إلغاء المساعدات الاقتصادية التي منحتها إسرائيل لسكان القطاع. وبالأساس: تصاريح العمل في إسرائيل، وهو ما تم التعامل معه في المجتمع الفلسطيني على أنه إنجاز لـ”حماس”. إلغاء هذه التصاريح، وخاصة في فترة رمضان، سيحول الانتقادات الجماهيرية إلى “حماس”، ويقلل من الإنجازات التي تحاول أن تبنيها في أوساط المجتمع الفلسطيني، ومن الأرباح الاقتصادية التي تجنيها بسبب هذه التصاريح”.
ولتحقيق هذا الأمر أيضاً، برأيه يجب بحث إلغاء التسهيلات الإضافية التي تم توزيعها في إطار ما يسمى “السياسة المدنية لمناسبة رمضان” (إن لم تُلغَ أصلاً)هذا بالإضافة إلى تجديد السياسة التي تقلص إدخال المواد المتعددة الاستعمال إلى غزة، والتي تستغلها “حماس” لصنع الصواريخ والأسلحة، معتبرا أن هذه فرصة للعودة إلى تجفيف مصادر قوة “حماس” العسكرية في القطاع، حتى لو كان الثمن إلحاق الضرر بالمبادرات الاقتصادية – المدنية في هذه المنطقة.